حتي نهاية عام2007 كان الرجل رئيسا للقطب الثاني للقارة السمراء, ألا وهي جنوب أفريقيا. إلا إنه قبل أن يرأس هذه الدولة الفتية, شارك في صناعة تاريخ طويل من النضال ضد نظام الفصل العنصري في بلاده من المنافي ومن داخل جنوب أفريقيا ذاتها. وقد كان لهذا التاريخ الطويل لتابو مبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق, ورئيس لجنة حكماء القارة سواء في النضال أو القيادة سببا في تعيينه رئيسا للجنة حكماء أفريقيا التي فوضها الاتحاد الأفريقي ببحث سبل التوصل لتسوية سلمية تفاوضية لأزمة دارفور, ذلك الإقليم الذي يقع غرب السودان والذي شهد اضطرابات شديدة علي مدار السنوات الماضية. وقد كانت نقطة البدء في حوار الأهرام معه هي إصرار اللجنة علي تشخيص القضية ب أزمة السودان في دارفور وليس العكس, وهي البداية التي قادتنا للخوض في سبل تحقيق العدالة جنبا إلي جنب وكشرط للمصالحة والسلام.. وهذا نص الحوار: * لوحظ علي عمل لجنة حكماء أفريقيا أنها تشير دائما لقضية دارفور بأنها' أزمة السودان في دارفور' وليس العكس, فهل هذا التعبير جزء من تشخيص العلة وما هو في رأيكم تطور هذا المرض؟ { بالتأكيد هذه نظرة اللجنة, وهي أن مشكلة دارفور ليست مقصورة علي هذا الإقليم فقط, فالحرب دارت لسنوات طويلة في الجنوب, والصراع في الشرق, وهي صراعات لها جذور واحدة وتعكس للجنة الميراث الاستعماري في السودان واستمراريته فيما بعد الاستقلال والتي تتمثل في تركيز السلطة السياسية والاقتصادية في الخرطوم, وتهميش الأطراف التي تسعي لتغيير هذا الواقع الذي نما وتطور منذ الزمن الاستعماري الذي ركز علي تنمية السكان بكافة أشكالها داخل وحول مدينة الخرطوم, وهو الأمر الذي أدي إلي انفجار الجنوب ثم الغرب في دار فور. ولكل هذا أقول إنها أزمة السودان في درا فور وفي الجنوب وفي الشرق وليس العكس. ولذا فإن نظرتنا في حل أزمة دار فور ينبغي أن تأتي في سياق التحول في السودان ككل. وفي هذا الإطار, فإن كافة السودانيين يجمعون الآن علي ضرورة الحل علي أساس الفيدرالية لتأمين نصيب من السلطة لكافة السكان في كافة الأقاليم جنبا إلي جنب مع تمثيل متكافئ لكافة الأقاليم في المركز بالخرطوم. * في هذا السياق.. هل ترون تأثيرا متبادلا بين الأزمات في الجنوب والشرق والغرب علي بعضهم البعض؟ { ما أقوله هو أن جميع أزمات السودان لها أساس واحد وبالتالي, فإن حلها يكمن في تحول السودان بشكل اصلاحي. والدليل علي عدم التأثير المتبادل بين أزمات السودان هو أنه نتيجة الصراع الطويل مع الجنوب, فإنه تم الاتفاق علي إجراء استفتاء في العام القادم علي حق تقرير المصير في الجنوب, إلا أن هذا لا ينسحب علي الغرب في دار فور الذي أجمع سكانه علي مختلف طوائفهم خلال لقاءات اللجنة المتعددة معهم علي أنهم لا يبغون تقرير المصير ولا الانفصال عن السودان, ولكنهم يريدون نصيبهم العادل من السلطة والتنمية. * إلي أين وصلت خارطة الطريق التي طرحتموها لحل أزمة دارفور؟ وما موقف الحكومة السودانية منها؟ وهل توجد تحفظات لم تعلن خوفا من أن تفقد الحكومة تعاطف دول القارة؟ { منذ إنشاء اللجنة في مارس2009 فإن الحكومة السودانية طالما أكدت رغبتها الخالصة في حل سلمي لأزمة دارفور, وهو ما دفعها في2006 وقبل إنشاء اللجنة إلي التوقيع علي اتفاق السلام هناك وهو الاتفاق الذي امتنعت فصائل مسلحة عن التوقيع عليه. إن كافة تحركات الحكومة تؤكد رغبتها وسعيها لإحراز السلام. وفيما يتعلق بالتوصيات التي طرحتها اللجنة والتي أقرها مجلس السلم والأمن الافريقي مؤخرا, فإن الحكومة السودانية لم تعترض علي أي منها. والشيء الوحيد الذي طلبته الحكومة هو مزيد من البحث في مقترحنا بإنشاء محاكم هجين لجرائم الحرب في الإقليم, وهو الطلب الذي وافقنا عليه. * لقد طرحت اللجنة روشتة تتمثل في تسوية سياسية تفاوضية تتعامل مع قضايا: السلام والعدالة والمصالحة.. أي من المكونات الثلاث يسبق الآخر؟ وهل يمكن أن تحقق المحاكمات العدالة أم ستعرقل التوصل لتسوية؟ ولماذا لا يعتمد نموذج لجنة الحقيقة والمصالحة الذي نجح في جنوب أفريقيا في دار فور؟ { المكونات الثلاثة يجب أن تسير بشكل متزامن, ففي النهاية ما نسعي إليه هو تسوية تفاوضية سلمية تضمن هذه المكونات في وقت واحد. فالعدالة يجب أن يتم الاتفاق علي سبل تحقيقها من خلال التفاوض, وليس فرضا من الخارج. ففي النهاية, فإن جميع الأطراف بما في ذلك الحكومة تؤكد صادقة رغبتها في تحقيق العدالة. ولكن يجب الاتفاق علي شكل العدالة ومدي تأثيرها علي المكونين الآخرين وهما السلام والمصالحة. * هل تعتقدون أنه يمكنكم التوصل لتسوية في دار فور قبل إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة؟ { كنت أتمني أن يتم التوصل لتسوية قبل الانتخابات, فهذا الأمر كان سيكون له انعكاسات إيجابية, ولكنني لا أدري مدي إمكانية حدوث ذلك, فهذا الأمر في يد المفاوض الرئيسي للاتحاد الأفريقي وأيضا لدي الأممالمتحدة. والسبب في أهمية التوصل لحل قبل الانتخابات يكمن في تمكين مواطني دار فور من المشاركة, وإزالة دعاوي تهميشهم وهو أصل الداء وهو السبب في تمردهم. ولكن لحسن الحظ فإن70% من مواطني دار فور سجلوا أنفسهم في الانتخابات القادمة, وهي نسبة عالية بشكل ملحوظ يجب تأمين مشاركتها بكل السبل. * هل يؤثر عمل المحكمة الجنائية الدولية في دار فور علي عمل لجنتكم بالسلب؟ { لقد اجتمعنا مع المدعي العام للمحكمة السيد أوكامبو وشرحنا له تفويضنا بما في ذلك سعينا لتحقيق العدالة, وطلبنا وجهة نظره في هذا الصدد. وقد أكد الرجل دعمه لعمل اللجنة, مشيرا إلي أن المحكمة الدولية هي الموئل الأخير في حال عجز أو رفض القضاء القطري التعامل بحيادية مع جرائم الحرب. وفي النهاية فإن القضية أوكلت لهذه المحكمة ليس بناء علي مبادرة منها إنما بناء علي قرار من مجلس الأمن تفعيلا لاتفاقية روما. وقد أكد لنا أوكامبو أن عمله لن يؤثر علي عمل اللجنة في سعيها لتحقيق العدالة. وقد حرصنا قبل تقديم مقترحاتنا, خاصة بالنسبة لتحقيق العدالة التي وافق عليها الاتحاد الأفريقي أن نحصل علي موافقة جميع الأطراف بما فيها مواطن دار فور وفصائله. لقد تواصلت اللجنة مع كافة الفصائل حتي أننا رحلنا لهم في مناطق مثل جبل المر, وحملونا طلبات للرئيس البشير بما في ذلك مواد إغاثة ومتطلبات المدارس, وقد وافق عليها الرئيس فورا باعتبار أنهم مواطنون حتي ولو تمردوا لأسباب مختلفة. * في تصوركم.. ما الدور المطلوب من مصر؟ { سعينا لمصر والرئيس حسني مبارك, فمصر أدري الجميع بالسودان, وذلك لعرض ما قمنا ونقوم به للتنسيق وسماع وجهات النظر, خاصة من جانب مصر. فعلي سبيل المثال, فإننا سنطرح علي مصر عزمنا عقد مؤتمر جامع في18-19 فبراير الحالي في الخرطوم لجميع الأحزاب والفصائل السودانية من كافة الأقاليم, وهي الأحزاب والفصائل التي يبلغ عددها85 حزبا وذلك بهدف بحث كافة القضايا التي نتعامل معها في اللجنة. وقد وافق الرئيس البشير علي المشاركة بنفسه ممثلا للحزب الحاكم, بالإضافة إلي موافقة كافة زعماء الأحزاب علي المشاركة بأنفسهم. وسوف ننقل ذلك للرئيس مبارك, ونستمع إلي نصحه في هذا الشأن, حيث إنه ومصر علي دراية كبيرة بالشأن السوداني.