في عصرنا الحديث يقيسون فاعلية الدبلوماسية في دولة ما بمدي قوتها في الداخل, بمعني أن هذه الدولة لا تعاني أزمة سياسية أو اقتصادية أو طائفية, فإن هي وقعت في مثل هذه الأزمات, فإن دبلوماسيتها تتسم بالضعف وقلة التأثير. والمعني العصري أيضا يقول: إن السياسة الخارجية يجب أن تعكس القوة الداخلية والاستقرار في الدولة, إذا كانت هذه هي النظرة المعاصرة فإن الإسلام الذي حمل دعوته نبي الإنسانية محمد صلي الله عليه وسلم قد سبق إلي مستوي أفضل مما تتبناه الدبلوماسية التي يعيشها المعاصرون الآن غموضا ودجلا وكذبا ونفاقا ومطامع شخصية واستغراقا في الأنا والبراجماتية. لقد اهتم الرسول صلي الله عليه وسلم وهو يبني البيت العربي والمعلم بثلاثة أساسيات تكفل الصمود والاستقرار لهذا البيت, وتمثلت هذه الأسس في: الاخاء بمعني التحام المجتمع بكل عناصره وأطيافه وانصهاره في بوتقة واحدة, وتنظيم الثروة بمعني بناء المجتمع علي أسس من التكامل الاقتصادي والتضامن والتكافل الاجتماعي, وحماية المجتمع من الحروب الأهلية, بمعني أن تقوم أركان هذا المجتمع علي الابتعاد عن كل ما ينغص ا لناس من الطائفية البغيضة, إلي التعصب المذهبي أو نحله, إلي التمسك بالعادات وتقاليد ضارة تثير الصراعات ويأباها الخلق المستقيم. في حالة الاخاء: رأينا رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينةالمنورة, وقد انتقل إليها من مكةالمكرمة يضع لبنات وأسس ا لمجتمع الإسلامي, وفي المدينة أيضا وجد عناصر متباينة فقيرة الاوس والخزرج والمهاجرون من مكة ويجاورهم اليهود وطوائف شتي تفتقر إلي التجانس, وكان علي النبي صلي الله عليه وسلم أن يقوم بعمل يوحد بين المسلمين ويعقد أواصر الاخاء الإنساني بينهم وبين غيرهم, فعمل علي تحييد اليهود وتركهم وشأنهم يديرون حياتهم لكم دينكم ولي دين ثم آخي بين عناصر المجتمع, فلم يعد هناك أوس وخزرج ومهاجرون وأنصار, وإنما انصهر الجميع تحت عباءة الإسلام, وطنا لا يفرق بين أبنائه. وفي حالة حماية ا لمجتمع من الحروب الأهلية, فقد حارب الإسلام الطائفية وسالم من يخالفه العقيدة وحرم بث جذور الفتن بين أبناء المجتمع الواحد, وبينه وبين المجتمعات الأخري, وحرم الحروب إلا إذا كانت دفاعا عن الوطن والعقيدة أو رد العدوان, كما نهي عن أكل أموال الناس بالباطل والخداع والغدر والخيانة, ودعا إلي كل ما يقيم العدل والألفة والحب والحياة الرحيمة بين كل البشر, وهي دعوة الرسالات السماوية, ووحي الله لرسله وأنبيائه لو كان الناس يدركون.