في أول الليل, قالت - إيه رأيك يا أبو مرسي لو كلمت أم عبده, وطلبت منها تجيب لنا اتنين كيلو فشة, وكيلو ممبار؟ كانت تقعد علي حافة المقعد الكبير الذي اعتاد هو أن يجلس عليه تضغط أنبوبة الكريم المفتوحة وتميل إلي الأمام لكي تطول قدمها العارية وتدهنها, لكن جسمها الممتلئ كان يعوقها عن ذلك. وهو توقف عن متابعة البرنامج ونظر إلي الأصابع القصيرة المتورمة علي السجادة القديمة. كان اخذ الحباية وركن زجاجة الماء إلي جوار قدمه وقال: أم سيد مين؟ أنا قلت ام سيد؟ أنا باقول أم عبده. أم عبده مين بقي؟ بتاعة السيدة عيشة اللي بتجيب الحاجات؟ وهو فكر وقال: -طيب؟ أنا أخذت من جيبك فلوس وبعتها مع ربيع البواب. أخذتي كام؟ هي ورقة بميتين جنيه, إللي كانت في جيبك. يا نهار اسود. ميتين جنيه؟ الله. حاجات البيت محتاجها؟ البيت محتاج فشة وممبار بميتين جنيه؟ اعتدلت وهي تلهث: فشة إيه وممبار إيه ؟ أنا باقول علي البصل والتوم. بصل وتوم؟ أيوه, بتقشره وتفرمه, وتاخد في الكيلو جنيه مصنعية. أمال إيه حكاية الفشة والممبار؟ عفاف جت وانت نايم, وقالت يا ماما أنا نفسي فيهم؟ كان يسمعها وهو يجلس منحرفا علي الكرسي الذي اعتادت هي الجلوس عليه غير مرتاح لمثل هذا الكلام الذي يفقده القدرة علي التركيز في البرنامج الذي يشاهده. وكان كلما انتقل من قناة إلي أخري وجد نفس الناس الذين يتحدثون هنا هم نفس الناس الذين يتحدثون هناك. لم تكن تتابع القنوات التي يتابعها ولكن كان عندها نوع من الاشتراكات التي قامت البنت عفاف بتوفيرها لجهاز الموبايل الخاص بها وترسل لها الأخبار القصيرة أولا بأول. كان يفاجأ بها قادمة تعرج من الحجرة الداخلية وتخبر أثناء عبورها أنهم, مثلا, أخلوا سبيل سوزان مبارك من غير ضمانات, أو تلتفت وتقول إنهم حبسوا العادلي خمستاشر يوم في قضية غير قضية الفلوس, أو حبسوا الفقي تاني, أو أمسكوا بنظيف رئيس الوزارة من أجل نمر العربات.. وهكذا, وهو كان يتركها تظن أنه لا يعرف حكاية الاشتراكات التي عملتها لها البنت عفاف ويدعها تحتفظ لنفسها بالسر. وعندما كان يسمع الصفير القصير المتكرر الذي يصدر عن جهازها يعرف أن رسالة جديدة وصلتها ويتصرف مثل واحد لم يسمع شيئا. كما كان يتعمد أن تظهر عليه علامات الدهشة مع كل خبر تأتي به ويلاحظ علامات الرضاء علي وجهها بينما تستدير عائدة إلي حجرتها. - يعني سمعتني وسكت. هكذا قالت بينما يتفرج ونفذ صبره وقال: طيب ومرسي؟ ماله؟ يعني عفاف تاكل ممبار وأخوها يتفرج عليها. مرسي بيحب الفشة وهي بتحب الممبار. أنا عامله حسابي. طلبتي من ام سيد تجيب ده, وتجيب ده؟ أنا جبت سيرة ام سيد؟ أنا باقول أم عبده؟ وجذبت جلبابها علي ساقيها وقامت تتكئ علي ركبتيها. حينئذ أسرع يترك مقعدها ويعود إلي مقعده. قبل عدة أيام كانت أخبرته أن صفوت الشريف عنده ورم خبيث في البروستاتا. وفي الليل جلس علي هذا المقعد صامتا يتخيل أن صفوت الشريف يقول: آه من الا وهو يجلس وحده علي الأسفلت, ثم إنها أبلغته بالأمس أن صفوت الشريف دعا زملائه المسجونين الكبار إلي وجبة سمك ودفع اثني عشر ألفا وأربعمائة جنيه, حينئذ لم يعرف إن كان تم علاجه أم أنه أكل السمك وهو تعبان. وبدأ ينعس في شعره الأبيض المنكوش وهو يظن أن حالة الارتباك التي أصابته هذا المساء كان سببها جلوسه في مقعدها وليس في مقعده المعتاد حيث يكون أقدر علي فهم ما يسمعه وأن يغفو ويصحو دون أن يفوته شيء. وفي أثناء ذلك جاءه صوتها وهي تغيب في حجرتها طالبة منه أن يعيد زجاجة المياه إلي مكانها, وهو مال برأسه ورأي الزجاجة المركونة بجانب قدمه ثم أغلق عينيه ونام. المزيد من مقالات إبراهيم اصلان