ضاقت فلما استحكمت حلقاتها.. فرجت وكنت أظنها لاتفرج. تلك مقولة في شكل الحكمة تنطبق بحذافيرها علي شعب مصر, والحكم الطويل لنظام مبارك الذي انهاه ثوار تحرير يناير بما يشبه الأسطورة. وكنت أحد أكثر المؤمنين بصحة تلك المقولة الإيمانية إلي درجة أن نقاشات طويلة. وحادة كثيرا ما كانت تنشأ بيني وبين مجموعة من الأصدقاء حول ضرورة انطباق تلك المقولة علي حكم مبارك حيث تصوروا انني متفائل أكثر من اللازم, وانني أعيش في أوهام أحلام تبعد كثيرا عن حقائق الواقع, وأن تأثيرات السن قد يكون لها دخل في تلك الهلوسات, إلا أن كل نقاش كان عادة ما يختتم باصراري علي سقوط مبارك, ليبقي الخلاف معهم في دائرة: هل يكون ذلك قريبا ويمتد العمر للفرحة بهذا الفرج, أم أنه سوف يكون من نصيب الورثة! وكانت مشاركتي في الخروج المصري العظيم إلي ميدان التحرير رغم تقدم السن هي التي أكدت إيماني بأن الفرج علي الأبواب إلا أن الاصدقاء قرروا فيما بينهم أن مشاركتي فيما يجري بميدان التحرير هو مس من الجنون متوقعين ان اعود من التحرير في عربة نص نقل مصابا ب شومة من الأمن المركزي, أو طلقة في الدماغ قادمة من السطوح, أو علي الأقل العودة مبلول الهدوم من خراطيم الشرطة بما قد يصيبني وايامها كان الجو شديد البرودة بنزلة شعبية أروح فيها, مع استمرار مبارك في الحكم, أو بالكثير يتولي الوريث العرش بدعم من البومة الفاضلة, وذلك مدعوم بمظاهرات عارمة يقودها مجلس شعب سرور, ومجلس شوري موافي صبي المخابرات الشهير ب صفوت الشريف صاحب إبداع ازهي العصور مع قيام أمن الدولة بالواجب مع من يقولون كفي! أيامها كان زكريا عزمي وأحمد عز وبطانة جمال مبارك يعتقدون ان اللي خلف م ماتش وهي مقولة صحيحة بعض الشيء, ولكنها ابدا ليست صحيحة علي طول الخط, ذلك أن هناك خلفة طيبة وصالحة لديها من الجينات التي تساندها تربية بيت يفرق كثيرا بين الحلال والحرام, وهناك خلفة نحس تأخذ الفساد من جينات فاسدة تخلط دائما بين الحرام والحلال لتضيع معالم الاثنين في رعاية أم تري نفس الرؤية, خصوصا اذا كانت فاضلة تري ان قبطان سفينة الحكم لم يعد بحكم الشيخوخة يري معالم الطريق, وأن الوقت قد حان لنقل القيادة إلي الوريث لتظل السفينة تجر بأفراد الاسرة إلي شواطئ السعد وأمان الفلوس, وخلال كل تلك الترتيبات نسي الجميع أن الكون يديره صاحب الأمر وليسوا هم من يقودون لتبرز الحقيقة ذات مساء بأن السفينة المؤمنة بجنود العادلي وزبانيته, والمزودة برادارات تكتشف النوايا قبل بروزها إلي العلن, وقوارب انقاذ لا تغرق لاتصالها بأقمار اصطناعية, ليأخذ القبطان الجديد سفينة الحكم قبل أن تبحر إلي قاع المحيط مع أن القاهرة ليس بها بحر ولا محيط بل غرقت السفينة فوق اليابسة لحكمة إلهية تتعارض مع كل قواعد الابحار بأمر كن فيكون! ولعل ما يطمئن القلب ولو قليلا هو أن الآلهة الثلاثة قد انتقلوا بحكم القانون الذي لم يجربوه ولو مرة واحدة لينزلوا ضيوفا عزمي وجمال وعلاء علي منتجع طرة لاند ومعهم مجموعة من خدام الآلهة الذين ينتظرون علي أحر من الجمر وصول الإله الكبير هبل اما راعية المجمع الفاضلة فأعتقد أنها في الطريق مع عدم علمي بما إذا كان في ذلك المنتجع اجنحة للسيدات, أم أن منتجع نساء القناطر أولي بها من حيث التخصص! ومن مصائب شخصية مبارك أنه أخذ القانون بيده منذا اصبح رئيسا للمجلس الأعلي للقضاء, وأخذ الأمن بيده باعتباره رئيس المجلس الأعلي للشرطة, وعسكريا لا يشق له غبار باعتباره رئيسا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة, وهو في الموقع الاخير جاء مؤمنا بأغبي ما قاله السادات من أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب, وهي المقولة التي اطلقت يد اسرائيل في ذبح الفلسطينيين, وحولت مبارك إلي اخلص الاصدقاء, وهي اهانة بالغة للعسكرية المصرية العظيمة, إلا أن مبارك كان يري في كل ذلك ثمنا هينا في سبيل ضمان انتقال العرش إلي الوريث الذي أخذ الجميع معه, وغرق! ورغم تشابه الحكام المستبدين في الصفات والاقوال والافعال خاصة تضخم اجهزة الأمن إلا أن مراحل السقوط لا تتشابه, حيث تحدث بن علي ثلاث مرات إلي الشعب التونسي الذي خرج إلي الشوارع لحظتها كان الاوان قد فات حتي قال قبل الهرب دلوقت فهمت عليكم ولم ينس أن يدعو الله أن يحفظ تونس بعد أن اعلن أنه لن يترشح لفترة تالية, وهو نفس ما قاله بن مبارك في خطب الوداع باعتباره لم يطمع يوما في منصب أو سلطة, وهو ما يقوله القذافي هذه الأيام, وما يردده علي صالح اليمني دون انقطاع وهو نفسه ما بدأ بقوله بشار الأسد للسوريين الذين تقتلهم قوات أمنه ليل نهار, وينسي الجميع أن طريق التظاهر الذي يبدأ بالدم لا يعود بغير رقبة الرئيس! وكل هذه العينة الفاسدة من الحكام تتذكر دائما في خطب الوداع أن تقول أن تعليماتها للحكومة بتنفيذ كل رغبات الجماهير, وتغيير مواد الدستور المعترض عليها شعبيا, وتدبير ملايين الوظائف للعاطلين وملايين الشقق للذين يعيشون في العشوائيات, وكلها وعود شبعت الشعوب منها بل وطرشت ولا مؤاخذة كل تلك الأكاذيب خاصة ان كل خروج الي الشارع تقدم به قلة مندسة ومجموعة من البلاطجة, وأن الاصابع الأجنبية التي حاكت كل تلك المؤامرات سوف تفشل بفضل حالة الحبور التي تعيشها شعوبها. يبقي بعد ذلك أن كل ما ورد هو قطرة في بحر حواديت فساد كل نظام عربي, وهي الحكايات التي سوف يكشف المزيد من وقائعها قادم الأيام, بعضها سوف يكون مروعا لا يصدق مثلما هي وقائع فساد بن علي التي مازالت بحورها العميقة تبوح كل يوم بالجديد, لتثبت ايام التحقيقات في كل بلد يسقط نظامه أن الجميع متشابهون مهما اختلفت ملامح الوجوه والوان الشعر المصبوغ للتصابي حكاما وزوجات او نوعية الحواريين والأنصار الذين تحولوا جميعا ما عدا رجال الأعمال الشرفاء من مديونير إلي ملياردير في غمضة عين! ولسوف تظل عدوي الخروج إلي الشارع تدق ابواب كل دكتاتورية عربية, وكلما أصاب الطرش هؤلاء الحكام زادت قوة الدق علي الأبواب بمئات ألوف الأيدي إلي أن تنخلع ابوابهم تحت قوة ضغط الناس, إلا أن الشيء الأكيد هو أن كل هؤلاء الخارجين إلي الطريق لن يعودوا إلي بيوتهم وأسرهم بغير رقابهم جميعا واحدا.. واحدا!