البرلمان تحت الاختبار.. بين ضغوط الأسعار وحصن الأمن القومي    الإعادة تشعل المنافسة.. مجلس النواب 2025 على صفيح ساخن    شهادة المخالفات الإلكترونية أحدث الخدمات.. «المرور» يسير على طريق التحول الرقمي    عبد المنعم سعيد يشيد بمشروعي النهر بتوشكى وقناة السويس: غيرا الجغرافيا المصرية    مادورو: أدعو الشعب الكولومبي للوحدة لتجنب انتهاك القانون الدولي لشعبينا    مندوب فنزويلا لدى الأمم المتحدة: لن نخضع لإملاءات الولايات المتحدة    شوقي غريب: ودية نيجيريا اختبرت قوة المنتخب وحددت ملامح التشكيل الأساسي للكان    فاجعة عقار المنيا المنهار| قصص إنسانية بين النجاة الإعجازية والتضحية والضياع    تعليق الدراسة حضوريا فى الرياض بسبب سوء الطقس وتساقط الثلوج    ستار بوست| محي إسماعيل بخير.. وغياب الزعيم عن عزاء شقيقته    سين كاسيت| عمرو دياب يتصدر قائمة أكثر الأغاني رواجًا في 2025    أنشطة متنوعة لأهالي عزبة سلطان ضمن برنامج المواطنة والانتماء بالمنيا    نيفين مندور، أسرة الفنانة الراحلة تتسلم جثمانها اليوم    كأس ملك إسبانيا – سقوط الكبار يتواصل.. ليفانتي وفيجو وإشبيلية وفياريال يودعون من دور ال 32    جمال الزهيري: كأس أمم أفريقيا أهم من المونديال بالنسبة لمنتخب مصر    ترامب يحضر مراسم إعادة جثامين ثلاثة أمريكيين سقطوا في سوريا    أول تعليق رسمى سورى على إقرار مجلس الشيوخ إلغاء قانون قيصر    إعلام فلسطيني: مصابان برصاص جيش الاحتلال في حي التفاح شرق مدينة غزة    ثمن سلسلة فضية.. حبس شخص بتهمة قتل صديقه بسبب 500 جنيه في الإسكندرية    ماذا حدث في اللحظات الأخيرة قبل وفاة نيفين مندور؟    يلا شووت.. المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025: صراع تكتيكي على اللقب بين "أسود الأطلس" و"النشامى"    كأس العرب، موعد النهائي التاريخي بين الأردن والمغرب    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    هل تشتعل الحرب الباردة من جديد في أمريكا الجنوبية بعد فوز اليمين المتطرف برئاسة تشيلى؟    بالفيديو.. محمد رمضان يعتذر لعائلته وجمهوره وينفي شائعة سجنه ويستعد لحفله بنيويورك    اسأل والجمارك تُجيب| ما نظام التسجيل المسبق للشحنات الجوية «ACI»؟    ضبط 12 مخالفة خلال متابعة صرف المقررات التموينية بالوادي الجديد    عالية المهدي تحذر الحكومة: 65% من الإنفاق العام في مصر يخصص لسداد الديون    محافظ قنا يعزي أسر ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بترعة الجبلاو.. ويوجه بحزمة إجراءات عاجلة    غارة أوكرانية تُلحق أضرارًا بمبنى ومنزلين في روستوف وباتايسك    خدعة دبلوماسية وصفقة فاشلة في مفاوضات أمريكا وإيران السرية    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر    نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى    مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير.. السيناريست محمد هشام عبيه يكشف رحلته بين الصحافة والدراما    ماستر كلاس بمهرجان القاهرة للفيلم القصير يكشف أسرار الإضاءة في السينما والسوشيال ميديا    التهاب مفصل الحوض: الأسباب الشائعة وأبرز أعراض الإصابة    إصابة 11 شخصاً فى حادث تصادم سيارتين ب بدر    رئيس الوزراء: خطة واضحة لخفض الدين الخارجي إلى أقل من 40% من الناتج المحلي الإجمالي    وزير الاتصالات: ارتفاع الصادرات الرقمية إلى 7.4 مليار دولار وخطة لمضاعفة صادرات التعهيد    المتحدث باسم الحكومة: الأعوام المقبلة ستشهد تحسنا في معدلات الدخل ونمو ينعكس على المواطنين    مصرع عامل تحت تروس الماكينات بمصنع أغذية بالعاشر من رمضان    نوبات غضب وأحدهم يتجول بحفاضة.. هآرتس: اضطرابات نفسية حادة تطارد جنودا إسرائيليين شاركوا في حرب غزة    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    القاضى أحمد بنداري يدعو الناخبين للمشاركة: أنتم الأساس فى أى استحقاق    وزارة الداخلية: ضبط 40 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين في 9 محافظات    الإسماعيلية تحت قبضة الأمن.. سقوط سيدة بحوزتها بطاقات ناخبين أمام لجنة أبو صوير    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    خالد الجندي: من الشِرْك أن ترى نفسك ولا ترى ربك    محافظ الجيزة: زيادة عدد ماكينات الغسيل الكلوى بمستشفى أبو النمرس إلى 62    السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام الشامل بين حكومة وتحالف نهر الكونغو الديمقراطية    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    ريال مدريد يبدأ رحلة كأس ملك إسبانيا بمواجهة تالافيرا في دور ال32    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامع الأزهر‏..‏الرسالة والمضمون

كما كان الإسلام وسطا اجامعا بين محاسن الأطراف المتقابلة‏,‏ فكذلك كان الأزهر وهو الحارس المؤتمن علي علوم الإسلام‏-‏ جامعا أزهر بكل ما تحمله أحرف تلك الكلمات في طياتها من معان‏,‏ فهو الذي يجمع بين تلك الأطراف جمعا زاهرا‏,‏ وهو الذي يؤلف بينها في اتساق لا نشوز فيه ولا شذوذ‏.‏ ومن ثم فلم يكن عنوان هذا المعهد العلمي العتيق:( الجامع الأزهر) اختيارا عبثيا جاء وليد الصدفة, بل كان تعبيرا متعمدا ذا دلالة مقصودة علي شخصية الأزهر التي تتمثل في كونه جامعا متبصرا رشيدا بين أطراف متقابلة, لو أنها فقدت هذا الجامع لفقدت معه الاعتدال والوسطية والاتزان الفكري والاعتقادي والعملي.
فلقد ظل هذا المعهد العتيق ولا يزال- جامعا زاهرا بين النص الشرعي والعقل المتبصر, فلا ينبغي في أساسيات العلم الأزهري- إهمال دور العقل في فهم النصوص الشرعية واستنباط دلالاتها, وإدراك مقاصدها وغاياتها, كما لا ينبغي في تلك الأساسيات إهدار قداسة تلك النصوص, أو إهمال تكاليفها ومقتضياتها, وبهذا الجمع الزاهر اتخذ هذا المعهد العتيق موقف الرائد الذي لا يكذب أهله, والذي لا يرضي أن تفهم النصوص الشرعية فهما متحجرا حرفيا ضيقا يقوم علي إلغاء دور العقل جملة, بحجة الانتساب المدعي إلي السلف الصالح الذي كان رجالاته الأفذاذ ينظرون بالعينين معا: عين الوحي المنزل وعين العقل المتبصر, كما لا يرضي الأزهر في الآن نفسه أن تهدر النصوص الشرعية الثابتة بالقرآن الكريم, وصحيح السنة تذرعا بدعاوي التجديد والعقلانية, بما تحمله في باطنها من الترويج لأفكار العلمانية والتغريب والحداثة, وما بعد الحداثة, فكلا الموقفين- بمنظار الجامع الأزهر- بمنأي عن الجادة, وبمفازة عن الصواب.
كما ظل المعهد العتيق ولا يزال جامعا زاهرا بين رعاية التراث العلمي الإسلامي الرصين والحفاظ عليه عبر القرون من جهة, وبين الانفتاح السديد علي الثقافات الغربية من جهة ثانية, فمنذ عصور مضين حين كان صحن الجامع الأزهر يضج بالحلقات العلمية المتخصصة في علوم الإسلام التراثية المتوارثة: كان هذا الصحن في الآن نفسه يبتعث بعض بنيه إلي أوروبا ينهلون من ثقافة العصر ومناهجه الحديثة, ولا يجدون غضاضة في التلاقح بينها وبين تراثهم الرصين, كما لا يجدون غضاضة في التفاعل الخصب بين الأصالة والمعاصرة, ولا يجدون تعارضا بين روح الإسلام والتقدم الحضاري السديد.
كما ظل المعهد العتيق ولا يزال جامعا زاهرا بين الحرص علي وحدة المسلمين من جهة, وبين رعاية حق التعدد, وحماية حق الاختلاف من جهة أخري, فلقد كانت الدراسة الأزهرية ولا تزال تعج بآراء المذاهب الفقهية المختلفة, والمقارنة بينها بالحجة والدليل, كما لا تزال الدراسة تكتظ بآراء الفرق الاعتقادية علي تنوع اتجاهاتها, بل ولا يزال الجامع الأزهر- بمقتضي هذين الوصفين البليغين يغرس في عقول بنيه خصوبة الاختلاف, وثراء التنوع, وما يؤديان إليه من اتساع الرؤية, ورحابة الأفق, يحدوه في ذلك حرص بالغ علي ألا يتحول التنوع إلي فرقة مبددة, وألا تتحول الوحدة إلي شمولية غشوم, كما يحدوه حرص بالغ أيضا علي ضرب رفيع من السماحة التي لا تنقلب تميعا, ومن اللين الذي لا ينقلب انفلاتا.
حقائق ثلاث ينبغي أن تتضح في هذا السياق:
أولاها: إن هذا الموقف المعتدل الجامع.. الزاهر بين الأطراف المتباعدة قد جعل هذا المعهد العتيق مآبا للمسلمين, في مشارق الأرض ومغاربها, يأوون إليه من هجير الإرهاب, ولهيب التعصب, وضراوة الصراعات, ونيران التطرف, وهي تلك الظواهر التي شقيت بها البشرية ثم نسبت إلي الإسلام نفسه زورا وبهتانا, بينما الإسلام السمح المعتدل الذي يحمل للبشرية الأمن والعدل والسلام منها براء, لكن هذا الخطاب المتوازن المعتدل الجامع.. الزاهر كما استهوي أفئدة البشر الظامئين إلي العدل والأمن والسلام, فقد جلب في الآن نفسه علي هذا المعهد العتيق كثيرا من المشاعر العدائية السالبة من الأطراف المتناقضة المتصلبة, لأنها تحسب الاعتدال: ضعفا, وتتوهم السماحة: خورا, وليس هذا الموقف السالب بالأمر المستغرب, فما فتيء تاريخ الأفكار في كل العصور- حافلا بما تلاقيه أفكار الاعتدال والتوازن والتسامح من ردود الأفعال التي تحكمها مشاعر الاندفاع وانفعالات التسرع.
ثانيتها: إن هذا الموقف الجامع..الأزهر- كما ظل و لا زال- الحارس اليقظ علي ثوابت الإسلام, فقد ظل أيضا المعبر الأصدق عن الشخصية المصرية, فشخصية الأزهر هوية معنوية تجمع في إهابها بين السماحة واللين, وبين الصلابة والاستمساك, وتؤلف بين وضوح العقل ووجدانية الروح, وتزاوج في تدينها بين الاستمتاع المباح بطيبات الحياة الدنيا, وبين الحرص علي مرضاة الحكيم العليم, وكل تلك السمات- وما يماثلها تتجسد في الشخصيتين معا شخصية مصر وشخصية الأزهر- علي نحو لا تخطئه العين.
ثالثتها: إن هذا الموقف الجامع يتطلب من الجامع الأزهر في المرحلة الحاضرة أن يحشد اهتمام الأمة صوب القضايا الجوهرية المتعلقة بمصائر الشعوب, وصوب تحقيق الحرية المبرأة من الفوضي المدمرة, وصوب إنجاز استحقاقات التقدم الحضاري, والعدل الاجتماعي, كما يتطلب منه أن يكفكف في الأمة غلواء الاستمساك بالأشكال الجوفاء من التدين التي طغت علي الجوهر والمعني ونأت عن الهدف والمضمون, وأن يوجه اهتماماتها صوب مقاصد الشريعة العليا, وغاياتها المثلي, كما يتطلب منه أن تكون الغلبة في خطابه الديني لرصانة العلم, ورؤية الفكر, ورسوخ البصيرة بدلا من الانسياق وراء دعوات الإثارة, وتحريك الانفعالات وهيجان العواطف والمشاعر, وكل تلك المهام الجليلة: مما يستطيع الجامع الأزهر أن يكفل لها وضوح الرؤية ويضمن لها استقامة المنهج, وينتهي بها إلي سداد الغاية.
المزيد من مقالات د.محمد عبدالفضيل القوصى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.