خالد البلشي يستقبل الصحفي التلفزيوني عادل العبساوي في مكتبه    قبل عمرة المولد النبوي.. سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025    تراجع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم في مصر الجمعة 15-8-2025 وعيار 21 بالمصنعية    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    15.8 مليون جنيه حصيلة بيع سيارات وبضائع جمارك الإسكندرية والسلوم في مزاد علني    عبير الشربيني متحدثًا رسميًا لوزارة البترول    مفتي الجمهورية يستنكر التصريحات المتهورة حول أكذوبة «إسرائيل الكبرى»    روسيا: طرد دبلوماسيينا من إستونيا «محاولة لشل السفارة» ولن ينجح    مشروع تقسيم الصفة الغربية.. نتنياهو يرفض التعليق وسموتريتش: يدفن فكرة الدولة الفلسطينية    تنسيق مغربي إسباني يحبط عملية تهريب دولية للكوكايين    بعد انتهاء مباريات اليوم .. تعرف علي ترتيب جدول ترتيب الدورى الممتاز الخميس 14 أغسطس 2025    محمد عباس يدير مباراة الزمالك والمقاولون بالدوري    ملف يلا كورة.. وداع منتخب اليد.. اكتساح مصر للسلة.. وقائمة الأهلي    موعد مباراة الأهلي وفاركو اليوم في الدوري المصري والقنوات الناقلة والمعلق    رحيل مفجع.. التصريح بدفن ضحايا ألسنة نار مصنع البلاستيك بالقناطر الخيرية    مصرع طالب في تصادم سيارة ودراجة بخارية بقنا    ليلة رعب بالقليوبية.. معركة بالأسلحة البيضاء تنتهي بسقوط المتهمين بالخصوص    الحر يضرب بقوة ودرجة الحرارة تصل ل49.. حالة الطقس اليوم وغدًا وموعد انتهاء الموجة الحارة    الكوميديا تسيطر على أحداث برومو "ماما وبابا" قبل عرضه في السينمات 27 أغسطس    هشام عباس يحيي حفلًا كبيرًا في مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء 18 أغسطس    علاء زينهم: أعيش في سلام نفسي وتعلمت مواجهة التنمر بروح التحدي    تامر حسني: «نفسي أعمل حفلات في الصعيد والأقصر وأسوان والشرقية» (فيديو)    لا تتجاهل هذه العلامات.. 4 إشارات مبكرة للنوبة القلبية تستحق الانتباه    ماذا يحدث في حلب، تسمم العشرات من أفراد "الفرقة 64" بالجيش السوري ونداء عاجل للمستشفيات    أول ظهور للفنانة ليلى علوي بعد تعرضها لحادث سير بالساحل الشمالي (فيديو)    بعد تصريحات نتنياهو، فصائل فلسطينية تطالب مصر برعاية اجتماع طارئ لصياغة "إستراتيجية وطنية"    مالي: اعتقال عسكريين ومدنيين بتهمة التآمر على الحكومة بدعم خارجي    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    النيابة تصدر قرارًا بحق المتهمين بمطاردة فتيات على طريق الواحات    "بوليتيكو": أوروبا تتأرجح بين الأمل والخوف مع لقاء ترامب وبوتين    طريقة عمل سلطة التبولة بمذاق مميز ولا يقاوم    رسميًا ..مد سن الخدمة بعد المعاش للمعلمين بتعديلات قانون التعليم 2025    رسميًا الآن.. رابط نتيجة تنسيق رياض أطفال 2025 محافظة القاهرة (استعلم)    «هتستلمها في 24 ساعة».. أماكن استخراج بطاقة الرقم القومي 2025 من المولات (الشروط والخطوات)    #رابعة يتصدر في يوم الذكرى ال12 .. ومراقبون: مش ناسيين حق الشهداء والمصابين    «كنت مستنياه على الغدا».. ريهام عبدالغفور تتحدث عن معاناتها نفسيا بعد مصرع والدها    خالد الغندور: عبد الله السعيد يُبعد ناصر ماهر عن "مركز 10" في الزمالك    حبس المتهمين بمطاردة سيارة فتيات على طريق الواحات 4 أيام    سحب رعدية تقترب.. أسوان ترفع درجة الاستعداد لمواجهة الأمطار    «اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم».. دعاء يوم الجمعة ردده الآن لطلب الرحمة والمغفرة    بيراميدز يخوض ودية جديدة استعدادا للمواجهات المقبلة في الدوري    الفصائل الفلسطينية: نثمن جهود الرئيس السيسي الكبيرة.. ونحذر من المخطط التهويدي الصهيوني في الضفة    هترجع جديدة.. أفضل الحيل ل إزالة بقع الملابس البيضاء والحفاظ عليها    تناولها يوميًا.. 5 أطعمة تمنح قلبك دفعة صحية    بالصور| نهضة العذراء مريم بكنيسة العذراء بالدقي    وزير البترول يكلف عبير الشربيني بمهام المتحدث الرسمي للوزارة    القانون يحدد ضوابط استخدام أجهزة تشفير الاتصالات.. تعرف عليها    طرائف الدوري المصري.. لاعب بيراميدز يرتدي قميص زميله    ستيفان مبيا: محمد صلاح كان يستحق الفوز بالكرة الذهبية في السنوات الماضية    بعد موافقة النواب.. الرئيس السيسي يصدق على قانون التصرف في أملاك الدولة    تعرف على عقوبة تداول بيانات شخصية دون موافقة صاحبها    لأول مرة بمجمع الإسماعيلية الطبي.. إجراء عملية "ويبل" بالمنظار الجراحي لسيدة مسنة    هل دفع مخالفة المرور يسقط الإثم الشرعي؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ الجيزة يخفض تنسيق القبول بالثانوي العام 5 درجات ليصبح 220 درجة    درة تاج الصحافة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكاذيب الإفلاس والانهيار ومخططات الترويع الاقتصادي‏,1‏ 3]‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2011

فجأة وبصورة فجة ومبتذلة وبالتجاهل لبديهيات علم الاقتصاد أصبحت مصر في نظر عدد من الصحف ووسائل الاعلام موشكه علي الافلاس وفجأة وبشكل متعمد ووفقا لمخطط تآمري تبثه هذه الوسائل لاحت في الأفق المصري شواهد الانهيار الاقتصادي. وتصاعدت نذره المشئومة لتظلل السماوات والأرض وقد تبارت كودية زار متعددة الأشكال والألوان في الصراخ والعويل إلي حدود تأكيد أحدهم أن مصر مقبلة علي ثورة جياع, وكأن الجوع ظاهرة مستجدة ومستحدثة علي أم الدنيا وكأنها نبت شيطاني ظلل أرض المحروسة مع بزوغ فجر الثورة وكانت ملامح الترويع الاقتصادي والمالي تتلاحق يوما بعد يوم مع تصريحات وزير المالية المتكررة عن انخفاض معدلات النمو وعن ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة وعن انخفاض الاحتياطي النقدي وتحذيره من مصيبة المصائب المرتبطة بارتفاع العجز لأكثر من10% في الميزانية القادمة, وكأن مصر لم تتعرض من قبل وخلال الثمانينيات من القرن العشرين لعجز في الموازنة العامة ارتفع إلي24% من الناتج المحلي الاجمالي مع نضوب شديد لاحتياطيات النقد الأجنبي, وكأن الوزير وغيره لا يعلمون أن مصر لم تعلن افلاسها وأن اقتصادها لم يتعرض للانهيار وكأن الوزير الهمام لا يعلم أن الدول الاسكندنافية الأوروبية تمارس سياسة التمويل بالعجز للموازنة العامة بشكل دائم ومستمر بمعدلات تكاد تقترب من نسبة ال10% التي يراها مزعجة ومخيفة, ويتلقفها آخرون للغزل علي منوالها والتبشير بالانهيار والافلاس والسقوط الكارثي المدوي والصارخ.
لا يستطيع أحد انكار أن هناك أزمات اقتصادية وأن هناك أزمات مالية ولكنها جميعا من موروثات العهد البائد الفاسد وسياساته المنحرفة ومنهج الأصولية الرأسمالية المدمر الذي فرضه علي الدولة والمجتمع ولكن كل ذلك وغيره كثير لا ينفي أن هناك ضوابط يجب أن يلتزم بها الوزراء في تصريحاتهم وأقوالهم مهما كانت درجة الولع بالتلميع الاعلامي ومهما كانت شهوة اللقاء بالقنوات الفضائية وقد تذكرت الدكتور حامد السايح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الأسبق رحمه الله واصراره الدائم علي أن تكون التصريحات المنسوبة إليه كوزير للاقتصاد في أضيق الحدود وفي نطاق الاجماليات العامة دون الدخول في التفاصيل وكان يبرر ذلك دائما بحساسية المنصب وحساسية الأوضاع الاقتصادية وأن الفهم الخاطيء أو الملتوي لتصريح اقتصادي قد يتسبب في أزمة وقد يتسبب في كارثة كما يؤكد دائما أن ذلك خبرة العالم المتقدم المتحضر الواجبة الاحترام حفاظا علي المصلحة العامة ومن أبرز الأمثلة علي القيود والضوابط التي يمارسها العالم في نطاق المال والاقتصاد والنقد أن قيام رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي: البنك المركزي بعقد مؤتمر صحفي لظروف ملحة وضرورية خلال الشهر الماضي كان يشكل سابقة فريدة استدعت اهتمام أجهزة الاعلام العالمية بحدوثها ومعناها ومضمونها عند الاعلان عنها وهو ما يعني أن المسئول يتحدث ليشرح ويوضح ويطمئن في سياق يستشرف آفاق الحلول المستقبلية الممكنة والمتاحة ولا يكتفي فقط بالصراخ والعويل وتبني منطق التخويف والوعيد وكأنه لا يعرف أن منصبه يفرض عليه البحث عن البدائل والحلول وتعميق الثقة واليقين بإمكانية تجاوز الأزمات مهما كانت درجة تعقيدها وحدتها.
قروض صندوق النقد وروشته الاضرار بالقاعدة العريضة
وقد فجرت تصريحات وزير المالية سمير رضوان عن الفجوة التمويلية بركان الترويع الاقتصادي خاصة أنه تحدث عنها في غير محلها وبغير معناها الاقتصادي والمالي المنضبط فقد تحدث الوزير عن فجوة تمويلية تبلغ قيمتها12 مليار دولار وتحدث عنها باعتبارها فجوة تمويلية في الأجل القصير وهو دائما يقع في فترة زمنية تتراوح بين ستة واثني عشر شهرا قد تطول في بعض الأحيان إلي ثمانية عشر شهرا علي الأكثر وتحدث عنها باعتبارها فجوة تمويلية مقدرة بالنقد الأجنبي وقام بعرضها خلال الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخير, في واشنطن وتناثرت أخبار غير مدققة وغير موثقة عن قيمة الفجوة التمويلية باعتبارها طلبا للتمويل تم تقديمه من الحكومة المصرية وأعلن الصندوق ذلك في الفترة الماضية وأنكر وزير المالية المصري تقديم الطلب ثم أعلن عن قروض ميسرة من البنك الدولي قيمتها2,2 مليار دولار بما تسبب في خلط غريب ومريب للأوراق اضافة إلي اثارة تساؤلات جادة حول الشروط والمشروطية اللازمة والمتعارف عليها دوليا للحصول علي قروض من البنك والصندوق.
وتستوجب تصريحات وزير المالية الصاخبة علي المتخصصين أن يتعاملوا معها في ضوء بديهيات الاقراض الدولي المتعارف التي يعرفها طلبة الدراسة الجامعية الذين يؤهلون للتخصص في العلوم المالية والاقتصادية وهي تقول ببساطة أن صندوق النقد يقدم قروضه لتمويل الخلل في ميزان المدفوعات للدول وهي بذلك نوعية من القروض لتمويل العجز في التعامل مع العالم الخارجي بكل صوره وأشكاله وفي مقدمتها سداد الالتزامات الخارجية خاصة تلك الناشئة عن أقساط وفوائد القروض بالنقد الأجنبي وهي ترتبط دائما ببرنامج اصلاح هيكلي صارم لمجمل الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة يدخل في ثنايا قرارات حاسمة وحساسة تمس حياة القاعدة العريضة من المواطنين ودائما تثير القلق والاضطراب والفوضي في الدول التي تقبل حكوماتها بروشتة الصندوق للاصلاح وتتسبب في سخط شعبي عارم ومظاهرات رافضة بالغة الاتساع وهو ما يجعل دائما من طلب القروض من الصندوق قضية شائكة تديرها حكومات ولا يديرها وزير مالية أو مسئولون بالبنك المركزي حتي يتم تقدير التنازلات وتقييم الانعكاسات المترتبة علي الوصفة الصعبة والمريرة لاصلاحات الصندوق باعتباره احدي القلاع العالمية الرئيسية الحارسة للأصولية الرأسمالية بكل ما فيها من فساد ومعاناة شديدة للقاعدة العريضة من المواطنين التي تحملهم الوصفة أعباء الاصلاح وتكاليفه وقيوده.
وقد نجح وزير المالية في لمح البصر باستدعاء كل ميراث الصندوق البغيض عالميا وكل موروثاته البغيضة مصريا عندما فتح ملف طلب قروض من صندوق النقد, وبعيدا عن الانكار والنفي فان مراجعة تصريحات الوزير لصحيفة الفاينانشال يوم الاربعاء الماضي تؤكد علي تقديمه لطلب قروض من الصندوق بقيمة تتراوح بين ثلاثة واربعة مليار دولار قد استعادت ذاكرة الخبراء والمختصين المفاوضات الماراثونية المجهدة والشاقة التي أدارها الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء في ذلك الوقت واستعادت الاصرار المصري علي حتمية التطبيق المتدرج خلال فترات زمنية طويلة نسبيا للبرنامج الاصلاحي المقترح مع الاصرار في المقابل علي تنفيذ سياسات تعويضية لتقليل الأعباء والتكاليف التي تتحملها القاعدة العريضة من محدودي الدخل والأهم من كل ذلك استعادوا ذاكرة تحرير أسعار الصرف وذاكرة تحرير تدفقات اسواق المال بغير قيود وكذلك ذاكرة برنامج الخصخصة وسياساتها وما شابها من انحراف وفساد وما حدث من ارتفاعات ضخمة في الاسعار مع الأخذ بقاعدة الاسعار العالمية والاسعار الاقتصادية ونتائجها المتمثلة في ارتفاع كبير لتكاليف المعيشة وتوالي ارتفاع اعتمادات الدعم السلعي في الموازنة العامة للدولة وتأثيرات العمليات الجراحية الكبري لتخفيض العجز في الموازنة العامة وتصاعد مشكلات التشغيل وتوفير فرص العمل الجديدة مع ضغط الاجور في الحدود الدنيا وضغط المعاشات في الحدود الدنيا إلي درجة فاقمت الفجوة بينها وبين التكاليف الحقيقية للمعيشة والحياة وساهمت في تصعيد التوتر الاجتماعي والرفض السياسي مع توالي تأثيرات تطبيق روشتة الصندوق اضافة لروشته الاصلاح والتحديث المرتبطة بالمعونة الأمريكية وتدفقها وما فرضته علي مصر من قيود واملاءات لاتتفق في غالبيتها مع طموحات التقدم المصرية وماصنعته من تدهور لقطاعات الانتاج السلعي في الصناعة والزراعة تحديدا والاندفاع غير المتزن لزيادة دور القطاعات الخدمية والمالية والمضاربات العقارية وقطاع السياحة بالرغم من عدم استقرارها وتعرضها السريع لتأثيرات سلبية من الأزمات الطارئة المحلية والإقليمية والعالمية.
وبالنسبة لقروض البنك الدولي التي يتحدث عنها الوزير فإن البديهيات البسيطة التي يعلمها عموم قراء الصحف ومشاهدو الأخبار والبرامج الحوارية بالقنوات التليفزيونية تؤكد أنها قروض لتمويل مشروعات وهي قروض يتم استخدامها لمشروعات كبري او صغري او متوسطة ويحتاج استخدامها الي فترة زمنية طويلة الأجل عادة وتدخل في نطاق مخطط تنموي متكامل وسياسات للتحفيز الاستثماري تشارك فيها الحكومات والاجهزة المختصة والمعنية وفي ضوء عدم حديث الحكومة الحالية عن تعديلات في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية تستوجب طلب قروض من البنك الدولي او حتي من منافذ التمويل الخارجية الأخري مثل صناديق التنمية العربية والاوروبية والآسيوية وغيرها وكأن القرارات تتخذ عشوائيا بغير دراسة وبدون تقدير مما يثير شكوك كثيرة حول جديه الحاجة الي القروض وجدية التفاوض حولها بحكم أن ذلك يتطلب اجراءات مبدئية لم يسمع احد عن اتخاذها علي مستوي السياسات والبرامج والخطط مما يجعل حديث الاقتراض من الخارج في حد ذاته حديثا ملتويا يفتقد للشفافية الواجبة واللازمة ويخرج بذلك عن سياق الاحاديث الاقتصادية الواضحة الجادة خاصة أن تصريحات الوزير تتحدث عن تخصيص القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الوقت الذي تتحدث فيه البنوك عن برنامج لاقراضها مع وجود الصندوق الاجتماعي للتنمية وقروضه التي يفترض تخصيصها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتتناقص تصريحات القروض الجديدة مع حقيقة أن الحاجة للقروض لاتتولد فجأة خاصة أن الموازنة العامة للدولة منذ الأزمة المالية العالمية في نهاية عام8002 قد رصدت اعتمادات إضافية استثماريه بمليارات الجنيهات ولم يتحدث احد يومها عن فجوة تمويلية كما لم يتحدث احد عن الاقتراض من البنك الدولي والصندوق.
الاقتراض من الصندوق مسئولية للحكومة ولا تقتصر علي وزير
وحديث الوزير عن فجوة تمويليه بالدولارات هو حديث لايدخل في اختصاصه ولايدخل بالأساس في تخصصه ومسئولياته بل يفترض أن يدخل في مسئولية البنك المركزي والاستثمار والتنمية الاقتصادية بحكم أن الفجوة التمويلية في الموازنة العامة هي اساسا فجوة يتم تمويلها بالعملة الوطنية إلا فيما يخص سداد اقساط الديون الخارجية وفوائدها وكذلك الاستثمارات العامة بالنقد الاجنبي وبنود الالتزامات الخارجية والمصروفات بالنقد الاجنبي وهي ايضا يتم تمويله عن طريق اعتمادات بالعملة الوطنية وفي النهاية فإن عجز الموازنة العامة يتم تحويله عن طريق اصدار سندات خزانة وأذون خزانة تكتتب فيها البنوك العامة والبنوك الاستثمارية والخاصة اساسا ويكتتب في جزء ضئيل منها مستثمرون اجانب بالعملة المحلية ولايمكن فهم مايعنية الوزير عن الفجوة التمويلية البالغة21 مليار دولار إلا اذا كان يقصد بها التزامات الموازنة بالنقد الاجنبي وفي مقدمتها اقساط الديون وفوائدها الخارجية مما دفع كودية الزار للحديث عن الإفلاس الاقتصادي بمعني العجز عن سداد هذه الالتزامات وعدم القدرة علي الوفاء بها وسدادها وهذا يخالف الواقع ويخالف بديهياته لأن العجز الاجمالي الكلي للموازنة العامة البالغ تقديراته921 مليار جنيه يمكن اقتراضه بسهوله من الجهاز المصرفي التي تزيد الايداعات لديه علي تريليون جنيه مصري وهو يعاني من عدم القدرة علي توظيف الجانب الاكبر منها ولاتتعدي توظيفاته نسبة05% من اجماليها حتي في ظل افراط وزارة المالية خلال السنوات الأخيرة في طرح سندات خزانة وأذون خزانة ليس فقط لتمويل العجز ولكن لتمويل قيمة السندات والأذون المتسحقة السداد في مواعيدها المحددة.
ولايمكن أن تترك الأمور الاقتصادية والمالية الكبري والمهمة في يد وزير المالية مهما كانت خبرته وعلمه بل هي دائما في دول العالم المختلفة مسئولية وزارية تضامنية كما أن المفاوضات مع صندوق النقد بل مجرد التفكير في الاعلان عن طلب قروض منه او من البنك الدولي يكون دائما محلا لدراسة واتفاق داخل ما كان يسمي بالمجموعة الوزارية الاقتصادية تعبيرا عن المسئولية الجماعية عنها اما اعطاء الضوء الأخضر فهو يتطلب دوما تدخلا مباشرا من رئيس الوزراء ومناقشة مستفيضة داخل مجلس الوزراء لارتباط الحديث عن المفاوضات دائما بوجود أزمة وتفاقم مشكلات تستعصي علي الحل الداخلي وتستوجب طلب المساعدة والمعاونة من الخارج, وتحمل تكاليف الإصلاح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وهو ما لا يترك ابدا لحكم وتقدير وزير واحد أو عدد محدود من الوزراء لأنه قرار يرتهن به مستقبل الحكومة, ويرتهن به مستقبل النظام, ويصب في خانة تحديد مسار الاحداث المستقبلية للدولة, وللمجتمع بكل توازناتها وتشابكاتها بما يعني أنه أمر لصيق للغاية بالأمن القومي ومقتضياته ومتطلباته.
لا يعني عدم تخصص رئيس الوزراء في الاقتصاد انتفاء مسئوليته عند قيامه بتسليمها لمن يسمون بالخبراء المختصين من الوزراء, بل تظل مسئوليته قائمة, وتظل المسئولية الوزارية التضامنية في قلب الموضوع والقضية, وكان ممدوح سالم رئيسا لوزراء مصر, وكانت خلفيته أنه ضابط شرطة وضابط في الأمن السياسي, وكان الدكتور فؤاد محيي الدين أستاذا للأشعة بكلية الطب, وكان الدكتور مصطفي خليل مهندسا, وكان الفريق كمال حسن علي ضابطا بالجيش, ولكن كان هناك في أغلب الاحيان نائب لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية يدير دفة الاقتصاد والمال والتخطيط, وكان دائما علما من الأعلام في تخصصه وعلمه وخبراته وكفاءته بما يضمن حدا مقبولا ومعقولا من الفهم وصواب القرار ومعقوليته.
ولكن مع التشكيلة الغريبة لحكومة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأستاذ في علوم النقل فان غياب وعدم تواجد المجموعة الوزارية الاقتصادية يعني بالضرورة فقدان التخصص بدرجة قد تضيع الكثير من الفرص علي مصر, بل وقد تدفعها إلي خيارات غير صائبة, وغير سليمة وتقودها إلي ظلمات الاحاديث المضطربة والتصريحات غير المنضبطة التي تدفع لاثارة لغط مستفز حول الانهيار الاقتصادي, والإفلاس وثورة الجياع, وغيرها وغيرها من مفردات الترويع الاقتصادي القائمة علي الوهم والتضليل والخداع المتعمد.
لا نقاش في أن مصر تمر بمرحلة انتقالية شديدة الصعوبة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بعد عقود الفساد المنظم برعاية وقيادة رأس النظام البائد الإجرامي, وتشكيله العصابي, وما تم من نهب للثروة العامة والخاصة وافقار وتجويع للمواطنين, وتعديل قسري للأولويات والطموحات حتي تتقزم مصر وتتفكك اوصالها مما يضع مسئولية واضحة علي القائمين بالمسئولية لسرعة الاصلاح والتصويب لقيادة سفينة الوطن لبر الأمان, وهو ما يتعارض جملة وتفصيلا مع صراخ وعويل الخراب القادم الذي يطرق الأبواب بحكم أن الف باء علم الاقتصاد وبديهيات علم التنمية تؤكد جميعا أن التوقعات الايجابية والطموح لغد أكثر تقدما وتحديثا يشكل أكثر من نصف مقومات النجاح والازدهار والقدرة علي تجاوز العقبات والمصاعب أما صناعة اليأس والتبشير الملح بالكارثة, فهي دائما ادوات ومخالب التعجيل بالانهيار وترتيب الاوضاع عمدا للإفلاس.
بكل المقاييس فان عجز الميزانية مقلق, ولكنه لا يعني الدخول إلي عتبات مرحلة الخطر وبكل المعايير انخفاض الاحتياطي النقدي غير مريح, ولكنه مازال في معدلات الأمان بحسابات القدرة علي تغطية الواردات الاجمالية العامة والخاصة لمدة تزيد علي سبعة أشهر وفقا للمعايير الدولية اما أحاديث السياحة, فهي أحاديث متكررة منذ حادث اكيلي لورو وأحداث الاقصر وأحداث شرم الشيخ, وغيرها وغيرها وعلاجها واصلاحها تصب في خانة الفراغ الأمني المخطط والمرسوم الذي عجز السيد وزير الداخلية حتي الآن عن اعادته مما يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب, أما أزمات السولار والبوتاجاز, فهي أزمات احترفها قطاع البترول, وكانت هناك أزمة طاحنة منذ أقل من عام تضمنت أيضا طوابير البنزين والسولار والمشتقات البترولية في ظل سامح فهمي رسول التطبيع والفساد وحاشيته التي مازالت للاسف الشديد تخنق قطاعا اقتصاديا كان في الماضي قطاعا رائدا ورمزا للتحديث والتطوير, وأصبح كما مصر كلها رمزا للفساد والانحراف, وعلامة مسجلة علي النهب والسرقة واللصوصية؟!.
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.