لايزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو علي صلف مواقفه, يعيش في عالمه الافتراضي برغم المتغيرات العديدة التي تحيط بأزمة الشرق الأوسط, يؤكد استمرار احتلال إسرائيل للأرض العربية في القرن الحادي والعشرين, ويتهرب من مسئوليات عملية السلام, ويسعي الي فرض شروطه المستحيلة التي يصعب علي أي من الزعماء الفلسطينيين مهما يكن اعتدالهم قبولها, وبدلا من أن يدرك عمق التغيير الذي حدث في الشرق الأوسط نتيجة انتفاضة الديمقراطية التي أيقظت الضمير العربي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني, وجعلت إرادة الشعوب عاملا مهما في تحديد صورة الغد العربي لايمكن إهدارها, وأنهت فكرة الاعتماد علي إرادة الحاكم الفرد لضمان سلام حقيقي يربط بين شعوب المنطقة, لايزال رئيس الوزراء الإسرائيلي يتصور أن العدوان المستمر كفيل بردع الشعب الفلسطيني وإلزامه الرضوخ لمطالب إسرائيل, وأن القوة وحدها يمكن أن تحقق أمن إسرائيل برغم عزلتها الشديدة! لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتفهم مغزي ما حدث في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية, وما تبعه من مظاهرات صاخبة, حاصرت السفارة الإسرائيلية عدة ساعات تعبيرا عن غضب الشارع المصري من ممارسات إسرائيل الوحشية ضد الشعب الفلسطيني, وضيقه من التسويف المستمر في عملية السلام, يتصور واهما أن ما كان متاحا بالأمس سوف يكون متاحا في الغد, برغم التغيير الجذري الذي طرأ علي مصر بعد ثورة52 يناير ليجعلها أكثر إدراكا لمسئولياتها الوطنية والقومية. صحيح أن غالبية المصريين لاتزال تساند معاهدة السلام, وأن كل المرشحين في انتخابات الرئاسة المصرية القادمة يؤكدون ضرورة احترام مصر لجميع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها وبينها معاهدة السلام مع إسرائيل, وإن كان الأكثر تشددا يطالب بعرض المعاهدة علي استفتاء شعبي عام, لكن الصحيح أيضا, أن نسبة غير قليلة من المصريين لاتزال ترفض المعاهدة, وإن الغالبية العظمي تريد علاقات ندية مع إسرائيل تحافظ علي السلام دون أن تعطيها أية امتيازات خاصة, وتساند بقوة رفض تفرد إسرائيل بالسلاح النووي, وتطالب بضرورة اخضاع ترسانتها النووية للتفتيش الدولي مهما يكن حجم الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها مصر, في إطار رؤية متكاملة تؤكد ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من جميع الأسلحة النووية, يستوي في ذلك سلاح إسرائيل وسلاح إيران النووي. ولا يريد نيتانياهو أيضا أن يدرك مغزي ما حدث أخيرا في ذكري النكبة, عندما تدفق آلاف الشباب الفلسطينيين عبر الأسوار الشائكة ليصل الي نقاط التماس مع إسرائيل في الضفة وغزة والجولان ولبنان, في مواجهة رصاص الجيش الإسرائيلي الذي قتل أكثر من41 شابا وجرح المئات من الشباب الفلسطيني, في حادث فريد لا سوابق تاريخية له, يمكن أن يتكرر ويتصاعد ويضم أضعاف أضعاف هذه الأعداد في المرات القادمة, يؤكد تصميم الشباب الفلسطيني, علي بذل المزيد من التضحيات بعد أن نفذ صبر الشعب الفلسطيني من التسويف المستمر في استعادة الحد الأدني من حقوقه, بسبب إصرار حكومات إسرائيل المتعاقبة علي الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة وحول القدسالشرقية, ونشاطها البالغ في شق الطرق الطولية والعرضية التي حولت الضفة الي كانتونات معزولة, واستمرار حصارها الخانق لقطاع غزة, وعدوانها اليومي علي كرامة الشعب الفلسطيني, وتهاون المجتمع الدولي والولايات المتحدة في وقف هذا العدوان. وبرغم تصاعد بعض الأصوات العاقلة داخل إسرائيل, تدعو بنيامين نيتانياهو الي تفهم هذه المتغيرات, لأن التأخر في الاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني العادلة سوف يزيد القضية صعوبة وتعقيدا وربما يؤدي الي انتفاضة ثالثة سوف تزيد أعداد الضحايا من الجانبين, لايريد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يلقي بالا الي كل هذه المتغيرات التي تفرض نفسها علي واقع المنطقة, وتؤذن ببزوغ عالم عربي جديد أكثر قدرة علي الدفاع عن حقوقه, يحكم إرادته السياسية تطلعات شعوبه وشبابه وليس مجرد نخبته الحاكمة, يرفض الحرب والعدوان, ويرضي بسلام عادل متكافيء مع إسرائيل, يقوم علي استعادة كل الأرض العربية المحتلة مقابل كل السلام مع إسرائيل, لكنه لا يقبل بالهيمنة الإسرائيلية. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي, يعتقد برغم كل ذلك أنه لا مبرر البتة لأن تغير إسرائيل سياستها أو تستمر في جلد النفس, وأن ما يحدث في العالم العربي من متغيرات يصعب التكهن بنتائجها يستوجب المزيد من التشدد والانتظار, لأن ما يجري في مصر ربما يؤدي الي وصول الإسلاميين الي الحكم وتهديد سلامها مع إسرائيل, ولأن عبور الشباب الفلسطيني الحدود في ذكري النكبة يشير الي أن الفلسطينيين يصرون علي العودة الي حيفا ويافا والجليل بما يعني تدمير إسرائيل, ولأن المصالحة بين حماس وفتح تعني إغلاق أبواب التفاوض مع الفلسطينيين, لأنه لا معني للتفاوض مع أية حكومة وحدة وطنية فلسطينية تشارك فيها حماس, التي لاتزال وثائقها الأساسية تتحدث عن تدمير إسرائيل واسترجاع كامل الوطن الفلسطيني من النهر الي البحر! ومع الأسف يعرف الجميع أن نيتانياهو كاذب ومضلل, وأن مصر سوف تحافظ علي التزامها بالسلام إذا حافظت إسرائيل عليه, لأن غالبية المصريين لا يرون في الحرب حلا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وأن المصالحة مع حماس لا تسحب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس حقه في الاستمرار في التفاوض مع إسرائيل وصولا الي حل عادل يتم عرضه علي الشعب الفلسطيني في استفتاء عام, وأن السلطة الوطنية الفلسطينية نجحت خلال الأعوام الأربعة الأخيرة في اقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية, وأعادت الي القانون احترامه في الضفة الغربية, وحسنت الي حد كبير أوضاع الفلسطينيين هناك وأسهمت في زيادة أمن إسرائيل, وأن حماس وفتح توافقان من حيث المبدأ علي دولة فلسطينية تقوم علي أرض الضفة والقطاع تنهي كل أوجه الصراع مع إسرائيل, وأن الذي أغلق فرص التفاوض هو رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو الذي أصر علي الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة وحول القدسالشرقية, ورفض مقترحات الرئيس الأمريكي أوباما بتجميد الاستيطان إذا استمرت المفاوضات بين الجانبين, وركبه الغرور الي حد إهانة نائب الرئيس الأمريكي بايدن. ولايبدو أن رحلة نيتانياهو القادمة الي واشنطن ومباحثاته مع الرئيس الأمريكي أوباما يمكن أن تنتج آثارا إيجابية تفتح طريق التفاوض المغلق بين الفلسطينيين والإسرائيليين, لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لايزال يتمسك بشروطه المستحيلة, يصر علي ضرورة أن يعترف الفلسطينيون ابتداء بإسرائيل دولة يهودية, ويطالب بوجود عسكري إسرائيلي داخل الضفة, يقنن احتلال وادي الأردن ضمانا لأمن إسرائيل, ويعتبر اتفاق المصالحة بين فتح وحماس نكوصا عن مسيرة السلام, ويطلب من الفلسطينيين المقايضة علي القدسالشرقية بانسحابه من معظم أراضي الضفة مع الإبقاء علي الكتل الاستيطانية الكبري داخل حدود إسرائيل!. وعلي الناحية الأخري, لا تشير الدلائل الي إمكان أن يعاود الرئيس الأمريكي أوباما ضغوطه علي رئيس الوزراء الإسرائيلي, لتجميد عمليات الاستيطان في الضفة والقدسالشرقية واتاحة الفرصة أمام استئناف التفاوض بين الجانبين, لأن نيتانياهو لا يري ضرورة للتعجل ويعتبر اتفاق المصالحة الفلسطينية نهاية التفاوض, ويشترط ضرورة اعتراف حماس بإسرائيل, وإعلانها نبذ العنف والمقاومة المسلحة وسيلة لإقرار الحقوق الفلسطينية, وتأكيد موافقتها علي كل الاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية مع إسرائيل, وهو أمر لن تقدم عليه حماس في هذه المرحلة, ولايبدو أيضا أن الرئيس الأمريكي مستعد لتقديم مبادرات سلام جديدة بعد استقالة مبعوثه جورج ميتشيل قبل عدة أيام بعد عامين من الدوران في حلقة مفرغة بسبب مماطلة إسرائيل وغياب استراتيجية أمريكية واضحة تلزمها الرضوخ لمتطلبات عملية السلام. ولأن نيتانياهو يواجه انتقادا حادا داخل إسرائيل بأنه يذهب الي واشنطن دون رؤية سياسية أو خطة عمل واضحة تساعد إسرائيل علي تقويض محاولات الفلسطينيين الحصول علي قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة, يعترف بشرعية قيام الدولة الفلسطينية, فربما يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي علي استعداد لأن يعلن في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي يوم الاثنين المقبل استعداد إسرائيل لإعادة معظم أراضي الضفة عدا تلك التي تقام عليها الكتل الاستيطانية الكبري مع احتفاظه بالقدسالشرقية, واستئناف التفاوض مع الفلسطينيين مع تجميد مشروعات الاستيطان في الضفة وليس القدس لثلاثة أشهر غير قابلة للتجديد, شريطة أن يلتزم الرئيس محمود عباس بعدم إعلان قيام الدولة الفلسطينية دون تفاوض مسبق مع إسرائيل, ويقبل بتأجيل مناقشات الجمعية العامة لأجل غير مسمي, ولا يبدو أن محمود عباس يمكن أن يقبل هذا التنازل لأنه يكاد يقرب من أن يكون انتحارا سياسيا, خاصة أنه يعرف أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مناورة سياسية, وأن الفلسطينيين الذين يفاوضون الإسرائيليين لفترة طالت الي أكثر من02 عاما, لا يستطيعون أن يظلوا في موقف الانتظار الي ما لا نهاية! وسوف يرتكب الرئيس الأمريكي أوباما خطأ بالغا يعكس آثاره السلبية علي علاقاته مع العالمين العربي والإسلامي, إن وقع في مصيدة رئيس الوزراء الإسرائيلي, ومارس ضغوطا قوية علي الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإلزامه التخلي عن محاولة استصدار قرار من الجمعية العمومية يعترف بشرعية الدولة الفلسطينية الذي تقول كل التقديرات إنه يمكن أن يحظي بمساندة071 دولة, لأن نيتانياهو كما وضح من خطابه الأخير أمام الكنيست الإسرائيلي لن يقدم عرضا جادا لسلام حقيقي يفتح الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية, وهذا ما تقوله شروطه المعلنة شبه المستحيلة, ولكنه يمارس مناورة محدودة تستهدف تطويق جهود الفلسطينيين داخل الأممالمتحدة في سبتمبر المقبل, لأن نجاح الفلسطينيين في استصدار هذا القرار يكفي لإيقاع هزيمة ثقيلة برئيس الوزراء الإسرائيلي. المزيد من مقالات مكرم محمد أحمد