بعد مشروع تطوير الثانوية العامة الجديدة التي تحولت إلي لغز كبير بدأ في عهد الوزير السابق الدكتور الجمل وجاء الوزير الحالي الدكتور زكي بدر فازداد اللغز صعوبة. رأي الوزير الدكتور بدر أن يترك الناس تضرب أخماسا في أسداس تحاول الوصول إلي خريطة الطريق لهذه الثانوية العامة التي لا يعرف أحد حتي الآن ملامحها النهائية وأن يأخذ الناس بعيدا عن تلك الثانوية المعضلة إلي مشكلة أو نظرية جديدة يراها سيادته من النظريات المهمة لإصلاح التعليم وهذه النظرية تعتمد علي ما سماه بعودة ضرب التلاميذ في المدارس.. مؤكدا أن استعادة المدرس لمظاهر الهيبة والاحترام تبدأ بالسماح للمدرس بعقاب التلميذ بالضرب اللطيف وهو ما تعرض له الوزير شخصيا حسب روايته حين كان تلميذا. وجاءت تصريحات الوزير الدكتور بدر عن ترحيبه بالضرب في المدارس لتزيد الاختلاف بين الناس حول شخص الوزير وأفكاره.. فأنصار الوزير وهم كثيرون أشادوا بعبقرية الدكتور بدر ورأوا في تصريح الوزير ما يؤكد شخصيته الحازمة والحاسمة ورغبته في إعادة الانضباط إلي المدارس وأجمع أنصار الوزير علي أن في إعادة الضرب للمدارس تحقيقا لهذا الحسم والحزم والانضباط الذي اختفي من مدارسنا والذي هو كما يراه أنصار الوزير سر انهيار وتدهور التعليم!! أما معارضو الوزير بدر فقد شنوا حملة هجوم ضارية علي الوزير الذي سيحول المدارس- كما قال أحدهم إلي معتقل جوانتانامو وأن علينا أن نتوقع تلميذا قتيلا صباح كل يوم في مدارسنا وأن العروسة التي كانت مخصصة في السجون لجلد المذنبين وتم إلغاؤها من السجون سوف تعود للظهور في المدارس لجلد التلاميذ المذنبين. والحقيقة أن الوزير الدكتور بدر تعرض للظلم من أنصاره ومن معارضيه معا.. فلا عودة الضرب لو تحقق سوف تعيد الانضباط للمدرسة والاحترام للمدرس ولا عدم الضرب في المدارس في السنوات السابقة حافظ علي سلامة التلاميذ أو المدرسين. فالمدارس المصرية تتمتع بصفة فريدة عن باقي مدارس الكون من حيث تعدد أشكالها وأنواعها وداخل المدرسة الواحدة تختلف الظروف والمعاملة من فصل إلي آخر ومن مدرس إلي مدرس. لدينا في مصر مدارس لا يجرؤ المدرس فيها علي أن يرفع صوته فوق صوت التلميذ, فما بالك لو فكر في عقاب التلميذ بالضرب؟! ففي هذا النوع من المدارس يدفع التلميذ عدة آلاف من الجنيهات كمصروفات دراسية يعامل فيها معاملة فنادق النجوم السبعة لنزلائها... ولدينا مدارس حكومية لا يجرؤ المدرس فيها علي أن يسأل الطالب سؤالا يعكر به مزاجه لأن المدرس في نهاية اليوم سوف يتوجه علي قدميه ويطرق باب شقة التلميذ ويدخل هاشا باشا مبتسما, حيث يقدم له الشاي والكيك والتعبير للكاتب الكبير يوسف معاطي وإذا أكل المدرس الشاي والكيك فهل يجرؤ علي أن يرفع عينيه في وجه التلميذ؟! ولدينا مدارس حكومية وخاصة بها مئات من عينة مرسي الزناتي وبهجت الأباصيري رموز الصياعة في مسرحية مدرسة المشاغبين حيث يتوقع المدرس أن يعتدي عليه التلميذ بالضرب لو تعكر مزاجه.. وفي هذه المدارس قد يتعرض المدرس لكسور مضاعفة في القفص الصدري أو كسر في قاع الجمجمة لو شعر التلميذ أن المدرس يفكر مجرد تفكير في عقابه بأي صورة من الصور!! فما بالك في أن يفكر هذا المدرس التعس في ضرب التلميذ. وعلي الجانب الآخر لدينا في القري والنجوع والمناطق الريفية عموما, ومعها المناطق الشعبية, مدارس حيث لا دروس خصوصية ولا مراكز قوي ونفوذ بين أولياء الأمور, وهناك يتعرض التلاميذ للضرب المنظم ليس طبعا بالمسطرة التي كان يضرب بها الوزير وقت أن كان تلميذا.. فالضرب في هذه المدارس يامحترم بالخرطوم وبالشلوت والبوكس حسب مزاج المدرس, ولو أن الوزير الدكتور بدر طلب من معاونيه في الوزارة ملف حوادث اعتداء المدرسين علي التلاميذ لوجد فيه حالات كثيرة بلغت كما حدث في العام الماضي حدا لقي منه تلميذ مصرعه بشلوت غادر من المدرس نقله إلي العالم الآخر. إذن, فالحسم والانضباط لن يتحقق في المدارس بإعادة الضرب أو بتجريمه وتحريمه إنما يتحقق أساسا بتوفير الأساسيات المعروفة عالميا لتقديم تعليم حقيقي وهي ليست اختراعا جديدا.. وهي مجرد مدرسة معقولة تضم فصولا دراسية مناسبة وأعدادا من الطلاب في كل فصل تسمح لهم بالتعلم ومدرسا مؤهلا بشكل جيد ويتقاضي دخلا يسمح له بحياة مستورة لا تجعله يمد يده للتلميذ يتقاضي منه جنيهات الدرس الخصوصي.. مدارس بدون الاختراع المصري الأصيل المسمي مجموعات التقوية, حيث يرغم التلميذ علي دفع إتاوة يعلم أنها رشوة للمدرس والناظر معا وهي مجموعات التقوية اعترافا بأن المدرسة لا تقدم تعليما للتلميذ. وعندما تتوافر هذه الأساسيات لن يكون هناك مبرر للسماح بالضرب في المدارس أو إلغائه.. ولكن أن نظل حتي اليوم ندور ونلف, حول بديهيات التعليم التي عرفها العالم منذ عشرات السنين فإن ذلك يعني أننا نسير بعيدا جدا عن طريق التعليم. [email protected] المزيد من مقالات لبيب السباعى