* كتب لنا علماء كبار وخبراء في الاجتماع أكثر من دراسة علمية.. وبحوث ميدانية, قالوا لنا, بعد استقصاء وإحصاء, أن الوزارات في مصر بلغ عددها31 وزارة بالتمام والكمال. وأن المؤسسات وصل عددها نحو ثلاثمائة, وأن العاملين بالدولة خمسة ملايين وسبعمائة ألف موظف كبير.. وزير ومسئول, وان المستشارين والخبراء قد بلغ حصرهم ستة وعشرين ألفا يتقاضون مليارا و200 ألف جنيه سنويا.. كما قالوا لنا ونبهونا الي الخطر الشديد والوهن والهلع والضمور الأخلاقي, ووجود مشكلات كبري في الكفاءة, وقيمة مجتمع العدل, والمحسوبية والتحيز والهوي والوساطة, والازدواج في الاختصاصات وعدم التنسيق خلال الاستثناءات, وإجمالا وصفوا تلك المنظومة بأنها صادمة للتطور في المجتمع وكأنها تقدم الي الخلف إذ من شأنها أن تدعم الفساد وتفقد المعايير الموضوعية والاختيار, ومع ذلك أنهوا دراستهم بأن الناس مازال في ضميرهم التطلع الي العدل منحازون له واغلبهم واثقون في انتصاره, وان لديهم الأمل في التخلص من تلك الظواهر والمحن. * لهذا دعونا نبدأ بفرضية نابعة من حسن النية, حتي لو قال البعض إنها من باب فرط المثالية أو السذاجة السياسية. إذ علينا أن نسلم بأن اختيار المسئولين في كل مكان وفي أي موقع, الاصل انه يقوم علي أسس موضوعية للمفاضلة, قوامها حسن السمعة والأمانة والمسئولية, ولهذا من حق الناس أن تتوقع حصادا نابها عالي القدر, يصب في مصلحتهم ومصلحة المجتمع, آخذة بالأولويات في مواجهة قضايا الوطن ومصالح الناس والمجتمع, بين الضروريات.. والحاجات وبعدها ما يقع في باب التحسينات, وهو ما يؤدي بنا في النهاية الي نتيجة حتمية, نحو تحقيق التنمية والإصلاح والعدلة الاجتماعية, حتي لو اصبحت تلك الكلمات تطرق المسامع في كل مناسبة, فكادت أن تفرغ من مضمونها وصارت بغير تأثير أو معني!! * بعد هذه الفرضية, إذا نظرنا حولنا في واقع المجتمع, تطالعنا القضايا ظاهرة متزايدة يتصاعد صراخ المضرورين منها, تزيد تدخلا وحلا, وهم أي الناس مستعدون للتنازلات والتضحية المشتركة من أجل تزايد الأمل في تحقيق النتائج والإصلاح حتي ولو كان ذلك في بداية الطريق, لكن الحاصل, أنه بسبب التحولات والتغير والعولمة والانفتاح والحريات, التي تصاعدت نتائجها تقدما في اتجاه واحد في مجالات مهمة وضرورية, لكنها لم تستصحب توازنا مقابلا لتحقق التوازن في المجتمع, وترسخ العدالة الاجتماعية, فتباعدت الهوة وازداد صراخ الأغلبية في مواجهة تزايد الطبقية وتناقض الثروات في الواقع الاجتماعي وضد العدالة الاجتماعية رغم كل المحاولات. * لكن كيف نفسر هذا الواقع, مع التأكيد في كل مناسبة علي الشعارات والدعوة الي مواجهة كل هذه السلبيات, المسئولون هم المسئولون, والواقع خير شاهد علي الاسباب والمسببات, بين ما هو حادث وما يجب أن يكون, ومن زاوية شخصية لشاهد عيان, أن بعض المسئولين, ومنهم من هم علي درجة عالية من المسئولية, مكبلون ومبتلون ببطانة مهما كانت مسمياتها ووظائفها تقدم المشورة السيئة باسماء الكبار والمسئولين وتقيم حولهم ستارا حديديا, لا يستطيع أي منهم أن ينفذ من خلاله ليري الواقع, الذي إذ بدا له لن يقبل استمراره, ويحاول مواجهته, لأن الأمر في النهاية أمانة ومسئولية, ولسوف يكون في صالحه وصالح النظام الذي رشحه ووثق فيه وعهد اليه بمسئولياته, إلا إذا كانت تلك البطانة ابتلاء وعلي غير هواه. * الغريب أن البطانة تظل تعمل حتي تتمكن من المسئول, أي مسئول, لتحجب عنه الرؤية والحقيقة, والذي يشاهد الواقع يلمس بوضوح أنها أي البطانة تتفانني لتقديم كل سبل الراحة للمسئول الكبير وتدبر له مصالحه, حتي إذا تمكنت منه أدخلت في روعه ويقينه أنه لا غني له عنهم, وأنه لا يستطيع أن يعمل بدونهم, استأثروا به وخلقوا ستارا حديديا حوله يحول بينه وبين والناس فلا يري المسئول شيئا إلا من خلالهم ولا يفهم أمرا إلا ما يهمسون به, حتي ينعم ولا يحزن, ويتسابقون في رفع المعاناة عنه, حتي لا يري إلا كل ما هو مبهج, فتبدو الدنيا في أبهي صورة, لهذا فهم يترابطون فيما يبنهم, حتي لو كان بينهم تنافسا محموما خفيا للوصول الي المكانة والثقة والدرجات العلا لدي المسئول الكبير. * ولكن هل أدرك المسئول هذا الواقع وأنه ليس في مصلحته تلك الحقائق الغائبة, إذ يزداد الواقع تفاقما, ويتصاعد غرقا حتي يصل الي مرحلة الخطر, فإذا ما استنصر برئاسته في محاولة لإنقاذه تخلت عنه, حتي تتم الإطاحة به, وربما تكون فضيحة كبري ضد الفساد, عند الأوان او بعد الأوان, ويقدم لنا الواقع الأدلة والشواهد التي تذخر بها الحياة والأحداث, وتكشف لنا الصحافة حالات صارخة ووقائع دامية, مازالت مدوية علي الساحة بعد ان ينكشف المستور, والناس لديها قناعة أن المسئول كما هو مسئول عن نفسه وأعماله فهو مسئول كذلك عن بطانته وعما ارتكبت يداه, وهذا حق!! * كذلك فإن الناس واثقة أنه لا مصلحة المسئول ولا المؤسسة أو النظام الذي ينتمي إليه وعهد إليه بمسئولياته التي تصل بمصالح الناس وحياتهم, لأن الناس تقيم المؤسسة والنظام نسبة إلي نتائج الأعمال كلها, وما تحققه من نجاح, وربما لايعنيها اسم المسئول أو الشخصية, كبيرا كان أو صغيرا, لأن كل شئ ينسب في النهاية الي المؤسسة التي يتبعها, والتي تؤول اليها شهادة الناس لها أو عليها, والنتيجة أن هذه البطانة حاجبة لضوء ومانعة للهواء وخانقة للتنفس حتي الموت. * والغريب أن الأمر لا يقف عند حد حجب الحقيقة وإنما تستقوي البطانة بمقدمات الفساد وعدم الشفافية وعدم الافصاح ويزداد الفساد طرديا مع استمرار التعتيم والغموض, وتزايد السلطات المطلقة في المنح والمنع, والإغراق الحرمان في المزايا والحقوق علي حساب المصلحة العامة.. وسرعان ما تصبح الفضائح مدوية بعد فوات الآوان. * كل هذه الصور تقدم لنا الدروس والعظات التي تذخر بها الحياة في الظاهر والعلن وامام الناس, فهذه البطانة تبدو كأنها ضعيفة منكسرة لا حول لها ولا قوة, حتي يزداد المسئول قوة وزهوا, في الظاهر وتزداد عصبة البطانة تمكنا وسيطرة في الخفاء وعندئذ يتحقق المراد, وفي معظم ما يشهده الواقع, أن مواكب الحصار حتي ولو لصالح صغار الكبار تحجب الوضوح والرؤية, والحراسة التي تصاحب المسئول تمنع لقاءه بالناس حتي ولو احتجت بحماية أمنه وسلامته, وإفساح الطريق أمامه وحده للمرور, بعيدا عن أعين الناس وسماع شكاواهم او مخاطبتهم, وحمل الحقائب والسير خلفه بعيدا عن أعين الناس مهما كانت الاسباب الظاهرة والقيام بحملات الدعاية والتلميع كل ذلك يسهم في حجب الرؤية وتقوية الفساد. * وفي كل هذه الصور وغيرها لا يكفي أن نقف عند التصوير والتحليل لهذا الواقع كظاهرة اجتماعية أو سلوك معيب, ولا يكفي حتي الكشف عنها من الواقع أو من خلال دراسات علماء الاجتماع وعلماء علم النفس فيصبوا اللعنة عليها, ولا يكفي أن نقف بعيدا عنها وعن مواجهتها لأن الأمر يتطلب صحوة مجتمعية عالية, وربما صراخا ناصحا أمينا, غيورا علي حب هذا البلدومصلحة الناس, تطالب بإفساح الطريق أمام القدوة الأمنية وتقديم الدروس والعظة من واقع الحيا, تطالب بكسر هذ الحواجز بين المسئول والناس, وبين البطانة والمسئول. * الناظر لهذا البلد الأمين, يرصد بعين شاهد علي مر السنين, ما تذخر به الحياة من آيات وبراهين بين أبراج السلاطين, وحصون الملايين, فإذا به بين عشية وضحاها بين المنبوذين والمشردين, أو المشبوهين أو المحاصرين أو بين الفقراء والمحرومين لأنه لا أحد فوق المساءلة بسيادة القانون, حتي ولو كانت المساءلة لأسباب أخري أو بعد حين, تخلي السلطات العليا عنه حتي لو تزايدت سلطة البطانة.. وننصح هؤلاء وأولئك بإزاحة الستار عن تلك البطانة لمصلحة الناس.. فلا البطانة تدوم, ولا السلطة تنفع المسئول, ولا أحد يقوي علي حماية الفساد أو يتستر عليه, لأن عين الله ساهرة, والرأي العام نابه ويقظ, والصحافة تعبر عنه وتصونه وتوجهه, وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح ولو بعد حين.. لأن دوا م الحال من المحال.. وتتعدد الاسباب وينكشف المستور.. وتتناثر الفضائح بغير حساب.. وعندئد يأتي الندم بعد فوات الآوان طالما بقيت البطانة تحجب الرؤية وتقوي الفساد..!!