هناك أناس يعيشون بيننا في هذه الدنيا كالملائكة أرسلهم المولي عز وجل ليكونوا رمزا للعطاء الحر الخالص ابتغاء مرضاة الله, ولإرساء أسمي معاني الولاء والوفاء دون انتظار لمقابل حتي لو كانت كلمة شكر ممن يجزلون سهم العطاء..جاءني هذا الخاطر وأنا أقرأ رسالة عروس الجنة علي لسان هذا الأخ المكلوم الذي قدم لنا نموذجا فريدا من الحب والعطاء الذي جمع بينه وبين شقيقته الراحلة فكان هذا الحب ذادا وعونا لهما علي حياة أدارت ظهرها لهما بعد طلاق فرق بين أبويهما وفراق شتت شمل أسرتهما فالأب تزوج أخري ونسي ابناءه, والأم فضلت ان تبدأ حياتها مع رجل آخر يملأ عليها حياتها ويؤمنها غدر الزمان حتي لو كان ذلك علي حساب ابنائها, والرسالة بأحداثها المؤلمة ونهايتها المأساوية تبدو وكأنها محاكمة علنية لكل أب وأم يصران علي طلاق أو فراق من أجل نزوات زائلة أو هفوات تكبر وتكبر حتي تنفجر في وجه الجميع, وهنا يتبرأ كل طرف من مسئولياته ملقيا الكرة في ملعب الطرف الآخر ليبرر تصرفاته الحمقاء وأنانيته البلهاء, ولايجد الأبناء الأبرياء من سبيل سوي مواجهة عواصف الحياة وحدهم بمزيد من الصبر والسلوان أو طلب العون من غرباء كرماء يقدمون لهم يد المساعدة بدافع من انسانيتهم وشهامتهم وتبقي المرارة في حلوق الأبناء شاهدا علي جحود بعض الآباء ورعونة البعض الآخر. وتقول الحكمة من رحم المحن تولد العبر, والحكيم من يعتبر بغيره, ومعظم قصص الطلاق والانفصال بين الأزواج تبدأ ببعض الأفكار الشيطانية التي تفرض سيطرتها علي أحد الطرفين فيشعل بها نارا لا تهدأ إلا بعد خراب مالطة ويقع الطلاق ولايفيق الطرفان من غفلتهما إلا بعد هدم البيوت فوق رءوس الجميع, ولو علم كل أب وأم ما ينتظر أبناءهما بعد هذا القرار الخطير ما أقدما عليه أبدا حتي لو كانت حياتهما معا أصبحت في حكم المحال, وفي بعض الدول الإسلامية يعقدون جلسات توعية يعرضون خلالها علي طالبي الطلاق قصصا واقعية وأفلاما مصورة لبعض تداعيات وأحداث ما بعد الطلاق وخصوصا ما يتعلق منها بالأبناء لعلهم يعقلون ويتفهمون تأثير ما هم مقدمون عليه من مخاطر وتقول الإحصاءات ان اغلبهم يتراجعون عن قرارهم عندما يستشعرون فداحة الجرم الذي يرتكبونه في حق أبنائهم حاضرا ومستقبلا. وأعود إلي كاتب الرسالة لأقول له ان ما يعتصرك من أحزان لفراق شقيقتك الملائكية المشاعر والأحاسيس هو حق مشروع أعانك الله عليه ولكننا لا نستطيع ان ننسي أن لكل أجل كتاب ورحلة الحياة مهما طالت فلابد لها من نهاية, وسنلتقي جميعا عند رب كريم يوم تحاسب كل نفس علي ما قدمت, وشقيقتك قدمت الكثير لك ولأبيك وحتي لأمك التي فضلت ما خيل لها انه يصب في مصلحتها علي حساب مصلحتكم ويكفي اشتياقها اليهما وطلبها رؤيتهما قبل الرحيل وهذا أكبر دليل علي ما كانت تتحلي به من خلق وحرص علي صلة الرحم كما أمرنا المولي عز وجل ورسوله, فهنيئا لها ما فعلت, ومن المؤكد ان نصيبها من جوائز السماء وفير وكثير بإذن الله تعالي, واعتقد ان افضل ما تقدمه إليها الآن وهي في دار الحق هو ان تدعو لها بالرحمة والمغفرة, وان تكون في زمرة القديسين والشهداء, ولا تنس يا أخي أن ما فعلته معك كان بدافع شخصي منها كي تعوضك عن حنان أمك وعطف أبيك لكي تستقيم لك الحياة وتشق طريقك فيها إلي النجاح. أما عن والديك غفر الله لهما فأنا علي ثقة ان تلك الحادثة المؤلمة قد ايقظت فيهما احاسيس الأبوة والأمومة, ولذلك فإنني أشارك محرر البريد الرأي الرشيد في ان تبرهما وتدعو لهما بالمغفرة والهداية والعودة إلي الطريق المستقيم ولعلهما قد اكتشفا الآن حجم الكارثة التي اقدما عليها خاصة بعد رحيل ابنتهما بهذه الطريقة المأساوية, والله يهدي من يشاء, ويقول الله تعالي:( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) الشوري:43. ولا تنس ان الله قد أوصانا بآبائنا وأمهاتنا خيرا وأمرنا أن نطيع أوامرهما طاعة عمياء مهما اختلفنا معهم في الرأي إلا في معصيته جل شأنه, وأنا علي ثقة بأنك ستكون عند حسن ظن شقيقتك الراحلة ولن تكون أقل منها حكمة وصبرا. وفي النهاية أتوجه لتلك السيدة الرائعة التي عرفت حق الجار عليها ووضعته فوق كل اعتبار والمؤمنون الصالحون هم الذين يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم, ويكفي يا سيدتي ان حسن جيرتك وحنانك وعطفك كانت خير عوض عن أم تناست دورها نحو أبنائها فجزاك الله خيرا في الدنيا والآخرة. دكتور هاني عبدالخالق أستاذ إدارة الأعمال