أنا شاب بسيط وعملي, أحب الترتيب في حياتي, وأعمل بنظام دقيق, وأحسب كل خطوة أخطوها, وعندما حان وقت الزواج, كتبت المواصفات التي أرغب فيها في ورقة ووجدت أن أكثر من تتمتع بها من دائرة معارفي صديقة لزميلتي في المدرسة التي أعمل بها. وسرعان ما خطبتها ثم تزوجنا بعد أقل من أسبوعين, وكنت أعلم مسبقا أنه لا ملائكة في الأرض وأنه كما توجد لكل إنسان مميزات فبالتأكيد له عيوب, وانتظرت أن يظهر عيب زوجتي ليس تحفزا مني ضدها ولكن حتي أعلم منذ البداية كيف سأنظم معاملاتي معها, ووجدت أن مميزاتها عديدة وليس بها سوي عيب واحد قاتل حول حياتي إلي حالة طواريء شبه دائمة وهو أن زوجتي فضولية لأبعد مدي ليس فقط معي ولكنها فضولية في حياة الآخرين أيضا, فهي أكثر مهارة من وكالات الأنباء في معرفة الأخبار ونقلها بسرعة البرق, وتحب أن تمكث عند الجيران والأقارب أكثر مما تجلس في بيتها, ولكنني تصديت لها ووقعت بيننا مشكلات عديدة وأخيرا لم تعد تخرج في زيارات واتجهت إلي التكنولوجيا الحديثة من هواتف وإنترنت وغيرها. فهي تحب أن تعلم كل شيء بالتفصيل حتي تكون أم العريف كما نقول بالبلدي, وتسعي إلي معرفة كل ما يدور من حولها داخل البيوت وبين الناس وبعضهم البعض, وإذا جلست في لقاء ما تكون الأكثر تحدثا وهي تفتي في كل شيء حتي لو عن جهل, ولا تتصور أنها لا تعرف إجابة لسؤال أو استفسار. يا سيدي لقد وصل بها الأمر إلي التدخل الدائم في شئون الآخرين ونقل أخبار الناس مما جعلهم ينفرون منا وبمرور الوقت أصبحت إنسانة لا تطاق والآن وبعد انصراف الكثيرين من حولها نقلت نشاطها إلي أناس جدد من أحياء أخري.. ووصل الأمر إلي حد أن فاتحني بعضهم في أمرها, وطالبني بإبعادها عن زوجاتهم. إن دائرة المشكلات تزداد يوما بعد يوم وأشعر أن الفشل يهدد أسرتي, وقد فاتحت شقيقها الأكبر في تصرفاتها فزارها وجلس معها محاولا إثناءها عن الثرثرة والكلام الذي لا جدوي منه, لكنها لم تستجب, ومازالت تمارس هوايتها المدمرة. إنني أريد الاستقرار, وعشت حياتي لا يعلم أحد عني شيئا, ولا علاقة لي بما لا يعنيني لكن زوجتي قلبت حياتي رأسا علي عقب وكانت صدمة العمر التي أحالت حياتي إلي نكد مستمر.. وأخشي أن تنفد كل الحلول فأطلقها, وحينئذ سأكون قد خربت بيتي وشردت أسرتي.. أرجوك قل لي ماذا أفعل؟ * قد يكون الإنسان فضوليا في معرفة الأخبار العامة وأحوال المشاهير.. أما أن يفرض نفسه علي غيره محاولا التدخل في حياته فهذا شيء غير مرغوب فيه, ولابد أن يكون له حد حتي لا يتحول إلي مرض لا يمكن الشفاء منه. وزوجتك يا سيدي من النوع الثاني الذي يرتكب في حق نفسه خطأ كبيرا, بهذا السلوك غير السوي فالبيوت لها أسرارها ينبغي ألا يطلع عليها أحد, ولابد أن تظل حبيسة جدران المنزل, لكن زوجتك تحاول التلصص علي معارفها وتنقل أخبارهم إلي الجيران والمعارف.. ولا يعقل هذا بأي حال. وأعتقد أن زوجتك وصلت إلي الحد المرضي وليس مجرد الثرثرة العامة.. ويتعين عليك أن تشرح لها هذا الأمر بهدوء في لحظة صفاء, فما لا ترضاه لنفسها يجب ألا ترضاه أيضا لغيرها, وعليها أن تتصور العكس بمعني لو أن سيدة من معارفها نشرت أسراركم مثلا التي تحكيها بالطبع من باب خد وهات.. واسألها ماذا ستفعل حينئذ؟.. والاجابة بالتأكيد أنها ترفض أن تفشي أسرارها لأحد.. وهنا رد عليها بأن الناس علي شاكلتها يريدون أن يحتفظوا بأسرارهم, وينبغي عدم الإلحاح عليهم للبوح بما لا يريدون الافصاح عنه.. فإذا استجابت لك فهذا ما تسعي إليه, وإذا لم تستجب وأظنها كذلك, فعليك بالإستعانة مع أسرتها أن تعرضها علي طبيب نفسي قبل أن تستفحل حالتها. أسأل الله لها الهداية ولك التوفيق في كف أذاها عن الآخرين!