بالرغم من أن القضية محل البحث في الدورة الأخيرة من حوارات الدوحة الذي يقدمه أشهر مقدم برنامج حواري في العالم تيم سباستيان والذي ظل يقدمه علي مدي28 عاما علي التليفزيون البريطاني( بي بي سي) كانت' التدخل في النزاع في ليبيا: هل يجب أن يكون غربيا أم عربيا.إلا أن مصر تحولت لتكون أحد أهم محاور نقاشات الدورة بما يعكس ثقل مصر في تلك المنطقة من العالم. وبالرغم من أن المشاركين علي المنصة بالإضافة إلي جمهور الحضور كانوا علي درجة عالية من التميز والإحاطة بالقضية محل الحوار فإن أكثر من لفت نظري من بين جمهور الحضور ذلك الصبي ذو ال14 عاما والذي طلب الكلمة للتعليق مكتفيا بتعريف اسمه وهويته وجنسيته بأنه عربي, مؤكدا أن المستقبل للعروبة ووحدة العرب حيث ألقي باللوم علي من يتبني فكرة تدخل الغرب من دون العرب لنصرة الشعب الليبي في المحنة التي وضعه فيها نظام العقيد الديكتاتوري. لاحظت ابتسامات علت الوجوه من كثير من الحضور اعجابا بشجاعة وبلاغة هذا الصبي وإن كنت حرصت بعد انتهاء المناظرة علي انتظاره أمام الباب الرئيسي لمقر مؤسسة قطر الراعية لحوارات الدوحة لكي أضمه لصدري وأعرف أن اسمه عبادة وأنه سوري. افتتح سباستيان الإعلامي التلفيزيوني الأشهر البرنامج الذي يذاع علي عشرات شبكات التليفزيون في العالم والذي يشاهده ما يقرب من مليار من البشر بطرح السؤال المفتاح لهذه الدورة من حوارات الدوحة: هل يجب علي العرب أن ينهضوا بمسئولية ليبيا في الوقت الذي تثور فيه شعوبهم لإصلاح نظم الحكم لديها؟ بدأ محمد عبد الله نائب سكرتير عام الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا بطرح عدد من المسلمات مثل أن الجميع يتفقون علي أن الشعب الليبي يواجه كارثة وأن التدخل أيا كان الجانب الذي يقوم به جاء بطلب من الشعب الليبي لإنقاذ الأرواح واعادة الحقوق المسلوبة. وواصل الرجل معددا الميزات التي تدفع في اتجاه التدخل العربي مثل اللغة والإقليم الواحد مشيرا إلي أن الأمر كان سيكون رائعا أن تجبر الشعوب العربية حكامها علي التدخل وأن ذلك كان بمثابة ثورة حقيقية تغير وجه المنطقة. وأكد الرجل أن بلاده محظوظة بأن تكون متاخمة لمصر في المقام الأول وتونس في المقام الثاني حيث تصادف قيام الثورة الشعبية في ليبيا عقب ثورتين شعبيتين ناجحتين في البلدين إلا أن الجانب الحزين هو أن ليبيا لم تستفد من هذا التغيير الرائع. وأعرب السياسي المعارض الليبي عن اعتقاده بأن مصر( أم العرب) هي التي كانت ومازالت مؤهلة أكثر من غيرها- بمساعدة عربية- علي القيام بمهمة حلف الناتو. إلا أن فاضل الأمين الكاتب الصحفي الليبي ورئيس المجلس الليبي الأمريكي وصف قول مواطنه عبد الله بالافتراضية حيث إن التدخل استهدف حماية البشر وهي مهمة لا تستطيع الأممالمتحدة النهوض بها كما أن الدول العربية لا تملك التفويض اللازم لها حيث تم تصميم قواعد العمل العربي المشترك للحفاظ علي الأنظمة وليس الشعوب وأنه حتي لو تغيرت هذه القواعد فإنها ليست لديها القدرة علي النهوض بالمهمة. المحاور تيم سباستيان تدخل مواجها أنصار التدخل العربي قائلا: لايمكنك أن تحصل علي كل شيء في نفس الوقت فلا يمكن أن تدعو للحفاظ علي الأرواح ثم عندما يبدأ التدخل تشكو من الغرب وخاصة عند وقوع ضحايا مدنيين ثم يشكو الثوار من ضعف التدخل! بول سالم( لبناني) مدير مركز الشرق الأوسط بمعهد كارنجي بالولايات المتحدة يؤكد أنه كان علي الدول العربية الإسلامية وفي مقدمتها مصر وتركيا التدخل بدعم من المجتمع الدولي متسائلا: ما قيمة وفائدة كل تلك ترسانات الأسلحة والمعدات بمئات المليارات إذا لم توظف لخدمة الإنسانية مؤكدا أن الوقت لم يفت بعد للتدخل وخاصة من جانب مصر. إلا أن المحاور سباستيان بدا وكأنه يتمثل نفسه مصريا عندما دفع بأن مصر مازالت تعاني من عدم استقرار عقب الثورة فرد عليه سالم بأن مشاركة رمزية من مصر تحديدا ستؤكد مباديء الثورة خاصة أنها هيأت التربة الخصبة للانتصار للمباديء والإنسانية. وهنا تدخل الدكتور عمر عاشور( مصري) وهو محاضر في معهد الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة إكستر في بريطانيا بأن قال إن العرب لم يمتلكوا الإرادة بعد وبأن الثوار في مصر لا يحكمون وإنما المجلس العسكري هو الذي لم يول اهتماما كبيرا لملايين المصريين العاملين في ليبيا وذلك علي حد وصفه. واوضح الرجل أن تاريخ الكوارث في المنطقة من ضرب المدنيين بالطيران في حماة بسوريا عام1982 ودارفور وغيرهما تشير لغياب الإرادة لدي العرب في التدخل. وأعرب عاشور عن أسفه لامتناع مصر عن أخذ زمام المبادرة والقيادة وأن تقتصر المشاركة علي قطر فقط رافضا ما طرحه المحاور سباستيان من أن تدخل الناتو لم تكن له فاعلية حتي الآن حيث قال إن العملية لم تستغرق الوقت الكافي. أحد الحضور من الجمهور مصري الجنسية تصدي لمواطنه الدكتور عمر حيث قال له: هل نحن بالسذاجة أن نعتقد أن الغرب الذي دعم طغاة أمثال حسني مبارك سيتدخل من أجل الشعب الليبي! الدكتور عاشور قال إنه عقب أحداث11 سبتمبر غيرت أمريكا موقفها لمحاولة دمقرطة هذه الأنظمة إلا أن المواطن المصري رد عليه القول بأن أمريكا واصلت دعم أمثال مبارك وذلك قبل أن يرد عاشور بأن المسألة مجرد مصالح ولكن هذا لاينفي أن التدخل في ليبيا منع القذافي من ارتكاب مذبحة في بنغازي. شابة عراقية استنكرت ألا تحدث الثورات في المنطقة العربية أي تغيير علي ليبيا وهو ما دفع الدكتور عاشور لأن يؤكد أن الثوار لم يدركوا بعد حجم وقوة ثورتهم. وأضاف مخاطبا الشابة العراقية: عندما يتولي جيلك في العالم العربي الحكم سيقدر العرب علي النهوض بشأنهم من دون أي تدخل غربي. المعارض الليبي فاضل الأمين عاد فأكد أنه بالرغم من ظروف مصر فإنه مازال يأمل في مشاركتها مؤكدا أن أزمة ليبيا فرصة لتغيير العرب الصورة التقليدية عن عجزهم وأن الفرصة مازالت قائمة أمام مصر بإرسال قوات برية حيث إنه عند نقطة معينة يجب دخول قوات علي الأرض وهو ما استكمله بول سالم من ضرورة تأسيس العرب آلية لمساعدة أنفسهم يمكن استكمالها من الغرب وليس إلقاء المسئولية برمتها علي هذا الغرب. ومن جانبه أكد الدكتور عاشور أنه حتي تتحقق الديمقراطية في العالم العربي فإنه لا يجوز مضاعفة الثمن الذي يدفعه الشعب الليبي منتظرا تدخلا عربيا لن يأتي الآن. الليبي اسامة عمر أعرب عن اعتقاده بفشل الناتو في حين أكدت عائشة الليبية من مدينة مصراتة الصامدة أن كل الليبيين كانوا يتوقون لتدخل العرب الذين يثقون بهم أكثر من الغرب إلا أنها عادت لتتساءل: هل من الأنصاف أن نطلب من الجيش المصري في ظل حالة عدم الاستقرار بمصر التدخل لدينا, فرد عليها فاضل الأمين من أن التدخل المصري سيحفظ مصالح استراتيجية كبري لمصر في ليبيا. وبالرغم من أن التصويت النهائي لجمهور الحضور كشف عن أن45% يقفون مع تدخل عربي في ليبيا في حين أن55% مع التدخل الغربي إلا أن كلمات ذلك الصبي العربي السوري عبادة ذي ال14 ربيعا هي التي ظلت تطن في أذني:' لا غذاء مجاني مع الغرب فلابد من دفع الثمن وما الداعي طالما نحن أمة واحدة ونستطيع أن نعين بعضنا البعض'. الحق نطقته يا عبادة ونحن في انتظار أن تحقق أنت وجيلك ما عجز عنه جيلنا والجيل الذي سبقنا وأنتم علي ذلك لقادرون.