في حياة الدول كما في حياة الافراد لاتستطيع الدولة كما لايستطيع الأفراد معاندة القدر. وقد وضعنا أقدامنا مرتين كدولة علي أول طريق الطاقة النووية ولكن في المرتين وبعد أن أوشكنا علي التوقيع وقع ما أوقفنا. ولعلي لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن المعركة الحامية التي قامت أخيرا حول محطة الضبعة النووية قبل ستة شهور لم تكن بسبب الطاقة النووية نفسها وإنما بسبب شعور الاغلبية الشعبية بأن أصحاب الثورة لايريدون أن يتركوا لهم شيئا, وأن قطعة الأرض البعيدة في قلب الصحراء الغربية والتي قرر العلماء والخبراء أنها أصلح الأماكن لإقامة مشروع المحطة النووية, هبط عليها فجأة الطامعون في الثراء ليضمونها الي المنتجعات والاسترخاء تلك التي أقاموها علي طول الساحل الغربي ولم يكفهم مابنوه, وإنما يريدون المزيد حتي لو جاء علي حساب أمل شعب تنسم في الطاقة النووية مكانا يمكن أن يزاحم به الدولة المزروعة بين العرب للتنغيص علي حياتهم والاستعلاء عليهم. كانت معركة الضبعة في واقعها بين سلطة الثروة والمحرومين منها قبل أن تكون حول الطاقة النووية, ومع أن مبارك إنحاز فيها إلي جانب الأغلبية الشعبية ليكسب جماهيرية صفقت له, وبدأت إجراءات التنفيذ, إلا أن زلزال اليابان يوم11 مارس وماحدث للمحطات النووية هناك من مخاطر, جاء باشارة لاتغيب وهي أن الامر لم يعد معركة بين الثروة وبين الفقر, فأصحاب الثروة لاحول لهم اليوم والشعب أصبح سيد قراره, وعلينا أن نفكر جيدا. وصحيح أن أرض الضبعة التي أختيرت لإقامة المحطة النووية المصرية تقع خارج حزام الزلازل سبب كارثة محطات اليابان, إلا أن مجرد تصور تعرض أي مفاعل لخطر التسرب الإشعاعي مثل الذي هدد حياة اليابانيين أصاب دولا كثيرة بالرعب مما أدي إلي اعادة هذه الدول التفكير في مفاعلاتها وإيقاف أي مشروعات جديدة لها. إن اللعنة يبدو أنها تهدد رغبة مصر في دخول مجال المحطات النووية. وقد بدأت مصر التفكير في هذه المحطات في عام1980 عندما قدم وزير البترول في ذلك الوقت المهندس أحمد عز الدين هلال تقريرا يحذر فيه من إحتمال نفاد الإحتياطي البترولي المصري خلال سنوات قليلة, وأنه لابد من اللجوء إلي مصدر أخر يعوض هذا النقص يومها بدت الطاقة النووية الباب المفتوح الي القرن القادم الا أن عدم توقيع مصر حتي ذلك الوقت معاهدة الإشراف النووي التي تضع من يوقعها تحت رقابة هيئة الطاقة الذرية, جعل الدول تمتنع عن مساعدتها إلا إذا وقعت المعاهدة وهو بالفعل ما إضطرت إليه في عهد الرئيس السادات. بداية التفكير وقد ورث حسني مبارك مشروع المحطة وسار فيها إلي أن تم طرح المشروع في مناقصة عالمية وإستعدت لجنة البت لإعلان النتيجة يوم العاشر من مايو1986 إلا أنه قبل ثلاثة أسابيع من إعلان قرار اللجنة جاء حادث مفاعل شيرنوبيل في الإتحاد السوفييتي الذي أصاب بالرعب مختلف دول العالم فكان قرار وقف إجراءات إنشاء المحطة. وقد مضت السنوات تجمد فيها مشروع المحطة, إلي أن تجددت حاجة مصر إلي زيادة قدراتها الكهربائية بعد الزيادة الكبيرة في الاستهلاك الناتجة عن زيادة السكان ومشروعات الصناعة وكهربة الريف, فعاد التفكير مرة أخري إلي إقامة محطة نووية, وكان مبارك هو الذي أعلن ذلك في خطابه أمام مجلس الشعب وسجل شعبية من حيث إنتصاره للفقراء علي حساب الأغنياء الطامعين في الأرض, إلي جانب أيضا ثقة البعض أننا من خلال هذه المحطة يمكننا إختراق الباب المغلق أمام إمتلاك القنبلة النووية! هذه المرة عادت وزراة الكهرباء الي المضي في إجراءات التنفيذ وفجأة توالت الأحداث. أطيح بمبارك11 فبراير وبعد شهر واحد في11 مارس وقع الزلزال الرهيب في اليابان, وإرتعشت الدول التي كانت لديها مفاعلات نووية من الخوف, وكانت تمضي كما في إيطاليا وغيرها في طريق مفتوح إلي المزيد من المحطات النووية, فأمرت بتجميد كل المشروعات رغم ماتملكه من علم وتكنولوجيا, في الوقت الذي بدأت الدول الكبري تعيد النظر في الطاقة النووية. صحيح انها تبدو طاقة لاتضر البيئة, ولكن أي خطأ فيها كارثة لسنوات تالية كثيرة. وبالنسبة لمصر فعلينا أن نفكر مرة وإثنين واضعين في الإعتبار: 1 إننا لم نستطع تشغيل جرارات عربات السكة الحديد المتقدمة التي إستوردناها وسمعنا من قال إنهم لتشغيلها قاموا بإلغاء تشغيل عدد من أجزاء الجرار مما أفقدها ميزتها وجعلها تتساوي مع الجرارات القديمة. 2 إن تجربة الدول النامية التي دخلت هذا المجال تستحق أن نستعلم عنها جيدا خاصة بالنسبة للتكاليف المادية التي إضطرت إلي تحملها. فمن مساوئ هذه المشروعات أن الدولة التي تضع قدمها في الإنشاء تفاجأ بفواتير باهظة ترفع التكلفة ثلاثة أضعاف بسبب طلبات لم يتضمنها العقد ويصبح المأزق أمام الدولة أن تستسلم وتدفع أم توقف المشروع بعد ماتكبدته 3 أن المحطات النووية في كل العالم توفر فقط ستة في المئة من احتياجات العالم من الطاقة. 4 إنه رغم التقدم والإحتياطات فلا شئ مضمون مئة في المئة فقد شهد العالم عدة حوادث أشهرها سثري مايل إيلاند في أمريكا عام1979, وتشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي عام1986 وفوكوشيما في اليابان هذا العام. وبعد ذلك فللقدر رسالته التي لايجوز تجاهلها! ge.gro.marha@tnomhalas