أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025 بأسواق الأقصر    الجدل يتجدد في أمريكا حول إلغاء التوقيت الصيفي واعتماد توقيت دائم    نائب أردني سابق: الخلافات الفلسطينية ليست جديدة لكنها اليوم أمام مفترق تاريخي حاسم    انتخابات مجلس النواب 2025.. تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تعلن أسماء مرشحيها    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية إلى شمال سيناء    تباين طفيف في أسعار الدولار بين المواقع المصرفية يعكس استقرار السوق    تداول 13 ألف طن و604 شاحنات بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    انطلاق منتدى البرلمانيين العربى الآسيوى للسكان والتنمية برئاسة القصبى    "سنودس النيل الإنجيلي" في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: مصر أرض الإيمان والسلام    إسرائيل تستعد لاستقبال جثماني محتجزين قُتلا في غزة    قناة كان الإسرائيلية: الشرطة تستعد لاحتمال تسليم حماس جثتي أسرى إسرائيليين    الكرملين: تصريحات بوتين وترامب لا تنفي إمكانية عقدهما قمة ثانية    وزارة الخارجية تحتفل بالذكرى الثمانين لإنشاء الأمم المتحدة    توروب: انتظروا أداء عالمي المستوى من الأهلي    سلوت عن تراجع أداء محمد صلاح: فترة صعبة علينا جميعًا    سيدات طائرة الأهلي يواجهن المقاولون في افتتاح بطولة دوري المرتبط    محافظ أسيوط يشدد على إزالة الإشغالات والتعديات لتحقيق الانضباط    المرور يضبط 100 ألف مخالفة و93 متعاطيا للمخدرات خلال 24 ساعة    جمارك مطار أسيوط تضبط تهريب كمية من مستحضرات التجميل    أمن القاهرة يوجه ضربات حاسمة لعصابات السرقة    "الداخلية" ضبط 13 شركة ببني سويف للنصب علي راغبي السفر إلي الخارج    فيلم "فيها إيه يعني" يتراجع ويحتل المركز الثاني في شباك التذاكر    «عام أم كلثوم».. شعار يضىء فعاليات مهرجان الموسيقى العربية فى نسخته ال33    هدية مصر للعالم.. «المتحف الكبير» أيقونة تروي مجد الحضارة المصرية    صحة سيناء: تشكيل لجنه لمراجعة آليات الجرد وإعادة تخزين الأدوية    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    نائب وزير الصحة يوجه بإحالة مدير مستشفى حلوان العام إلى الشئون القانونية    «التأمين الشامل» يواصل تسجيل وتحديث بيانات المواطنين في أسوان لضمان وصول الخدمات لكافة الأسر    من العدم إلى الخلود.. الداعية مصطفى حسني من جامعة القاهرة: الإنسان يمر ب4 مراحل (تفاصيل)    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    مصر تؤكد التزامها الكامل بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة فى ذكرى تأسيسها ال80    إعدام 187 كيلو مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك خلال حملات تموينية في أسوان    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    وزير التعليم العالي: انضمام مصر إلى "هورايزون أوروبا" يعزز موقعها الدولي في منظومة البحث    بعثات أثرية فرنسية وإيطالية تواصل أعمالها فى مناطق آثار الفيوم    أبراج تشارك حياتها الخاصة مع متابعيها على السوشيال ميديا.. أبرزهم برج الحمل    قاذفات بي-1 الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    أشعل سيجارة أثناء تفريغ البنزين.. حريق ورشة بالعجوزة يودي بحياة سيدة وابنتها ويصيب الزوج بحروق    أوسكار رويز يطير للإمارات 4 نوفمبر لحضور مباريات السوبر المصرى    وزيرة التنمية المحلية: إزالة أدوار مخالفة في حي الزيتون بالقاهرة واتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه المخالفين    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    قبل مواجهة إيجل البوروندي.. توروب يعالج الثغرات الدفاعية للأهلي    «النيابة الإدارية» تشرف على انتخابات «الزهور» بالتصويت الإلكتروني    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    الأزهر يجيب.. ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون ؟    آخر فرصة للتقديم لوظائف بشركة في السويس برواتب تصل ل 17 ألف جنيه    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: الحضور الدولي في شرم الشيخ يعزز فرص الاستقرار    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع ذكري ثورة‏23‏ يوليو‏1952‏
لماذا تثور مصر؟ ومتي يثور المصريون؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 07 - 2011

تساؤل محوري يدور حوله جدل عميق خلال الفترة الماضية بعد ثورة‏25‏ يناير يرتبط بمحاولة التعرف علي الدوافع الحقيقية التي تقود المصريين إلي حالة الثورة الشاملة‏,‏ وإلي حالة الرفض البات والقاطع للنظام الحاكم‏. والسعي لتغييره بشكل جذري وحاسم, وهي محاولة تسعي أيضا لتحديد اللحظة التي تتسبب في انفجار الأوضاع العامة والإصرار الحازم علي عدم التراجع مهما كانت التضحيات, ومهما كانت شدة وضراوة الممارسات القمعية ضد الثورة والثوار.
وترجع حدة الجدل الدائر إلي أن التحليلات السابقة علي الثورة كانت تتركز علي ترقب ثورة الجياع, تلك الثورة القادمة من العشوائيات والأحياء الشعبية التي تعاني الفقر والإهمال والقمع بأعنف صوره وأشكاله, لكن وقائع الثورة الثبوتية أكدت غير ذلك تماما, حيث أكدت أن الثورة المصرية هي ثورة لاستعادة الشرف والكرامة, واستعادة الدور الفاعل للإرادة الشعبية في الحياة السياسية, والإعلان عن الرفض البات لتزويرها بصورة فجة ومبتذلة, كما أنها ثورة لاستعادة قيمة مصر وكيانها ودورها ومكانتها تعلن عن الرفض الكامل لسطوة وسيطرة العملاء علي مقاليد الحكم والمسئولية, وتؤكد حتمية استعادة حرية القرار الوطني, والالتزام بالقضايا القومية العربية التي ظن الكثيرون أنها توارت من الذاكرة وغابت, خاصة عن ذاكرة الشباب المصريين.
ولا تنفي كل تلك الوقائع أن هناك مطالب تمس الشأن الخاص للمواطن بتوفير الحياة الكريمة اللائقة, وفرص العمل الشريفة, وبالعدالة في توزيع الثروة, والأمانة في تحمل مسئولية إدارة شئون البلاد بما يحقق مصالح الأغلبية العظمي من المواطنين, ويصب في خانة مساندة تطلعاتهم وطموحاتهم إلي غد أفضل مع ضرورة بناء اقتصاد قوي كركيزة لدولة قوية تملك قرارها بغير خضوع للضغوط الخارجية, بما يعني درجة عالية من الوعي بين جموع الثورة والثوار, علي الرغم من كل ما يظهر علي السطح من خلافات واختلافات يصل البعض منها إلي حدود إضاعة الوقت والجهد وإهدار الطاقات التي يلزم توجيهها للبناء العاجل, والإصلاح السريع, والتغيير الجذري في متاهات تدفع للفرقة والشقاق, وإن كان ذلك لا ينفي بروز درجة عالية من الانتهازية السياسية علي السطح تصل إلي حدود مؤسفة من المكيافيللية القائمة علي أن الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت سيئة وسخيفة ومتناقضة مع البديهيات والأساسيات التي يتحتم توفيرها لضمان استمرار الثورة ونجاحها, يضاف إلي ذلك هؤلاء الغرباء الأقزام الذين يتصدرون ساحة الثورة وينفعل بهم جزء من ائتلافات الثورة, بالرغم من كل ما يحيطهم من غموض والتباس وارتباطات موثقة بقوي العالم الخارجي, كذلك النيران التي يشعلها البعض مع سبق الإصرار والترصد لإثارة الفرقة والخلاف, والنعرات الطائفية مثل رئيس حزب المصريين الأحرار, هذا الذي يضع علي بريده الإلكتروني صورا تستفز المشاعر الدينية والإنسانية وكأنه لا يرضي بديلا عن بقاء نيران الفتنة الطائفية مشتعلة حتي يفتح الأبواب والنوافذ لدعاوي التدخل الخارجي في الشأن المصري علي مصراعيه.
مخططات العالم الخارجي لتفريغ الثورة من قواها الفاعلة
ويستوجب هذا التشابك والتداخل واللغط المثار من أطراف بعينها, خاصة الترتيبات والمخططات البارزة علي ساحة الأحداث من فلول النظام القديم بشكل مباشر وبشكل غير مباشر أن يستعيد الجميع دروس وخبرات التاريخ المصري القريب, خاصة تاريخ الثورات المصرية الكبري في القرنين التاسع عشر والعشرين, وما تم تنفيذه من مخططات لهزيمتها بالضربة القاضية من اللحظة الأولي, وما تم استكماله لضمان القضاء علي الروح الثورية قضاء مبرما من خلال تغيير صورة الحياة, ونمط القيم والأخلاق والسلوكيات علي الأرض المصرية رأسا علي عقب لضمان سطوة وسيطرة حكم الطغيان والاستبداد, وحيازة القلة للثروة والمال, وإضعاف الأمل في نفوس الجميع من إمكانات التغيير والإصلاح, وإشاعة اليأس من وجود قدرة وقوة تملك إمكان مواجهة الفساد العاتي, والاستبداد, والطغيان لتغلغله إلي جذور الجذور.
وتجسد قصة القاهرة30 لنجيب محفوظ الحدود البشعة والكارثية لإهدار كرامة وشرف و آدمية مصر والمصريين تحت مقصلة الفساد البواح, والانحراف الكريه, والانحلال المجاهر بالرذيلة الذي تمارسه النظم الحاكمة, والقلة القليلة الماجنة التي تتربع علي قمة السلطة والسلطان, وتحتكر المال والثروة بالسرقة والنهب واللصوصية, ويصور صاحب جائزة نوبل للأدب الارهاصات الحقيقية للثورة الناجمة عن السقوط المدوي للأخلاق والقيم تحت مقصلة الأزمات الاقتصادية الطاحنة واستحالة الحصول علي فرص العمل الشريفة عندما يقبل محجوب عبدالدايم أحد الشخصيات المحورية للرواية أن يكون قوادا لوكيل الوزارة حتي يحصل علي وظيفة في مكتبه, وأن تكون زوجته ومنزله موطن ممارسة الرذيلة والشاهد عليها, لكنه يجسد في المقابل صورة القابضين علي الجمر الذين لا يقبلون بديلا عن تطهير مصر من الفساد والفاسدين مهما دفعوا الثمن غاليا, ومهما كان جبروت الاستبداد والطغيان, وعنف وبطش آلته الجهنمية القمعية, ودارت عجلة الزمن ليصدر حكم قضائي علي رئيس قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري يتصدر مبرراته المنشورة بالعناوين العريضة في الصحف أنه ارتضي علي نفسه أن يكون قوادا, ويومها تعجب الكثيرون من منطوق الحكم وجرأته في إدانة القوادين, لعلمهم اليقيني بأن الكثيرين منهم يتبوأون المناصب بغير حياء, وبدون خجل. ولكنه الرصد لإرهاصات ثورة جديدة تتصاعد تحت الرماد.
وقبل هذا الحكم التاريخي بسنوات عديدة تداول الناس في بر مصر المحروسة محاضر تحقيقات النيابة مع رموز هزيمة1967, وكانت من أشهرها محاضر التحقيقات التي أجراها وكيل النيابة في ذلك الوقت أنور أبو سحلي الذي أصبح وزيرا للعدل فيما بعد مع محمد صفوت الشريف ضابط المخابرات في قضية انحراف جهاز المخابرات باعتباره مسئولا عن العمليات السرية التي تتضمن تجنيد البغايا وتوفيرهم للشخصيات المهمة, خاصة الأجنبية, لتصويرهم في أوضاع مخلة, واستغلال الأفلام المصورة لابتزازهم والضغط عليهم فيما بعد إذا استدعت الأمور ذلك, ورصدت المحاضر الاسم الحركي له وهو موافي وصدرت أحكام قضائية بحقه, واكتشف السادات أهميته وعينه فيما بعد رئيسا للهيئة العامة للاستعلامات, وتضاعفت الأهمية فعين وزيرا للإعلام, ثم أصبح رئيسا لمجلس الشوري في زمن التشكيل العصابي الإجرامي وفهم منطوق الحكم القضائي ضد رئيس قطاع الإنتاج المقرب من الوزير علي أنه رسالة تحذير وتأديب للوزير من مراكز القوي الأخري المتنافسة علي حصاد القوادة وغنائمها, وبعدها بسنوات تفجرت فضيحة خبيئة آثار الأقصر المزعومة, ونشرت وسائل الإعلام تحقيقات للنيابة العامة علي لسان النصاب بطل القضية يتحدث فيها عن أنه كان ينام علي سرير وزير الثقافة فاروق حسني في غرفة نومه في منزله طوال فترة اختفائه, وفجأة تاهت القضية في المستنقع الغامض, كما تاهت من قبلها تفاصيل صوره فاروق حسني وهو يتصدر مظاهرات الشواذ المطالبة بحقوقهم المشروعة في شوارع العاصمة الإيطالية( روما) يوم أن كان مديرا للأكاديمية المصرية للفنون هناك, كما ضاعت من الذاكرة الوطنية بعدها تصريحات عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء الذي تولي فاروق حسني منصب وزير الثقافة معه لمكرم محمد أحمد رئيس تحرير المصور نافيا فيها بكل شدة وعنف مسئوليته عن اختياره للوزارة, مؤكدا أن رئيس الجمهورية هو الذي اختاره, وجاء ذلك بعد الشبهات المروعة التي أحاطت بسلوكيات الوزير وتسميته.
رفض الفساد السياسي والتزوير الوقح للإرادة الشعبية
وفي الأربعينيات من القرن العشرين كانت مظاهرات الطلبة والقوي السياسية المختلفة من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار الشيوعي لا تطالب فقط بالاستقلال وتحرير تراب الوطن من دنس الاحتلال الإنجليزي, لكنها كانت تطالب بالقصاص من الفساد, وكانت المظاهرات ترفع الكثير من الشعارات المطالبة بالقضاء علي فساد القصر, وتحولت الملكة نازلي أم الملك فاروق إلي هاجس رئيسي من هواجس الشعب في ظل القصص المحبوكة عن علاقتها بأحمد حسانين رئيس الديوان الملكي الذي انتهت حياته بالموت في حادث سيارة علي كوبري قصر النيل, وهو الحادث الذي أثير حوله الكثير من القصص والشائعات, وتوجهت أصابع الاتهام للبوليس السياسي أو الحرس الحديدي التابع للملك انتقاما لشرفه, وحماية لسمعته التي استباحها الشارع المصري, وتحولت إلي جزء مهم من أحاديث المنتديات والمقاهي والجلسات العائلية وجلسات الأصدقاء, وهي قصص استمرت في التصاعد حتي بعد سفر الملكة نازلي للخارج ومعها شقيقات فاروق وما أحاط بهن وبتصرفاتهن وزيجاتهن من استياء شعبي غاضب تصاعدت موجاته الواحدة تلو الأخري لتتأجج نيران الغضب والسخط في النفوس علي أوسع نطاق ومدي, خاصة مع تزامنها مع انطلاق القصص عن طيش الملك الشاب وسلوكياته وتصرفاته الخرقاء الخارجة علي الضوابط الملزمة للحكم والحاكم.
ومع الاستبداد السياسي الوقح, والإصرار بشكل جازم علي تزوير الإرادة الشعبية, وفرض أحزاب الأقلية المرفوضة والمكروهة لتولي الحكم بالتلاعب الفج الواسع النطاق في الانتخابات التشريعية لضمان عدم وصول حزب الوفد علي الأغلبية وفرض مرشحي أحزاب الأقلية, فإن فساد الحياة السياسية أصبح عنوانا رئيسيا للحكم الملكي البائد في عهد فاروق, كما كان في عهد والده فؤاد, وهؤلاء الذين يتحدثون عن ديمقراطية ما قبل الثورة لديهم قدر كبير من البلاهة المتعمدة تفسرها وتشرحها ببساطة شديدة المدة القصيرة للغاية التي تمكن فيها حزب الأغلبية الكاسحة شعبيا( وهو الوفد) من تولي رئاسة الوزارة وتشكيلها والتي تقل عن ست سنوات علي امتداد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وحتي قيام ثورة23 يوليو1952, ولم يقتصر الأمر علي الفساد السياسي, بل امتد لفساد اقتصادي واجتماعي مروع اكتسح الأخضر واليابس بكل قوة, وبكل عنف, وتحكم في مقاليد الأمور قلة النصف في المائة قولا وعملا, وكانت أوضاع الشعب المصري في غالبيته العظمي شديدة البؤس والقسوة, حتي كان مشروع القرش, أو بالأصح مشروع مكافحة الحفاء هو المشروع القومي المصري في الثلاثينيات من القرن الماضي في ظل حفاء المواطن المصري لانعدام قدرته علي شراء ما يستر قدمه, ويعينه علي السير والحركة, ورفع لواء الحملة زعيم وطني كبير هو المناضل القائد أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة, وهو ما يفسر الدرك الأسفل لأخلاقيات بعض الأسر في القاهرة30 التي قبلت أن تتحول ابنتها خريجة الجامعة إلي إحدي البغايا بحثا عن المال, ثم تسعي لمشاركة القواد الذي تزوجها وهو محجوب عبدالدايم في عائد البغاء, وتقاسمه في الأرباح والمغانم.
المعايير المبتذلة لتولية الرؤساء والقيادات وتوزيع الثروة والنفوذ
وقد كان هدفا رئيسيا دائما من أهداف الطاغوت الأكبر الجاثم علي صدر مصر يرتبط دائما بتفريغ الإنسان المصري من الشعور بكرامته وقداسة وطنه, ومنعه من الثورة لشرفه وتاريخه وعزته, وارتكز ذلك علي مخطط متتابع الحلقات لإذلال الإنسان, وتجريد الوطن من معانيه الحضارية والقيمية والدينية, وفض الارتباط مع التاريخ المصري الطويل القائل بالقوة والمنعة والسطوة والسيطرة علي امتداد الحدود شمالا وجنوبا وشرقا وغربا, وكان محرما علي المصري لقرون طويلة من الحكم المملوكي والعثماني أن يكون مسئولا, أو أن يكون جنديا, وكان العمل الوحيد المتاح للأغلبية الكاسحة هو العمل في الزراعة, وأن يكون المصري فلاحا فقط لاغير, وعندما بدأت الأمور في التبدل والتغيير مع حكم محمد علي لاحتياجه للمصريين لبناء الدولة الحديثة القوية القادرة علي تحقيق أحلامه وطموحاته في إقامة إمبراطورية عظمي فتحت طاقة النور لأول مرة أمام المصريين وأصبحوا في لمح البصر جنودا عظماء, وعلماء عظماء, ومفكرين وكتابا عظماء, كما أصبحوا مسئولين عظماء يتولون إدارة مشروع عظيم للتنوير والنهضة والتحديث, وذلك علي امتداد ثلاثة عقود قصيرة من الزمن هي عمر الدولة في زمن محمد علي وابنه القائد إبراهيم, وهي ثورة أخمدت بعنف في ظل من أعقبهم من الحكام البلهاء, ثم عادوا لفترة بسيطة مع عهد إسماعيل حتي قام ابنه الخائن توفيق بتسليم مصر للإنجليز, وقام مع عدد من العملاء المشهورين في كتب التاريخ بخيانة أحمد عرابي والجيش المصري في موقعة التل الكبير ليكتب النهاية والهزيمة للثورة المصرية الثالثة في القرن التاسع عشر, وكانت ثورتهم الأولي ضد الاحتلال الفرنسي وجيوش نابليون بونابرت, ونجحت في طرد الجيوش الفرنسية, وتطهير الأرض, ثم كانت ثورتهم الثانية ضد تسلط محمد علي وسطوته علي مقاليد الأمور بغير مشورة, وبدون استشارة من الشعب ممثلا في كبار العلماء, وشيوخ الطوائف المختلفة مثل التجار والصناع.
ومع هزيمة الثورة العرابية ونجاح العملاء في السيطرة علي مقاليد الأمور بمساعدة الاحتلال البريطاني تحولت الثورة العرابية الكبري إلي هوجة عرابي لتفريغها من معناها الشعبي والانساني وأصبح الحكام في مصر بدرجة عميل للاحتلال ممثلا في المندوب السامي البريطاني الحاكم الفعلي لمصر, ومع ثورة1919 العارمة التي شملت جميع أرجاء مصر علي امتدادها من الإسكندرية لأسوان, وتضمنت ضمن ما تضمنت إعلان الجمهورية في مدينة زفتي بدلتا مصر كان قرار الاحتلال أن العملاء الموثوق بهم هم فقط من يحملون صفات القوادين لأن من يبيع شرفه وعرضه, ويتنازل عن كرامته في مقابل المصلحة والمال والنفوذ هو نموذج العميل الأمثل والمثالي, وتحول ذلك إلي معيار رئيسي للاختيار والمفاضلة بين المرشحين لتولي المناصب العليا والقيادية, وقد أعاد السادات تفعيله حتي يضمن سطوته وسيطرته علي مقاليد الحكم, وبدأ الضربة الأولي الواضحة باختيار موافي وزيرا للإعلام ليكون مسئولا عن توجيه العقل المصري, والتحكم في العواطف والمشاعر وإفراغها من كل القيم الدينية والأخلاقيات والمبادئ علي نار هادئة بحكم أن السادات كان دائما مطيعا لأمريكا والغرب, كما كان في السابق علي علاقة وثيقة بالبوليس السياسي والحرس الحديدي, ونفذ نصائحهم واختياراتهم في أخص خصوصياته الإنسانية.
وبمعايير الاختيار نفسها, وبتعليمات الاختيار نفسها الصادرة من القوي النافذة الآمرة اختار نائبه, وتسارعت عجلة الأحداث ليقتل السادات علي منصة العرض العسكري ولا يصاب بخدش نائبه الجالس علي يمينه, وكذلك وزير دفاعه الجالس علي يساره, ويحكم العملاء قبضتهم علي زمام الأمور وينجحوا بامتياز في أن يدفعوا40% من الشعب المصري إلي ما تحت خط الفقر, وأن يضعوا20% آخرين علي خطوط التماس مع خط الفقر, ويعيدوا بناء مجتمع النصف في المائة الذي يحوز ويملك الغالبية العظمي من الثروة المصرية بالنصب والاحتيال والتزوير والتدليس في وضح النهار, ويدور في فلكهم نحو10% من السكان لزوم تسهيل المصالح وإدارة الاحتكارات, وتسيير الأعمال, وضمان المساندة والحماية والدعم, ليتبقي من مصر نسبة تتراوح بين25% و30% تطحنها ضغوط توفير الضروريات واللزوميات, يفلت بعضهم من المصير بالهجرة الدائمة أو المؤقتة خارج الحدود, ويراوح أغلبيتهم مكانه بالصعود لأعلي أو الهبوط لأسفل بغير أسس موضوعية نابعة من قواعد اقتصاد السوق وأصوله, بحكم أن ما كان يتحكم في الشأن المصري يندرج فقط لا غير تحت مظلة الأصولية الرأسمالية وتطبيقاتها البشعة المسماة بالرأسمالية المتوحشة.
وقد يري البعض في عناصر التحليل السابقة تغليب لأمور هامشية علي أمور جوهرية في تحليل معني ومضمون الثورة المصرية, وتحديد لحظة الانفجار الثوري علي الأرض المصرية, ولكن واقع التحليل الدقيق يؤكد أن مثل هذه الأمور هي التي تتصادم بقسوة وعنف مع الموروث التاريخي القابع في أعماق ضمائر المصريين وعقولهم حتي وإن لم يتصدر مقدمة الهواجس والأحاديث والتحليلات الظاهرة علي السطح, إلا أنه يبقي دائما في حكم المحرك غير المرئي وغير المحسوس الذي لا يمكن الإمساك به إلا من خلال الغوص العميق في أعماق الأعماق التاريخية والحضارية والوجدانية للإنسان المصري للبحث في أغوار الشخصية المصرية ومكونها ودخائلها الغائبة كثيرا عن الرصد والتحليل المتسرع والمتعجل.
ولكن إدراك مغزي ومفهوم ثورة25 يناير باعتبارها ثورة الشعب, كما كانت ثورة1919 ثورة الشعب بجميع طوائفه الحقيقية ما عدا طبقة النصف في المائة العميل منها الساكن في أحضان الاحتلال والقصر يستوجب أن يتم التحليل والتدقيق المنصف لاعادة الاعتبار للمعدن النفيس النادر لطبيعة هذا الشعب ومكوناته الفريدة التي تشكلت عبر تاريخ حضاري طويل, وعبر اشتباك مباشر حياتي مع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام, وما أفرزه كل ذلك من درجة عالية من الإدراك واليقين بحقيقة الخير والشر, وبالتالي بحقيقة الفساد ومصائبه, وضرورة مواجهته في لحظة فاصلة مهما كان الثمن والتضحيات والشهداء والدماء, ووفقا للموروث التاريخي فإن ذلك رسالة مقدسة لإنقاذ الحياة علي الأرض المصرية من الدمار والتدمير, وتتفجر الثورة دائما عندما تصل الوقاحة بالطغيان إلي درجة الاستهانة الفجة بكرامة الإنسان وشرفه وعرضه وحقوقه الإنسانية الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وتتسارع وتيرة الانفجار عندما يتحول الطغيان إلي معول هدم للكيان والدور المصري الذي يضعه المصريون جميعا تاجا علي رءوسهم, وهي أيضا اللحظة التي تختنق فيها أنفاسهم بتولية الأسوأ والأردأ والأفسد شئون بلدهم ودولتهم وتظهر عورات الجهل, وفساد ونشوة الحماقة بكل ما هو وضيع ومنحط ورخيص؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.