الإضراب فى اللغة يعنى الكف وإلاعراض، فيقال أضربت عن الشىء أى كففت وأعرضت عنه، والإضراب بمعناه القانونى والواقعى هو الامتناع الجماعى المتفق عليه بين كل أو بعض العاملين فى القطاع الخاص أو الحكومة عن العمل فترة قصيرة أو طويلة بهدف الضغط على الدولة للاستجابة لمطالبهم. وعلى الرغم من أن حق الإضراب لم يكن له وجود فى جميع تشريعات ومدونات الشرائع القديمة، ولم تعرف الأمم والحضارات السالفة مفهوم هذا الحق ولم تستطع فك طلاسمه، فإن الوثائق العلمية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر الفرعونية شهدت عديداً من الإضرابات العمالية، ففى عام 29 من حكم الملك رمسيس الثانى أضرب عمال سجن تكرو بولس وتركوا آلاتهم نتيجة الجوع والظمأ، وساروا حتى بلغوا الباب الجنوبى لمعبد تورميس الثالث، وعقب مرور الوقت دون الاستجابة لمطالبهم قاموا باحتلال المعبد واستعدوا للزحف إلى ما وراءه، وأصبح من الضرورى أن تدعى القوات العسكرية لتفاقم الوضع، فانتخب ضابطان وبعض الحراس ليكونوا وسطاء، ومع ذلك رفض العصاة قبول ذلك وأبدوا رغبتهم فى مفاوضة رئيس المدينة، الذى أرسل إليهم ليتوسط فى أمرهم، وفى النهاية اضطر صاحب الخزينة إلى جمع زعماء العمال ليسمع شكواهم، فقالوا له: إن الجوع والظمأ يلمان بنا وليس عندنا من النبات أو الزيت أو السمك أو الطعام من أى نوع كان، فاكتب إلى فرعون واطلب إليه أن يدعنا نعيش، وفى شهر تيبى تمت الاستجابة لمطالبهم وتسلموا جرايتهم التى لم يتسلموها فى الشهر السابق. وبموضوعية شديدة أقول إن تصريحات الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، فى برنامج «البيت بيتك» مع المذيع تامر أمين والصحفى المتميز خيرى رمضان فى تعليقه على حالات الإضراب التى تسود مصر حالياً، أكد فيها أن القانون يسمح بالإضراب، هذه الجملة تتطابق تماماً مع أحكام القانون والاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر، وفى نفس الوقت تناقض تصريحات بعض الوزراء الذين أكدوا عدم شرعية الإضراب وعدم قانونيته وأن التشريعات المصرية تجرم ذلك ولا تسمح بممارسة هذا الحق. ونستطيع بعد القراءة الهادئة لنص الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي وافقت عليها مصر - أن نقول إن حق الإضراب يكون مشروعاً للمواطن والعامل والموظف بوصفه حقاً من حقوق الإنسان فى التعبير عن رأيه بالوسيلة المناسبة وحماية حقوقه المشروعة شريطة أن تتم ممارسة هذا الحق وفقاً للضوابط التى تضعها الدولة، وقد خولت الاتفاقية لكل دولة طرف فى الاتفاقية حق وضع الضوابط لتحاشى التجاوز فى ممارسة هذا الحق بحيث لا يُساء استعماله على نحو يصبح معه أداة لهدم وتخريب الاقتصاد القومى، وهذه القيود إنما تهدف فى المقام الأول إلى التوفيق بين حق المواطنين فى التعبير عن رأيهم والدفاع عن حقوقهم وبين اعتبارات المصلحة العامة التى يمكن أن تتأثر من ترك حرية ممارسة هذا الحق على إطلاقه، ومن هذه الضوابط أن يكون الإضراب بهدف الدفاع عن الحقوق المشروعة وإخطار جهة الإدارة قبل اللجوء إلى هذه الوسيلة بوقت كاف لتبحث شرعيتها وجديتها وأن يكون بعيداً عن التخريب والتدمير. أزمة إضراب الصيادلة الذى تم تنفيذه - تمثل كارثة حقيقية فى ظل أهمية هذا القطاع للمواطنين، وتكشف غياب حالة انقطاع التيار الدائم بين الفئات التى تشعر بهضم حقوقها - من وجهة نظرها - والقيادات الإدارية صاحبة القرار، وعدم وجود قنوات شرعية مناسبة تسمح بعرض وجهة نظر الآخر بطريقة موضوعية، فسلاح الإضراب يجب أن يكون العربة الأخيرة فى قطار وسائل المطالبة بالحقوق على السلطة المختصة. المواطن البسيط يجب ألا يكون وسيلة من وسائل الضغط على الحكومة، فمن يعتقد أن الحكومة لم تعطه حقه وأغلقت الأبواب فى وجهه فلا يجب أن يعاقب المواطن البسيط ولا يجب أن تستغله جميع الفئات المتناحرة داخل هذا الوطن لتحقيق أغراضها، فالتهديد بإزهاق أرواح المرضى والأبرياء الذين يحتاجون إلى الدواء بهدف نيل الحقوق لا تقره كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.