توقفت كثيرا عند رسالة الطلب المستحيل للسيدة التي يصر زوجها علي ضرورة إجراء عملية تجميل لها, لإزالة بعض الندبات واصلاح ما يراه عيبا فيها, وقد سمعنا من قبل عن طلبات مماثلة من أزواج لاهم لهم إلا المظاهر الكاذبة أو الخادعة.. وتأملت حالي ووجدتني لا أختلف كثيرا عن كاتبة هذه الرسالة فلقد تخرجت في كلية الصيدلة وعينت معيدة بها, ثم حصلت علي الماجستير والدكتوراه, وأصبحت استاذة في الجامعة, وطوال تلك السنين لم ألتفت الي العلاقات العاطفية, ولم أقم لها وزنا, وظل شغلي الشاغل هو أن يكون لي شأن بين زميلاتي وزملائي المتفوقين.. وصددت كل محاولات التقرب مني, وهكذا تعديت سن الثلاثين دون زواج في الوقت الذي ارتبطت فيه كل صديقاتي وزميلاتي.. وبالطبع فأنت تعلم عادات المجتمع الشرقي وطباعه التي تنظر الي البنت التي يفوتها قطار الزواج نظرة شفقة وأحيانا نظرة دونية.. نعم لا تستغرب فهذا هو الواقع المؤلم الذي وجدتني فيه فجأة ولم أتحمل هذه النظرات القاتلة فقررت أن أقبل بأول طارق علي بابي من منطلق ظل راجل ولا ظل حيطة كما يقولون. وكان هذا الطارق مدرسا بالتعليم الأساسي, وله تجربة زواج سابقة لكنها لم تثمر عن أولاد, وربما يكون زواجه مني بهدف الإنجاب, المهم أنني لحقت بقطار الزواج, ولم أفكر مطلقا في الفارق الثقافي بيني وبينه, ورحت أمني نفسي بحياة مستقرة وسعيدة. ولم يمر أسبوع واحد علي الزواج حتي فوجئت به يطلب مني أن أتعلم الرقص, لأنه يريد أن يرافقني كما يفعل زملاؤه وأصدقاؤه, فتعجبت ودار بيني وبينه حوار طويل عن زملائه الذين يتحدثون في مثل هذه الأمور التي تخص كل زوجين وأنه لا يصح أن يفضي الزوج بما يدور مع زوجته لمن حوله, وكذلك الحال بالنسبة لها فلا تبوح بأسرار علاقتها مع زوجها الي الأخريات.. لكنه أصر علي طلبه قائلا إن هناك مدارس ومراكز تدريب لتعليم الرقص. وأصررت علي موقفي وحذرته من هذا التفكير القاصر وقلت له إنني أفضل الطلاق والانفصال علي أن أوافقه فيما يريده, فرد علي بأن زوجته الأولي كانت ترقص له وتلبي كل طلباته. ومر عام كامل وأنا أحاول أن أثنيه عن الأفكار التي تسكن دماغه ووضعت مولودي الأول, وتخيلت أنه سيتغير, وأن ابنه سوف يصبح كل دنياه, ولكن هيهات.. فمازال علي موقفه من الرقص وارتداء ملابس معينة, وتناول الطعام علي الأرض, وليس علي السفرة, وغير ذلك من الأمور الصغيرة التي تجاوزت عنها شيئا فشيئا إلا الرقص حيث أشعر بالخجل من مجرد ذكر هذه الكلمة. أعلم أنك قد تندهش لرسالتي, وأن الكثيرين سيقولون إنه خيال وافتراء, ولكن أقسم بالله أنها الحقيقة المؤلمة والتي برغم تفاهتها قد تتسبب في خراب بيتي, وأقول لكاتبة رسالة الطلب المستحيل إنني أهون علي اجراء مائة عملية تجميل علي أن أدخل مكانا لتعلم الرقص.. وكل ما أرجوه هو كلمة توجهها الي زوجي لكي يشكر ربنا أن وهبه زوجة تحفظه في غيابه, وتلبي له رغباته فلا يغالي فيما يطلبه منها الي هذه الدرجة المستحيلة, ثم هل لو كنت راقصة من الأساس كان ذلك أفضل له ولن يتسرب الشك إليه؟.. حقا.. إن هناك رجالا لا يشعرون بالنعمة الموجودة بين أيديهم إلا إذا فقدوها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. إني أتعجب من هذا النوع من الرجال الذي يحصر السعادة الزوجية في جزئية تافهة كالرقص مثلا فبامكانه أن يشاهد وصلات الرقص التي يريدها علي قنوات التليفزيون والانترنت وخلافه.. سواء الرقص الشرقي, والشعبي أو حتي الباليه وغيره من الفنون الأخري, أما أن يجبر زوجته علي تعلم الرقص فهذا هو العجيب والمدهش وإنني أصدقك يا سيدتي.. ولا أجد سببا يجعلك تفتعلين هذا السبب للدلالة علي سطحية تفكير زوجك, فهو بالفعل محدود الأفق ليس لأنه حاصل علي مؤهل أقل منك, أو أنك أستاذة بالجامعة وهو مدرس بالتعليم العام, ولكن لأنه تغاضي عن كل صفاتك الحسنة وركز علي مسألة الرقص.. واني اسأله: هل كل السيدات المتزوجات راقصات.. وهل السعادة بين الزوجين لا تكتمل إلا بالرقص.. ثم هل خلت حياتك من المشكلات حتي إنه لم يبق إلا الرقص الذي تريد من زوجتك أن تتعلمه؟. يا سيدتي.. أعيدي مناقشة زوجك فيما يسيطر عليه من أفكار سواء الرقص أو غيره مما المحت إليه في رسالتك بخصوص العلاقة الخاصة بينكما, ولتكن استجابتك لما يريده أمرا خاصا بكما ينبغي عدم البوح به للآخرين فلا يصح فضح أسرار البيوت, وهذا ليس مجالا للحديث والثرثرة بين الأصدقاء والأقارب. وأرجوه أن يمعن التفكير في مزاياك وعيوبك, وسيجد أن الآخرين يتمنون أن يرتبطوا بمن تحمل جزءا من صفاتك وليست كلها.. أسأل الله لكما الاستقرار والتوفيق, وان يحفظكما من شرور الراقصين والراقصات!!