فرضت أحداث إمبابة الطائفية, ومن قبلها العديد من الأحداث التي شهدتها مصر منذ قيام ثورة25 يناير الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة إيماننا بقيمة المواطنة, . اومدي ترسخها في وجداننا وقدرتنا علي ترجمتها إلي سلوك يومي, وان كانت اللحظة الراهنة_ وما تشهده لمحروسة من فراغ أمني واهتزاز لهيبة الدولة ومحاولات لإعادة صياغة العديد من توازنات القوي السياسية والاجتماعية_ تفرض الكثير من الضبابية حول إمكانية تطبيق القانون, وقبول المواطنين لأحكامه, فإن التحدي الحقيقي يبقي في الإقرار بالحساسيات والرواسب الطائفية التي تراكمت لدي قطاع كبير من جيل الشباب, وكيف يمكن تحديد مفهومنا للمواطنة وإدراكنا لقيمتها علي نفس القاعدة التي تبني عليها دولة القانون. وهو ما يقودنا للتساؤل عن إمكانية التوافق حول حقوق المواطنة, وعدم إخضاعها للتصويت سواء عبر الصندوق الانتخابي أو من خلال السلوك اليومي, ومدي الحاجة للتعلم ومعرفة حقوق المواطنة وواجباتها؟. قد تبدو الإجابات علي المستوي النظري حاضرة وتلقائية, ولكن علي مستوي السلوك والواقع تظل هناك حاجة كبيرة لتقديم إجابات عملية من جانب أبناء الوطن ومؤسساته, فلا يكفي تحميل النظم السياسية المصرية المتعاقبة منذ ثورة1952 مسئولية ما وصلنا إليه, فصحوة الشباب يوم25 يناير والتفاف الشعب المصري حولها وتحمل مسئوليته لحمايتها, تطرح بدورها التساؤل حول إمكانية أن تصلح حالة الالتفاف والتضامن والوعي والمسئولية المجتمعية والمدنية التي تحققت حول هدف واحد ومصلحة واحدة وهي إسقاط النظام وكل رموزه كنموذج لبناء الدولة الديمقراطية التي خرج الشباب من أجلها. وهل التلاحم الشعبي في ميدان التحرير علي مدي ثمانية عشر يوما يصلح للتكرار من أجل أهداف ومصالح وطنية أخري؟. هل التجاوز عن التناقضات المجتمعية والمصالح الذاتية والطموحات السياسية يمكن أن يشكل وسيلة جديدة لتنقية قيمة المواطنة مما أصابها من تشوهات؟. من الواضح إن الإجابة للأسف الشديد هي لا فأحداث إمبابة وقبلها قرية صول بأطفيح وقنا عكست بقوة وبقسوة ما أصاب الجسد المصري من أمراض, يبدو إنها في طريقها لان تكون مزمنة. فالحديث المتفائل عن إمكانية الاكتفاء بالعلاج استنادا لحالة التلاحم التي شهدها ميدان التحرير, يبدو انه حديث متجاوز الواقع, لاسيما مع استمرار اللجوء للمسكنات عبر الحلول العرفية, فلا شك أنها تعطي انطباعات خاطئة, تضرب قاعدة بناء الدولة الديمقراطية التي وضع الشعب أساسها في التحرير. لقد فرض الشعور بالظلم لدي فئات متعددة في المجتمع إيقاعه علي مجري الأحداث واتخذ في بعض الأحيان أشكالا متعددة تعكس في معظمها رفضا لأي محاولات لمزيد من التكيف مع الظروف الصعبة, وهو ما انعكس بوضوح في التمحور حول المصالح الذاتية وتغليب الرؤي الشخصية وليس المؤسسية لمواجهة المشكلات, كما أن الحلول المجتمعية التي تفاعلات مع هذه المشكلات استندت إلي جهود غير منظمة بعيدا عن الدولة وسياساتها وهيبتها. الصورة السابقة وما يرتبط بها من دلالات, تبدو إجاباتها معلقة علي مدي توافر إرادة سياسية ومجتمعية لحماية قيمة المواطنة كسبيل لحماية المجتمع والدول المصرية, فأوجه التمييز في المجتمع عديدة ورغم خطورة التمييز القائم علي أساس ديني كتحدي حالي, فإنه ليس الشكل الوحيد للتمييز الذي يضرب المجتمع, فهناك التمييز علي أساس النوع الاجتماعي, الذي يضرب هو الأخر بمعول الهدم في آمال بناء دول المواطنة. وإذا كان الوعي بالمواطنة هو نقطة البدء, فان المشاركة تبقي المرحلة الوسيطة للشعور بالانتماء الوطني وتحقيق المساواة. وبالتالي تظل المواطنة كقيمة عليا مرتهنة بقدرة البناء السياسي علي الاستجابة للبناء الاجتماعي الاقتصادي, ومن ثم يتوافر للإنسان القدرة علي ممارستها. وهنا يمكن التأكيد علي مجموعة من المعاني الدالة علي أهمية النظر إلي قضية المواطنة كعملية تتسم بالحيوية والاستمرار, وليس مجرد حالة حوار أو كلمات يتم ترديدها بين الحين والأخر, ومن هذه المعاني الدالة: إن المواطنة ليست حقا يعطي مرة واحدة وللأبد, بل هي مراحل متعاقبة من النضال الذي يقوم علي قاعدة مفادها أن لكل مواطن نفس الحقوق والواجبات ولا يحوز التفرقة علي أساس عرقي أو عقائدي أو نوع اجتماعي. المواطن هو مصدر الشرعية, وبالتالي يبقي معيار المواطنة ومدي ترسخها معبرا عن مصدر قوة المجتمع ومدي مدنيته, ومدخلا لبناء الدولة الوطنية الحديثة. _ المواطنة لا تقتصر علي الأشخاص بل تمتد إلي المنظمات منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الأعمال المستنيرة والمؤسسات العامة الملتزمة بالتغيير الاجتماعي حيث يظل الهدف مرتبطا بالقدرة علي توفير أكبر قدر من مشاركة المواطنين وتأثيرهم في الحكم بما في ذلك صنع السياسات والقرارات المتعلقة بتخصيص الموارد. ومن ثم, يبقي الحديث المرسل حاليا عن مسألة المشاركة الشعبية واللجان الشعبية متجاوزا للواقع, كما ترسمه الكثير من الأحداث المأساوية والمؤسفة التي تشهدها البلاد لأن هذه المشاركة ترتبط بقضايا مثل: المواطنة, والتنمية البشرية, والديمقراطية, وحقوق الإنسان, ومسألة الحكم وإدارة الدولةGovernance, كما تتحدد فرص تعزيزها بمدي توافر بناء لدولة ديمقراطية, وقاعدة لبناء مجتمع صحي حيوي قادر علي تحقيق التنمية وتمكين مواطنيه من خلال توسيع خياراتهم في العيش في ظل حياه كريمة, وهو الأمر غير المتوافر حاليا. ولذا, فالربط القائم بين قضايا التنمية والديمقراطية المستند للمنظور الحقوقي, يثير في المقابل ارتباطا آخر بين المظاهر السلبية المؤثرة علي حالة الاستقرار في المجتمع وعلاقتها بدعم الأمن الاجتماعي.. فمظاهر مثل: العنف السياسي, والانفلات الأمني وتراجع قيم التسامح والحوار وتصاعد العديد من المظاهر الاجتماعية السلبية مثل البلطجة والعنف واللامبالاة ترتبط بمجموعة من الأسباب يأتي في مقدمتها انخفاض معدلات التنمية البشرية بكل ما تنطوي عليه من مؤشرات تتعلق بحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن ثم, تبقي قيمة المواطنة كقضية علي المحك, ورغم تعدد أبعادها وصورها, إلا أن التمييز القائم علي أساس ديني يجب مواجهته بحزم وبعيدا عن الحلول التبريرية المرتبطة بالأسباب والدوافع وبعيدا عن الحلول العرفية المعتادة منذ فترة طويلة, ليبقي الاستناد للقانون كأداة حساب هو السبيل الوحيد لكسر الحلقة الدائرة بين الفعل ورد الفعل والخروج من مأزق الصراع الطائفي. كما لا يجوز الحديث عن الدولة الديمقراطية بمنطق فرض سطوة الأغلبية, وعدم الحاجة للتوافق المجتمعي علي منظومة القيم الحاكمة, ودون تقنيين الآليات الحاكمة للحيلولة دون سطو تيار أو حزب أو قوي سياسية, ودون تفعيل دور المجتمع المدني وتجاوز عشوائية أدائه. فالتأكيد علي الدولة الديمقراطية بشقيها القانوني والمؤسسي وقاعدتها المستندة للمواطنة تتطلب تفعيل المسئولية المدنية للمواطن ولمؤسسات المجتمع, وتفترض التوافق علي الدستور وعلي القضايا الحاكمة, فالاستناد إلي سطوة الأغلبية المشاركة مع إقصاء الكتلة الصامتة التي تمثل القطاع الأكبر من الشعب المصري تضع مستقبل البلاد علي المحك وليس قيمة المواطنة فقط.