لاتختلف تقارير تقصي الحقائق عن الخطاب الإعلامي لاحداث امبابة في الافتقار إلي الشفافية والموضوعية, وفي الالتفاف حول الازمة والاعتقاد بامكانية المواجهة والحل في غياب المصارحة وهو نفسه منهج النظام السابق. الذي كرس سياسة التعتيم وترحيل الازمات إلي اجل غير مسمي فكانت الكارثة. فالخطاب الموضوعي يتطلب الوقوف علي اصل المشكلة وهو غياب قوة وسيادة القانون فالمصريون مسلمين ومسيحيين ابناء مجتمع واحد, وحضارة واحدة, ومستقبل واحد امتزجت دماؤهم معا دفاعا عن الوطن, وهم جميعا امام القانون سواء لاتمييز بينهم وفقا لاي معيار, مكفول لهم حرية العقيدة وحرية ممارسة شعائرها دون اكراه أو اضطهاد, ولايحق لفرد او تيار بعينه مصادرة حق الاخر في الوجود والمشاركة. افتقرت تقارير تقصي الحقائق تماما مثل الخطاب الإعلامي والسياسي إلي الحقائق لانه نسب الاحداث إلي الجهل والفقر, والانفلات الأمني وانتشار السلاح واحساس المصريين بالمهانة عبر عقود خلت أو لتعدد منابر التعبير الحر, وهذه في ظني كلها لاعلاقة لها باسباب احداث امبابة وان كانت تقدم وصفا جيدا له. فالتحليل الموضوعي لايقفز علي احساس الإخوة المسيحيين بالغبن سواء تعلق الأمر بقانون دور العبادة الموحد أو بتولي الوظائف العامة أو اي مصدر اخر يمكن ان يكون مسئولا بشكل مباشر أو غير مباشر عن سيادة هذا الاحساس, لانه شر مستطير يصيب صاحبه بالاحباط ويفقده القدرة علي ممارسة دوره كمواطن له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. والخطاب الشفاف لايغفل احساس اغلبية المسلمين بأن الكنيسة وعبر ممارسات عديدة لا لبس فيها تكاد تكون دولة فوق الدولة وان دولة القانون تقف عاجزة حيالها وهو ما دفع المواطن العادي لان يحل محلها وباسلوب غير مقبول وغير مبرر في تفعيل القانون, ذلك ان اي تيار اسلامي أو مسيحي ليس من حقه ان ينصب من نفسه خصما وحكما وجلادا في الوقت نفسه, وليس منطقيا في ظل مناخ الحريات الحالي الاستقواء بالكثرة العددية للضغط علي الكنائس أو الاستقواء بالخارج من قبل بعض الاخوة المسيحيين لان في هذا وذاك شيئا لابد منه, ومباشرة للحرية في غير محلها, واستنزافا لطاقة المجتمع في غير ما وضعت له. لقد كان من الممكن تفادي وقوع احداث امبابة وغيرها لو مثلت المواطنة المشتبه في تغيير دينها لتعبر عن رأيها بكل وضوح ولتعلن امام جهات التحقيق موقفها من العقيدة التي هي عليها ليستريح الضمير الجمعي المصري, ويهدأ الرأي العام, وينصرف المصريون المسلمون والمسيحيون للعمل والانتاج يدا بيد لانهم لايمكن إلا ان يكونو كذلك, فالنسيج المصري الواحد ابي علي مر الدهر ان يضعف امام مؤامرات الداخل والخارج. كما لايجوز ان تغفل التقارير المتزنة لتقصي الحقائق الكشف عن حقيقة احتجاز الكنيسة لبعض المصريات اللاتي تدور حولهم شبهة التحول من المسيحية إلي الإسلام, وان هذا الاحتجاز أو محاولة تقييد حرية اختيار العقيدة هو سلوك يتنافي مع كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر كما يصطدم مع الدستور نفسه. وتقارير تقصي الحقائق الأمنية لايمكن ان تخفي حقيقة المستخدم الأول للسلاح في احداث امبابة, وعدد الضحايا من الجانبين, ولايمكن ان تتكتم علي هوية المعتدين وانتماءاتهم, لكن ان تصدر تقارير باتهامات مرسلة عاجزة عن تعيين مصدر الداء أو المسئول المباشر وغير المباشر عن الاحداث فهو ما يجعلها حبرا علي ورق ويضعها في مصاف الخطاب الإعلامي الذي يحوم حول الحدث حذرا مترددا يطرح انصاف الحقائق. ان الخطوة الأولي في طريق مواجهة الاحتقان الطائفي ومنع تكرار احداث امبابة هي ان نكون صرحاء مع الذات قادرين علي قول الحق ولو كان مرا وألا تتنازل الدولة لغيرها عن صميم مسئوليتها ولا تركن إلي جلسات الصلح العرفي علي حساب التطبيق الصارم للقانون ويقيني ان ماحدث في امبابة وغيرها ليس إلا عرضا زائلا لان المسيحيين قبل المسلمين يدركون حقيقة ان الإسلام دين اخوة وتسامح وتعايش ومشاركة, وانه دين حضاري يعطي للآخر المختلف دينيا نفس الحقوق نفسها دون تمييز. أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة المزيد من مقالات د.بسيونى حمادة