جيل بلا أب..! باتت شهيرة جدا بين الناس نكتة ذلك الزعيم العربي الذي ما إن صعدت روحه إلي بارئها حتي سأله زملاؤه السابقون: هه.. قتلك السم أم الرصاص؟ فأجاب: بل الفيس بوك, ومع ذلك فالمسألة أصبحت أعمق كثيرا من مجرد نكتة! إن للفيس بوك, ولا شك, فضائل عديدة, ومميزات لا حصر لها.. إلا أن له سوءاته أيضا! وهل يمكن للميزة أن تكون سوءة في بعض الأحيان ؟ نعم ممكن! إن أسوأ ميزة فيه أنه كشفنا نحن جيل الآباء الطيبين! فضحنا الفيس بوك, ليس فقط لأننا لانجيد استخدامه, ولا نعرف أسراره, كما يعرفها الأبناء العفاريت, ولا لأنه كشف فسادنا المتفشي, والذي دفعهم لتفجير الثورة, ولكن وبالأساس لأنه أكد لهم أننا لم نكن آباء جيدين أوجديرين ببنوتهم. إن الأب في عرف الدنيا كلها هوالحماية, فهل حميناهم أم تركناهم للبحر غرقي تأكلهم الأسماك؟ والأب شجاعة, فهل كنا شجعانا أم تملكنا الجبن علي حياة لا تستحق, سادها الفقر والمهانة والازدراء؟ والأب رحمة, فلما لم يرحمهم الآباء الفاسدون, هبوا هبتهم الجبارة, وكنسوهم جميعا إلي عنابر طرة! ولم يكن الآباء وحدهم هم المتضررين من فضيحة الفيس بوك, بل كان المتضرر الأكبر هم الأبناء أنفسهم. لقد بات عليهم أن يبحثوا عن أب جديد شريف عفيف يشرفهم, فماذا لولم يجدوه؟ آنئذ ستكون الطامة الكبري, سيكبر الأبناء قبل الأوان, وربما يشيخون. سيحاولون لعب دور الابن والأب معا, وحتما سيفشلون, إذ الأمر آنئذ سيكون خروجا علي نواميس الكون العربي الموروث, نعم ربما يكون الغرب قد نجح في قتل الأب من زمن بعيد, إلا أن الأمر عندنا نحن مختلف.. فما الحل؟ لابد من المصالحة! وهنا يجب أن تتضمن معاهدة الصلح ثلاثة بنود. أولا: أن يبدأ جيل الآباء, رويدا رويدا, في إخلاء الساحة علي كل الأصعدة لجيل الأبناء, وكفاهم تكويشا! ثانيا: أن يبدأ الأبناء رحلة غفران طويلة ومضنية مع الآباء الخطائين, وخير الخطائين التوابون! ثالثا: أن يبدأ الآباء في تعلم الفيس بوك علي أصوله.. لعل وعسي أن ينجحوا فنتجاوز جميعا هذا المأزق العجيب! المزيد من أعمدة سمير الشحات