(الجزء الثالث) الآراء المتباينة حول الإضراب الإضراب هو الامتناع الجماعي المتفق عليه بين مجموعة من العاملين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسة الضغط للاستجابة لمطالبهم . والإضراب على هذا النحو يعد في رأي البعض متناقض مع أوضاع الوظيفة العامة وبالتالي لا يجوز الاعتراف به كحق للموظفين العموميين والمنظمات النقابية التي تجمعهم ، وعلى العكس فإن البعض يذهب إلى وجود اعتبارات هامة تبرر الاعتراف للموظفين ونقاباتهم بحق الإضراب . ويقدم أصحاب الرأي الأول لتأكيد رأيهم عدة اعتبارات يتمثل موجزها فيما يلي : أ- إن إضراب الموظفين العموميين غالبا ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بأفراد الشعب اللذين يعانون من جراء الإضراب عن طريق توقف حصولهم على الخدمات الضرورية التي تقدمها لهم المرافق العامة التي يعمل بها الموظفون المضربون ، وهذا الضرر يلحق بالمواطنين بصورة ظالمة حيث يلحقهم الضرر دون جريرة ارتكبوها . ب- إن أوضاع الموظفين العموميين مقررة بموجب التشريعات والاعتمادات المالية التي يقررها ممثلو الشعب المنتخبون المشكلون للسلطة التشريعية ويمارس تلك السلطة مظهرا من مظاهر السيادة للدولة ، ولذلك فإن الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين يعد تحديا لإرادة الشعب التي يمثلها نوابه ، كما تمثل تحديا لسيادة الدولة على رعاياها وبخاصة العاملين في خدمتها . ج- إن الموظف بدخوله الوظيفة العامة فإنه يقبل أحكامها وأوضاعها المختلفة ومن بين هذه الأوضاع وجوب الخضوع للواجبات التي تفرضها عليه الوظيفة ومن أول هذه الواجبات واجب أداء العمل والالتزام بالقوانين واللوائح الخاصة بالعمل وهذه الواجبات تتناقض مع حق الموظفين ونقاباتهم في الإضراب . د- إن الاعتراف للموظفين بحق الإضراب يتناقض مع خاصية أساسية من خصائص المرافق العامة التي يقومون بالعمل فيها وهى خاصية تقديم الخدمة بصورة منظمة ومستمرة . ه- إن اتساع نطاق إضرابات الموظفين وتعددها ومساندة النقابات القوية لها قد يخلق جوا من الفوضى في البلاد ، كما قد يسبب خسائر اقتصادية بالغة الجسامة على نحو يلحق ضررا جسيما باقتصاد الدولة الأمر الذي قد يعود بالضرر على الموظفين أنفسهم وعلى غيرهم من طوائف المجتمع . وعلى العكس فإن أنصار تقرير حق الإضراب للموظفين العموميين ونقاباتهم يسوقون الحجج الثالية : أ- إن الكثير من الموظفين من لا يؤدي إضرابهم عن العمل إلى إلحاق الضرر المباشر بالمواطنين ، بل أن هناك من العاملين بالقطاع الخاص من يعترف القانون لهم بحق الإضراب من يؤدون خدمات أكثر أهمية وضرورة بالنسبة لعامة المواطنين من تلك الخدمات التي يؤديها الكثير من الموظفين العموميين . ب- إن إضراب الموظفين العموميين لا يمثل تحديا للسلطة التشريعية ولا لسيادة الدولة فهؤلاء يعدو أن يكون وسيلة للتعبير عن الرأي ووسيلة لمحاولة المشاركة في إدارة شئون الدولة الماسة بحياتهم وهى أمور مقبولة في ظل الأنظمة الديمقراطية التي نبذت فكرة السلطة القاهرة المنفردة لسلطة الدولة . ت- إن الموظفين عندما يقومون على الإضراب فإنهم يتوقفون عن الالتزام بالواجبات التي تفرضها عليهم الوظيفة وأحكامها ، ولكن الدولة تقوم في المقابل بالتوقف عن أداء التزامها نحوهم بأداء أجرهم . ث- إن منح الموظفين الحق في تكوين النقابات وممارسة العمل النقابي يعد حقا منتقص المضمون إلى حد كبير إذا لم يقترن بحق الإضراب ، ذلك لأن الإضراب هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن تلوح به وتستعمله النقابات في مواجهة سلطة الدولة الضخمة التي تحوز كل عناصر القوة المتمثلة في سلطة وضع القوانين واللوائح وسلطة إصدار القرارات الإدارية النافذة وسلطة تحديد الأجور وتقرير الاعتمادات المالية اللازمة لها وسلطة توقيع الجزاءات على اختلاف صورها . ومن المعروف أن نقابات الموظفين لا تمارس الإضراب كنوع من أنوع الترف ولكنها لا تلجأ إليه إلا في حالة اليأس واستنفاذ كافة السبل الممكنة لبلوغ أهدافها حيث أنها تعلم أن الإضراب سيقابله وقف مرتبات المشاركين في الإضراب وهو ما يصيب حياتهم وحياة أسرهم بأضرار مادية ونفسية بالغة خاصة إذا طالت مدة الإضراب . طرق علاج ضعف الحركة النقابية فى مصر إننا نجد العجز الشديد الذي تعاني منه الحركة النقابية للموظفين العموميين فى مصر يرجع إلى غيبة الروح النضالية النقابية لدى أغلبية الموظفين وإلى القيود التشريعية المناقضة للحرية النقابية التي تفرض التشتت على حركة الموظفين النقابية والتي تحول دون توحدها وتفرض على الموظفين وضع الأقلية في داخل تجمعات نقابية تتناقض في داخلها المصالح المهنية على نحو يقعد تلك التجمعات عن القيام بأي دور فعال في سبيل الدفاع عن الموظفين . وعلاج هذا الضعف يتحقق من خلال ثلاث خطوات هى : 1- إيقاظ الروح النضالية النقابية لدى موظفي مصر . 2- إلغاء القيود المضعفة للحركة النقابية للموظفين . 3- تأكيد الضمانات المكفولة للحركة النقابية وتنقيتها من نقاط الضعف . وسوف نتناول كل نقطة على حدة : أولا : إيقاظ الروح النضالية النقابية لدى موظفي مصر : إن الروح النضالية تعد من أهم المقومات التي تؤثر في العمل الإيجابي للنقابة ولذلك فإن تقوية الروح النضالية تعد من أهم الخطوات التي يجب البدء بها في سبيل إقامة حركة نقابية قوية تبدأ بتخليص الموظفين من روح الانحراف والإهمال وهو ما سيتحقق بإعادة إقامة المانع الروحي النفسي الحائل دون ولوج سبل الانحراف والإهمال ، وذلك المانع المتمثل في إعادة بناء القيم الدينية والخلقية وتأكيد احترامها في النفوس والتأكيد على الاستقامة في العمل وإجادته هو أحد العناصر الجوهرية لتلك القيم ، ويصاحب ذلك إرشاد الموظفين إلى السبيل البديل للانحراف المحقق لتحسين أوضاعهم والدفاع عن مصالحهم المشروعة المتمثل في الحركة النقابية القوية ، ويتطلب ذلك إعلاما واسعا لكافة طوائف الموظفين عن حقهم في تكوين النقابات وممارسة النشاط النقابي وأهداف هذا النشاط وإيقاظ روح الحماسة النقابية في نفوس الموظفين . ثانيا : إلغاء القيود المضعفة للحركة النقابية للموظفين : ولتتحرر الحركة النقابية للموظفين من أسباب الضعف وأهمها إلغاء القيود التشريعية المضعفة لهذه الحركة والمؤدية إلى شل حركتها ، قيود تتناقض مع مبدأ الحرية النقابية ومع شعارات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ومن الواجب اتخاذ الخطوات الآتية : 1- وجوب صدور تشريع يقضي بحل الاتحاد العام لنقابات العمال على ذات النحو الذي تم به حل المؤسسة الأم المتمثلة في الاتحاد الاشتراكي العربي وإلغاء ذلك البناء الهرمي الموحد المفروض على الحركة النقابية في مصر بقوة القانون . 2- إطلاق حرية الموظفين في تكوين منظماتهم النقابية في وحداتهم الإدارية وفقا للقواعد التي يضعوها لأنفسهم دون تقييد ذلك بنصاب عددي محدد والسماح بإقامة أكثر من منظمة نقابية واحدة في داخل الوحدة الإدارية الواحدة إذا رغب الموظفين العاملين بها في ذلك . 3- إطلاق حرية المنظمات النقابية للموظفين فى الاتحاد في صورة نقابات أو اتحادات متعددة في صورة نقابة واحدة أو اتحاد واحد على النحو الذي يراه الموظفين محققا لمصالحهم المشروعة . 4- إعادة النظر في القوانين المجرمة جنائيا لإضراب الموظفين العموميين واستقالتهم الجماعية والاكتفاء باعتبار الإضراب جريمة تأديبية فقط ، وعدم اعتبار الدعوة إلى الإضراب أو تشجيعه أو تحبيذه سببا للحل القضائي لمجلس إدارة المنظمة النقابية للموظفين . 5- عدم وضع أي قيود على حرية الموظفين في تكوين التنظيمات النقابية وممارسة النشاط النقابي إلا ما يوضع بتشريع صادر عن السلطة التشريعية بالقدر الضروري للمحافظة على النظام العام وحماية حقوق وحريات الآخرين . ثالثا : تأكيد الضمانات المكفولة للحركة النقابية وتنقيتها من نقاط الضعف : إن كفالة حق تأسيس المنظمات النقابية للموظفين العموميين في مصر وما اقترن به من ضمانات تحفظ استقلالية هذه المنظمات في مواجهة الإدارة هى مكاسب هامة للحركة النقابية للموظفين العموميين بتعيين التأكيد على ضرورة استمرارها في نفس الوقت الذي نرى فيه ضرورة تنقية التشريعات التي كفلت تلك الضمانات من نقاط الضعف التي احتوتها وهى ما يتطلب : 1- اعتبار الوزراء ونوابهم بالإضافة إلى أصحاب المناصب الرئاسية العليا من العاملين اللذين يمتنع عنهم عضوية المنظمات النقابية للموظفين . 2- عدم جواز توقيع أي عقوبة تأديبية على الموظف المتولي لعضوية مجلس إدارة أي منظمة نقابية بواسطة جهة إدارية ، وأن يتم ذلك بواسطة السلطة القضائية فقط . 3- تعديل نص المادة 70من قانون النقابات العمالية الحالي على نحو لا يجيز المطالبة بالحل القضائي لمجلس إدارة المنظمة النقابية إلا في حالة مخالفته لهذا القانون مخالفة جسيمة تهدد النظام العام ، وفي حالة قيام المجلس بالتحريض على استخدام العنف لتفويض الدستور أو نظام الحكم وكذا التحريض على معاداة أية طائفة على أساس غير مقبول ديمقراطيا كأساس الدين أو العنصر أو اللون أو اللغة . وبذلك تحدث الصحوة المرجوة للروح النضالية النقابية ويصبح من الموظفين العموميين القوة النقابية ذات الوزن الاجتماعي والسياسي والمؤثر في مصر . ........ (البقية فى المقال القادم) المزيد من مقالات ايناس عبد القادر