الحالة الثورية والحركات الاحتجاجية التي يموج بها العالم العربي الآن وأثرها علي الواقع الثقافي والمجتمعي في المنطقة العربية, وعلي الكيانات الثقافية الإقليمية والدولية, وبالتالي علي تحديد ملفات وأولويات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الأليسكو مثلت المحاور الأساسية في لقاء د. محمد العزيز ابن عاشور المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الأليسكو مع بعض من كتاب ومحرري صحيفة الأهرام ظهر الأربعاء الماضي.وقد بدأ اللقاء الذي نظمه الزميل محمد مطر وأداره الزميل محمد صابرين بعدد من الأسئلة حول استمرارية الحالة الثورية والاحتجاج في الدول العربية وإشكالية استمرارية البني ونظم الإدارة والتفكير, التي تنتمي لفكر المرحلة السابقة للحالة الثورية, في التعامل مع المشاكل التي تواجهها المجتمعات العربية في المرحلة الانتقالية الحالية, خاصة مع ظهور نوعية جديدة وربما غير مألوفة من المشاكل والتحديات. وقد أوضح د. بن عاشور أن الغليان مطلوب في المرحلة الأولي للثورة, لكن استمراره يهدد بمخاطر التطرف, وأنه لابد من تخطي هذه المرحلة سريعا والسعي إلي هيكلة هذا التيار مؤسسيا وحزبيا وفكريا, لننكب بعد الانتخابات وبعد اختيار الرئيس والمؤسسات التشريعية علي الأولويات. وأشار إلي دور الثقافة في هيكلة المسار الديمقراطي وإيجاد مؤسسات ضامنه للحوار الديمقراطي, لحمايته من الانزلاق للتطرف سواء كان تطرفا عقلانيا أم تطرفا عقائديا أو دينيا ولضمان اتباع مسلك الاتزان والوسطية في كنف احترام رأي الآخر والحوار وتبادل الأفكار. وأكد د. بن عاشور ضرورة السعي لإقامة هياكل سياسية وأحزاب قادرة أن تجمع الشمل وطنيا تضم مختلف التيارات السياسية, بحيث يكون هناك توازن بين هذه الأحزاب, مع الاهتمام بهيئات المجتمع المدني. وفي سياق حديثه عن التراكم التاريخي وفكرة القطيعة مع الماضي والتركيز علي سلبياته أشار د. بن عاشور إلي ضرورة الخروج من أسر هذه المرحلة و المواقف المبالغ فيها وأن يشعر الجميع بضرورة الربط بين الماضي والحاضر, وأن الثورة اندلعت من أجل الإصلاح وتوظيف المكاسب التي تحققت في الماضي توظيفا محكما, وبالتالي يجب ألا تتجه الثورة الحالية إلي الإصرار علي القطيعة مع كل ما سبق بكل مكوناته وكل أشخاصه, وألا ننسي أنه حتي بين من كانوا في النخب المتصلة بالأنظمة الحاكمة أشخاص نزاهتهم معروفة وحسهم الوطني واضح, وأن هناك أجيالا قاومت ورفضت الفساد وأدت دورها لتمهد الطريق للشباب. وعن موقف الأليسكو وإدارة التراث التي استحدثتها المنظمة مؤخرا من المخاطر التي يتعرض لها التراث المادي وتحديدا المناطق الأثرية في ليبيا جراء القصف المستمر التي تتعرض له مدن ليبيا وأحداث العنف التي تشهدها أكثر من مدينة عربية الآن, كان السؤال الذي طرحته دنيا الثقافة علي د.بن عاشور, فأشار لاهتمام الاليسكو بالتراث بوصفه عنصرا أساسيا في تاريخنا, وأعرب عن قلقه علي عدد من المواقع الأثرية منها البتيس ماغني( تبعد120 كم شرق مدينة طرابلس عاصمة ليبيا وكانت من أهم مدن الشمال الإفريقي في عصر الامبراطورية الرومانية وحاليا هي مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي) حيث كانت صيانتها تتم بطريقة طبيعية, وكذلك متحف طرابلس الذي يعد من أروع المتاحف الأثرية في العالم والمدينة العتيقة في مصراته وقال: اليوم وقع قذف ولا أدري إن كانت هناك أضرار, ولابد أن نلفت النظر لهذه المسألة ولابد أن ننبه السلطات وإن كنت متفائلا قليلا علي اعتبار أن المناطق الأثرية في ليبيا بعيدة إلي حد ما عن المدن. وقد نددت الأليسكو علي موقعها بالاعتداءات علي الأقليات والبناء الفوضوي علي المناطق الأثرية. وعن غياب آليات ملزمة لحماية هذا التراث, أوضح د.عاشور أن هناك تنسيقا مع اليونسكو باعتباره المرجعية العليا في مجال التراث العالمي, وأن القرارات التي يتم اتخاذها وأن كانت غير ملزمة لمراعاة حاجز سيادة الدول إلا أنها ملزمة أدبيا. وعن نفس الموضوع أكد د. بن عاشور أهمية تنمية الوعي بأهمية الآثار واحترام التراث لحماية المدن العربية العتيقة. وفي ذات السياق أشار مدير الأليسكو لاهتمام المنظمة ببرامج محو الأمية ونشر المعرفة والحرص علي أن تكون مشروعات المنظمة في كنف برامج أهدافها واضحة. من جانب أخر فقد أوضح د. بن عاشور أن الأليسكو شرعت في تبني آلية جديدة لاختيار العواصم الثقافية في العالم العربي والتخلي عن الاعتبارات الدبلوماسية والسياسية التي كانت تحكم هذه الاختيارات في الماضي. وأشار إلي أن الاختيار سيتم بناء علي ملفات تتقدم بها الدول توضح أهمية المدينة وإسهاماتها في الحياة الثقافية في ماضيها وحاضرها. كما تحدث د. بن عاشور عن الاحتمالات التي يواجهها العالم العربي, مشيرا إلي أن الانغلاق علي الذات يهدد المجتمع العربي بالخروج من التاريخ خاصة أن الحضارة الإسلامية ازدهرت بالانفتاح علي الآخر, وأن رجال الإصلاح قد نبهوا منذ القرن التاسع عشر لمخاطر الانغلاق علي الذات و ناشدوا الناس الاتجاه نحو التكوين العصري للدولة المتمثل في كيانات برلمانية ومجالس تراقب أداء الدولة و تضمن تمتع المواطن بكل الحقوق. وأضاف أن تطوير المجتمع يتطلب خروج المجتمعات العربية من حاجز النظم القبلية مقابل الدولة المؤسسية مثلا و الأطر السياسية العتيقة وأن تطبيق ذلك يتطلب قرارات فيها شئ من الصرامة مع مراعاة أن يتم ذلك في إطار العدل و الإنصاف واحترام القانون. وانتهت حلقة النقاش بتأكيد د.بن عاشور ضرورة الفهم الصحيح لمفاهيم كسر حاجز الخوف والديمقراطية و سيادة القانون و هيبة الدولة كي لا نقع فريسة لحالة من الفوضي, موضحا ضرورة إيجاد توازن بين الرأي العام أو رأي عادة الناس أو الشارع كما يقال, وبين النخب ذات الكفاءة المطلوبة في هذا العصر, وأهمية أن يدرك كل إنسان مدي مسئولياته وما دوره في المجتمع مع تأكيد مفاهيم احترام الآخر والعمل, مؤكدا ضرورة حضور السلطة في كنف احترام القانون وحقوق الآخر.