تعيش اليمن منذ أكثر من ثلاثة أشهر أزمة حقيقية حافلة بدرجة عالية من عدم اليقين, حيث أصبح قلقنا الوجودي مرتبطا بلحظة طال انتظارها, نتيجة عقد اجتماعي غير سوي بين النظام السياسي وبقية أفراد المجتمع ويعود سبب ذلك الترقب والقلق إلي أن من يطالبون برحيل النظام كانوا جزءا من العملية السياسية لعقدين من عمر النظام السياسي الحالي, بدءا من الحزب الاشتراكي, وانتهاء بحزب الاصلاح الذي يتزعمه أبناء الأحمر, مرورا ببقية الأحزاب المنظوية تحت قبة ما يسمي بأحزاب اللقاء المشترك المعارض, وبسبب الخوف مما تحمله اللحظة المرتقبة من مفاجآت علي مستقبل ثورة الشباب ومعاناتهم وتطلعاتهم, دخلت الاحتجاجات وحركة الاعتصامات شهرها الثالث, وسط أجواء مشحونة بأزمة ثقة بين المعارضة والسلطة من جهة, وبين السلطة والشباب الثائر في ساحات التغيير من جهة ثانية. حتي هذه اللحظة تبدو صورة الحراك السياسي السلمي والثورة الشعبية المطالبة بتغيير النظام وإجراء اصلاحيات شاملة في بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي نموذجية عند كثير من المفكرين, بالقياس إلي كمية السلاح المنتشر لدي مختلف شرائح المجتمع, ويعود السبب في ذلك إلي سقوط فرضية, حمل السلاح يؤدي إلي ارتفاع معدل الاحتدام والاحتكام إليه في حسم الكثير من القضايا, وبالرغم من أن مثل تلك الفرضية تبدو متحققة بصورة أو بأخري, بين شرائح المجتمع اليمني في الكثير من التعاملات اليومية, إلا أن اليمنيين أثبتوا للعالم أن السلاح الذي يمتلكونه باعتباره جزءا من الثقافة المتداولة منذ عقود, يمكن أن يصبح وسيلة من وسائل الردع خصوصا عند اشتداد الأزمات. وبتعثر مختلف المبادرات والخرائط التي طرحت من قبل كل الأطياف السياسية في اليمن, وفشل المساعي الحميدة التي طرحتها أطراف خارجية لتقريب وجهة النظر بين طرفي الأزمة السياسية, فإن فرضية حمل السلاح مع الاحتدام قد تتحقق في المستقبل القريب, يشار إلي وجود أكثر من ستين مليون قطعة سلاح بحوزة أفراد من خارج المؤسسة العسكرية, لا تقتصر علي المسدسات والرشاشات, بل إن بعض شيوخ القبائل يمتلكون دبابات وراجمات صواريخ وغيرها من الأسلحة الثقيلة. علي أن المتتبع لحالة الاحتقان والتذمر في اليمن يمكنه القول: إن المطالب السياسية المشروعة لأبناء هذه الأمة تمت مصادرتها في ساحات التغيير من قبل آل الأحمر, الذين يتزعمون حركة المعارضة, ويريدون إعادة توزيع الكعكة السياسية بطريقة تخرج بطون سنحان من السلطة, وتدخل بطونا أخري من حاشد وبكيل, فإذا ما صمت الشارع عن مثل هذه الفوضي وقبل شباب التغيير بعودة آل الأحمر إلي الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وصمتوا علي تسلقهم أكتافهم والانقضاض علي أهم مطالبهم وهي إقامة دولة مدنية تقوم علي أساس الحق والعدل والمساواة بين أبناء الشعب اليمني, فإنهم يكونون بذلك قد حكموا علي أنفسهم بخمسين عاما أخري من التخلف والانحطاط, ذلك أن آل الأحمر هم سبب نكبة اليمن منذ أكثر من مائة عام مضت. مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية, فضلا عن مظاهر التذمر بين مختلف فئات الشرائح المجتمعية نتيجة شحة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن, فإنه لم يعد مقبولا من النظام السياسي, ولا من المعارضة الوقوف حجر عثرة أمام أي مبادرات قد يطرحها عقلاء هذه الأمة, أو تلك التي تصلنا بين الحين والآخر من أطراف إقليمية أو دولية باعتبارها لا تحقق مطالب كل طرف من الأطراف, وسواء جاءت المبادرة الخليجية متأخرة علي حد رأي المعارضة, أو غير ديمقراطية علي حد تعبير النظام السياسي, فإنني لست مع طرفي الأزمة في رفضهما المطلق لكل ما يطرح من مبادرات, لكنني مع شباب التغيير في تخوفهم من الانقضاض علي الثورة, أو القفز فوق تضحيات الشهداء, وفي المقابل فإنني لست مع الخوف من عدم رحيل النظام ومناصريه, فتلك مسألة محسومة, ولا تحتاج إلي إعادة طرح أو مناقشة, ومن ثم فإن أي حوارات أو مبادرات لا تشير إلي رحيل النظام, ورفض عودته إلي الساحة السياسية مرة أخري محكوما عليها بالفشل لا محالة. وبالرغم من كون المبادرة الخليجية جاءت متأخرة بعض الشيء, إلا أنه من وجهة نظري تأخير في محله, فدول الخليج اعتبرت المشكلة اليمنية في بادئ الأمر شأنا داخليا يهم اليمنيين, وانتظروا كثيرا عل طرفا ما يحسم الموقف لصالحه, وبسبب طول الانتظار تحول الشأن الداخلي في اليمن إلي قضية إقليمية تؤرق دول الجوار الخليجي لسببين, الأول: الخوف من تصدير مفاهيم المطالبات الشعبية لدول الخليج والثاني: نزوح الكثير من اللاجئين للسعودية وعمان بسبب قربهم الجغرافي من موقع الأحداث, وبسبب هذين العنصرين جاء التدخل الخليجي. تقوم المبادرة الخليجية علي خمسة أسس وركيزتين تتصل الأسس الخمسة بمسائل تتعلق بالحفاظ علي وحدة اليمن, والانتقال السلمي للسلطة, وإزالة كل مظاهر التوتر, وضمان عدم الملاحقة أو الانتقام, أما الركيزتان فتقومان علي إعلان رئيس الجمهورية نقل صلاحياته إلي نائب رئيس الجمهورية, وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة المعارضة, والمتأمل في المبادرة الخليجية يجدها أغفلت أمرين رئيسيين, الأول إغفال الجانب الزمني لتنفيذ الخطوات سالفة الذكر بما في ذلك مدة الحكومة التي ستتزعمها المعارضة, لحين قيام انتخابات رئاسية وبرلمانية, أما الأمر الثاني فيتصل بتغيب شباب الثورة الحقيقيين وعدم تمثيلهم التمثيل الحقيقي, خصوصا من الذين كان لهم السبق في إشعال فتيل الثورة من أبناء تعز, وهناك مسائل أخري لا تقل أهمية عن تمثيل الشباب, مثل تعليق العمل بالدستور, وحل مجلسي النواب والشوري, وإقامة حوار وطني شامل لا يستثني أحدا من أبناء اليمن. وبالرغم من أن الرئيس اليمني قد قبل المبادرات الخليجية, فإن دعوة كل من المعارضة والحكومة, وإغفال دعوة شباب الثورة إلي الرياض لمناقشة الأسس والركائز المشروحة سالفا, قد دفع شباب الثورة إلي إصدار بيان يرفضون فيه المبادرة الخليجية, ما لم تتضمن محاكمة الرئيس وأبنائه وأعوانه, وهو الأمر الذي لابد أن تتداركه المبادرة الخليجية القائمة علي أسس وركائز مطلوب تضمينها مواد وبنودا أخري, تقوم علي خروج آل الأحمر جميعا من المعارضة والسلطة, لأنهم دون غيرهم سبب نكسة اليمن منذ مائة عام مضت علي نحو ما ذكرناه آنفا.