كشف تقرير جديد للبنك الدولي النقاب عن اتجاهات اقتصادية حديثة تشكل تحديا لوجهة النظر التي تبنتها المنظمات الدولية والتي تربط بين الاستقرار ومعدلات النمو الاقتصادي في العالم. فقد أشار التقرير الي ان النمو الاقتصادي المرتفع وحده يعجز عن خفض الفقر والبطالة وهما التربة الخصبة لايجاد الصراع والعنف بالمجتمعات. وأظهر تقرير التنمية في العالم الصادر عن البنك الدولي أن العدالة في توزيع الوظائف والأمن والعدل هو شرط أساسي لكسر سلسلة العنف السياسي والجنائي وليس رفع الناتج المحلي الإجمالي فقط. وأشار تقرير البنك الدولي إلي أن أكثر من1.5 مليار شخص حول العالم يعانون من الصراعات والعنف في أنحاء العالم وهو ما يفرض تحديا تنمويا ضخما وعدالة في توزيع علي جميع شرائح المجتمع أمام الحكومات والمجتمع الدولي. ومن جانبها أشار سارة كليف من أبرز كتاب التقرير إلي أن البطالة المرتفعة وانعدام المساواة بالاضافة إلي ضعف كفاءة الحكومة ومشاكل الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان من المسببات الرئيسية لإندلاع الصراعات والعنف في تلك الدول. ويحظي هذا الاتجاه بقبول واسع في الدول التي تعاني من اضطرابات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا من تونس إلي مصر ومن الأردن واليمن وسوريا والبحرين إلي القتال في ليبيا حيث تكافح الحكومة من أجل البقاء. واظهر التقرير ان معدلات النمو في تونس ومصر بلغت5% أو أعلي سنويا وهو ما يكفي إذا تم توزيعه بعدالة لخفض معدلات الفقر لكنها لم تصب في المصلحة العامة إنما في مصلحة الشريحة المتميزة في المجتمع ولهذا لم يساهم النمو في معالجة نسب البطالة المرتفعة والحد من الفساد والقمع وهو ما أدي الي تفاقم الوضع وتدهوره حتي وصل إلي مرحلة الاحتجاجات والإطاحه برئيسي البلدين. وتظهر الدراسات التي أجريت في الدول المتأثرة بصراعات أن البطالة كانت السبب الرئيسي وراء انضمام عناصر من المجتمع إلي العصابات وحركات التمرد في حين ان الفساد والظلم هما المحركان الرئيسيان للعنف داخل المجتمعات. ومن جانبه, أكد روبرت زوليك رئيس البنك الدولي ان توفير الأمن والعدالة وفرص العمل للمواطن له أهمية بالغة ودور فعال في تقليص العنف. وأضاف زوليك انه عندما تمر اي دولة بمرحلة تحول من الصراع لا تستطيع الحكومات حل المشاكل وحدها بل ينبغي أن تعقد تحالفات مع المجتمع المدني- المجموعات الوطنية والسياسية المحلية والتجارية وغيرها- لبناء الدعم. وأوضح التقرير إن الدول التي تتسم بضعف كفاءة حكوماتها وعدم سيادة القانون والفساد المنتشر تزيد مخاطر نشوب الحروب الأهلية فيها بنسبة30%-45% كما تزيد بشدة مخاطر التطرف في العنف الإجرامي عن غيرها من البلدان النامية. وفي غضون ذلك, أكد التقرير علي انه يستغرق الأمر من15 إلي30 عاما لبناء دول ومؤسسات أقوي في الدول الخارجة من صراعات. وفي السياق نفسه, أكد التقرير انه علي الحكومات تحقيق عدد من النجاحات السريعة والمتلاحقة لتوليد الثقة لدي المواطنين. واوضح ان دولا مثل هايتي وجنوب افريقيا وأيرلندا الشمالية ورواندا وكمبوديا وإندونيسيا وأفغانستان وكولومبيا وليبيريا عانت كثيرا من الصراعات والعنف والفقر. واشار تقرير البنك الدولي إلي أنه في الدول التي اجتازت مرحلة من الصراع والعنف ينصب تركيز الحكومات علي إصلاحات في مجالات الأمن والعدل والتوظيف, مؤكدا إنه في حالة غياب أحد تلك العناصر غالبا ما تتعثر تلك الإنجازات والتحولات. وركز التقرير علي خمس خطوات عملية استخدمتها عدة دول لربط خطوات البناء والاسراع في تحصيل النتائج, وتشمل تلك الخطوات العمل مع مؤسسات المجتمع في مجالات حفظ الأمن والتوظيف ومد الخدمات وتوفير فرص العمل عن طريق مشاريع ضخمة للأشغال العامة وبناء برامج لتحقيق الأمن والعدل وإشراك المرأة في وضع وتنفيذ المشاريع والقضاء علي الفساد. وأكدت كليف التي شاركت في كتابة التقرير إنه إذا كان المجتمع الدولي يرغب في المساعدة في حل الاضطرابات السياسية وغير السياسية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأمريكا الوسطي وجنوب السودان فإن عليه أن يستجيب بسرعة أكبر وأن يمدد مشاركته لمساعدة الحكومات علي بناء مؤسسات قوية.