كان هذا الأسبوع موعد إفتتاح قاعة صلاح عبدالصبور بمسرح الطليعة بعد أن تم تجديد المسرح بالكامل ولو أن هذه العملية استغرقت مايقرب من عامين وكانت المفاجأة منذ شهرين عندما أعلن عن الافتتاح لتفاجأ بأن وسائل الأمان لم تكن موجودة به ليعاد غلقه حتي افتتح هذا الأسبوع. هذه المقدمة أردت بها فقط تذكرة لمسئولي المسرح أين كانت تخصصاتهم حتي لاتترك الأمور للمقاولين الذين بالطبع لايهمهم ماذا يعني غلق مسرح للدولة؟ المهم تم الإفتتاح وكانت مسرحية القاعة.. قاعة صلاح عبدالصبور بمسرحية حمام روماني والحقيقة أنني ربما غفرت بعض الشيء تأخير تجديد المسرح والسبب هو هذا العرض المتميز الذي يقدم لكاتب بلغاري من الكتلة الشرقية التابعة للإتحاد السوفييتي سابقا وهو ستانسلاف ستراتيف. فماذا بداية عن هذا النص؟ يتعرض الكاتب هنا للإنسان البسيط ذلك الذي برغم كل مايعانيه يتحلي بالحفاظ علي المباديء والقيم دون اعتبار للمادة أو المكاسب فقط بل مايطلبه أن يعيش في مسكنه في أمان. لكن هذا المسكن يتضح أنه أقيم علي أثر قديم من عصر الإمبراطورية الرومانية وهو هذا الحمام الذي تحمل جوانبه تماثيل رائعة لفتيات وتحمل أرضيته نقوشا بديعة. يحرك هذا الأثر الجميع.. الأستاذ العالم الذي لايهتم إلا بأن هذا هو اكتشافه ليشارك الساكن البسيط مسكنه حفاظا علي هذا الأثر بل يمتد الي كل منطقة فيه ليقوم بالحفر عله يجد المزيد من الآثار. هناك المقاول المرابي الذي يريد هذا الأثر ليبيعه بالطبع لمن يدفع علي أن يقدم بديلا عنه بيتا جميلا للساكن. أيضا هناك الكثير والكثير مممن يحاولون بكل الطرق الإستفادة من الاثر لبيعه دون اهتمام بأن هذا من حق الدولة وحدها. وبرغم أن النص كتب منذ زمن بعيد والتفكير في إخراجه للمسرح من قبل المخرج هشام جمعة ومدير مسرح الطليعة محمد محمود مضي علي هذه الفكرة أكثر من20 عاما لكن يتصادف أن يتناول النص ما أثير حاليا حول قانون الآثار وقانون الاتجار في الآثار. وتمضي سخرية الكاتب بأن أحد السباحين يقتحم المنزل ليقوم بدور الغطاس منقذ الغرقي علما بأن هذا الحمام يقع في حفرة لايزيد عمقها علي نصف متر!! بل ويقوم بإيهام الساكن بأنه أنقذه من الغرق ليقوم بالتوقيع علي هذه المهمة حتي يحصل الغطاس علي مكافأته!! ثم تأتي جموع مايسمي بالجماهيرية بمكبرات الصوت للاحتفال باكتشاف الأثر وهكذا.. الكل يريد المكسب دون أدني اهتمام بالمصلحة العامة. وفي النهاية يقف الساكن صلبا علي موقفه بل ويتم زواجه من الفتاة التي تؤمن بنفس مبادئه. فماذا عن الإخراج الذي قام به هشام عطوة المدير الحالي لفرقة المسرح الحديث؟ في البداية اعتمد المخرج علي ديكور رائع لربيع عبد السلام الذي جسد لنا ذات الأماكن التي نشاهدها في مسرحيات أو روايات أو أفلام الكتلة الشرقية في الماضي حيث الكتب تغطي معظم المكان وإلي جانبها زجاجات الخمور مع إعداد متميز للحمام الذي تم حفر مايوازي نصف متر داخل القاعة ليظهر لنا الحمام الروماني بتماثيله القديمة. الموسيقي استخدمت في المناطق الخاصة بها فقط وهي لسامح عيسي وأيضا لحن الأغنية التي أداها البطل مع البطلة. أيضا الملابس كانت لربيع عبدالكريم وتميزت بتقديم أزياء الزمن الماضي في الغرب بصورة جيدة. حركة الممثلين كانت مناسبة للعمل استطاع بالفعل المخرج من خلال نص له قوام متميز أن يقدم عملا يحسب لمسرح الطليعة كواحد من أجمل عروضها وأيضا أكثرها رصانة. فماذا عن الممثلين؟ يتقدم الممثلين البطل وهو محمد محمود مدير مسرح الطليعة الذي جسد بأسلوب يحمل الكثير من الجرأة ذلك المواطن البسيط وأيضا الذي يحمل المباديء ولا يبتغي أي أموال ولكن فقط أن يعيش في ذات البساطة التي يحياها. أمامه أيمن الشيوي في دور العالم الذي قدم الشخصية بفهم لكل أبعادها لدينا أيضا جميل عزيز وكارم أباظة وطارق إسماعيل في أدوار الذين يتسابقون علي كسب المادة دون إلتفات لأي شيء اخر غير المال. أشرف عبد الفضيل قام بدور الغطاس بصورة فكاهية وإن زادت حركته بعض الشيء في إنقاذ الغرقي الوهميين. الوجه الثاني الجديد لدينا هي نيفين رفعت وقامت بدور الفتاة التي تشارك البطل في الاهتمام بالقيم والمبادئ. عمل بالفعل رصين وجيد ولعل أهم ما لاحظته هو أن جميع العاملين في هذا العرض من أبناء المسرح أو البيت الفني للمسرح بمعني أنه لم تكن هناك أي عقود لمن هم خارج موظفي المسرح إلا فقط لمصمم الديكور ربيع عبد الكريم. التحية هنا واجبة لمدير مسرح الطليعة محمد محمود والتحية الأكبر لرئيس البيت الفني للمسرح توفيق عبدالمجيد علي ظهور هذا العمل في فترة توليه إدارة هذا البيت وأنا أعلم أن التفكير فيه تم في عهد من سبق في إدارة البيت الفني للمسرح وهو أشرف زكي. لكن هنا مجرد الوقوف مع عمل كي يظهر للجمهور يحتاج الي ما أعلمه أنا شخصيا من جهد.