رفعت ثورة52 يناير العظيمة شعارات حرية, عدالة اجتماعية كرامة انسانية, وهي شعارات يتفق عليها كل فئات الشعب المصري, كما توجد علاقة ارتباط وثيقة بين الشعارات جعلت كل اطياف الشعب المصري تستجيب للشباب الذي اطلق بداية الثورة, وقد بدأت خطوات ومناقشات لتحقيق الحرية والنظام الديمقراطي ولكن لم تنل قضية العدالة الاجتماعية القدر الكافي من الاهتمام حتي الآن. وقد حقق الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية معدل نمو اقتصاديا مرتفعا وصل لنحو6% ولكن لم يشعر به اغلبية الشعب نظرا لعدم عدالة توزيع الدخل واستحواذ طبقة قليلة محظوظة بالعائد الأكبر من الدخل القومي, ولهذا بدأت مظاهرات فئوية في العديد من القطاعات ادت في بعض الاحيان إلي تعطيل العمل, وقد نادي العديد من المسئولين في الوزارة السابقة اصحاب هذه المظاهرات بالتوقف عنها حتي لايتعطل الانتاج, وكذلك وزارة د. عصام شرف دون اي قرارات من وزارة المالية لعلاج المشاكل الفئوية التي معظمها شرعية وتنطوي علي قصور وانما يجب اتخاذ بعض القرارات العاجلة طالما هناك حق للمتظاهرين ووضع جدول زمني لباقي القرارات ثم يتم بعد ذلك المناشدة بالتوقف عن المظاهرات والعودة إلي العمل, وترجع أهم المظاهرات إلي سمات انتشرت في بيئة العمل في معظم المؤسسات المصرية من أهمها: اولا: هيكل الأجور الفاسد الذي ساد في النظام السابق الذي يعمل علي توسيع الفروق الطبقية بصورة لاحدود لها لصالح طبقة جديدة من المنتمين للحزب الوطني او اعوانهم, وتصل هذه الفجوة في بعض القطاعات ان راتب رئيس المؤسسة يكون ثلاثة ملايين جنيه, في حين يتقاضي معظم العاملين رواتب ضعيفة قد تبلغ الف جنيه فقط, فضلا عن نفقات السفريات التي لاحدود لها لرؤساء المؤسسات واقاربهم حتي يقوموا بواجباتهم في تلميع الحزب الوطني والدفاع عن التوريث, ويضاف إلي ذلك تقسيم المرتب إلي اجر اساسي وعشرات من البدلات والحوافز والاسماء الغريبة حتي يسهل التلاعب من خلالها في دخل كبار العاملين, وفد ادي ذلك إلي تفاقم الطبقية والتكريس المؤسسي لانهيار العدالة الاجتماعية. ثانيا: انعدام الكفاءة في معظم قيادات المؤسسات, لان المعيار الاساسي في الاختيار هو القدرة علي النفاق والمساعدة في الاستيلاء علي المال العام, بل كل من يظهر انه شريف ويحارب الفساد يتم التخلص منه أو تقليص دوره مع بقاء قلة قليلة من هؤلاء الشرفاء لتجميل الصورة امام الرأي العام والمعارضين. ثالث: معظم اتحادات العمال والنقابات لاتعبر بالفعل عن مشاكل العاملين في المؤسسة أو القطاع وانما تعبر عن مصالح الرؤساء ومصالحهم الشخصية, نتيجة التدخل في هذه الانتخابات, مما يجعل العمال لايجدوا من يعبر عن مشاكلهم وبالتالي عندما نجح شباب مصر العظيم في اسقاط رأس النظام وجد كل مظلوم الفرصة سانحة للمطالبة بحقه والتنفيس الذي ظل مكبوتا لمدة ثلاثين عاما. رابعا: تركز الثروة في يد عدد قليل من القيادات في الحزب الوطني والمسئولين في الحكومة واتباعهم, والمشكلة هنا ان هذه الثروة لم تقتصر علي الاموال فقط وانما علي الاراضي والعقارات, والقضايا التي تم ضبطها حتي الآن توضح مدي امتلاك هذه الطبقة لمعظم اراضي مصر, وهو ما ادي إلي احساس معظم الشعب إلي انه غريب عن الوطن, حيث لايوجد عنده اي امل في امتلاك اي قطعة ارض او عقار او حتي عشة, في الوقت الذي يري فيه طبقة محدودة تمتلك معظم الثروة العينية في كل انحاء مصر, وظهر من القضايا خلال الايام الماضية انهم كانوا يحصلون علي الاراضي بدون مقابل أو بأسعار بخسة, في حين تباع للمواطن العادي بأسعار خيالية. واري ان التصدي للمظاهرات الفئوية لا يكون بالمناشدة فقط كما فعلت حكومة شفيق وانما بالعمل علي تغيير الاسباب السابق ذكرها وهي ليست صعبة أو تحتاج لوقت طويل كما يقال: ويمكن اصدار قرارات فورية تحل جزءا كبيرا من هذه المشاكل والإعلان عن خطة زمنية لاصدار باقي القرارات مع الاعلان عن تفهم الحكومة لهذه المشاكل وانها تنوي حلها. واعتقد ان القرارات الفورية التي يمكن اخذها فورا فيما يتعلق بالسبب الأول للمشكلة يتمثل في صدور قرار بوضع حد اقصي وادني للعاملين بالحكومة والهيئات الحكومية يتراوح ما بين0021 جنيه إلي06 الف جنيه مع زيادة الحد الادني والأعلي سنويا وفقا للعلاوة, واتصور ان تخفيض اجور كبار العاملين الذين يتقاضون اعلي من الحد الاقصي تكفي لزيادة اجور كل باقي العاملين في الحكومة وبالتالي فلن تتحمل الموازنة العامة اعباء اضافية فضلا عن ان انتهاء الفساد المرعب الذي كان سائدا سوف يوفر مبالغ طائلة للموازنة العامة, ويمكن ان يقترن هذا القرار بوضع هامش لتفاوت الدخل بين المؤسسات المتشابة, كما ان وجود حد اقصي للدخل الشهري في مصر التي هي دولة نامية لايتنافي مع النظام الرأسمالي الذي يحرص علي تحقيق العدالة الاجتماعية, وعندما تصبح مصر قريبا من الدول حديثة التصنيع يمكن ان نرفع كل المرتبات لكل المصريين, حيث ان الديمقراطية والحرية تعملان علي زيادة النمو الاقتصادي بدرجة كبيرة. وفيما يتعلق بالسبب الثاني فاعتقد ان تغيير قيادات المؤسسات التي لاتتسم بالكفاءة او كانت متورطة في فساد من الأمور البديهية لنجاح الثورة ولتحقيق الاستقرار الذي يطلبه الشعب, وهذا التغيير يقوم به كل وزير في مجاله فهو مسئوليته ولايستطيع رئيس مجلس الوزراء ان يقوم به لوحده وكذلك لايستطيع ان يقوم المجلس العسكري بنفسه بتغيير كل القيادات وانما هي مسئولية كل وزير في حكومة د. عصام شرف المقبولة شعبيا وتتسم بالنزاهة, ويقترن هذا بقيام كل وزير في وزارته بإعادة انتخاب اتحادات العمال والنقابات علي مراحل للتغلب علي السبب الثالث. اما بالنسبة للسبب الرابع الخاص بتوزيع الثروة العقارية في مصر فهو من الموضوعات التي تحتاج بالفعل لوقت علي الاقل حتي تنتهي قضايا الفساد الخاصة بتخصيص الاراضي واسترجاعها للشعب المصري, ولكن يجب ان يعلن عن برنامج واضح يتضمن تخفيض أسعار الاراضي وبالتالي أسعار العقارات حتي يستطيع الشباب الحصول علي المسكن الذي يعد من الحاجات الاساسية لاي مواطن. واخيرا, اود تأكيد ان مستقبل الاقتصاد المصري سيكون افضل من الماضي في ظل سياسات تتسم بالجدية والشفافية والعدالة الاجتماعية, لان من الصعب في ظل رئيس يجلس اربع سنوات فقط ان يحدث فساد بدرجة كبيرة, كما ان الحرية والرقابة تحد أن من السياسات الاقتصادية غير الرشيدة, ولذلك فهناك علاقة ارتباط قوية بين الدول الديمقراطية والتقدم الاقتصادي, ولهذا أتوقع تقدما كبيرا للاقتصاد المصري وتحسن مستوي المعيشة للمواطن المصري في المستقبل القريب, بعد انتخابات رئيس الدولة. أستاذ الاقتصاد المساعد أكاديمية السادات