سوء الفهم.. وسوء التقدير! علينا ونحن نقرأ ملامح وأبعاد مشاهد الغضب والرفض والاحتجاج التي تعم كل أرجاء العالم العربي منذ مطلع هذا العام أن ندرك أن سبب العلة لا يرجع فقط إلي سوء الأحوال المعيشية وتردي الأوضاع الاقتصادية وغشامة السياسات الأمنية. وإنما يرجع السبب أساسا إلي سوء الفهم, وسوء التقدير لمعني كلمة الاستقرار. لقد رأت معظم الأنظمة العربية في طاقة الصبر وقوة الاحتمال الكامنة في الشخصية العربية أنها من علامات الرضا والقبول بالأمر الواقع, وفسرتها- بالجهل أو سوء النية- علي وجود وثبات ورسوخ الاستقرار المجتمعي... ثم اكتشفت جميعها مع أول عاصفة هبت في تونس أنها لم تخطيء فقط في الحساب وإنما كان خطؤها الأكبر في انعدام الفهم الصحيح لمعني ومضمون كلمة الاستقرار. لقد تصور البعض أن اصطناع الإجماع البرلماني وادعاء التوافق الوطني حول كل شيء هو دليل الاستقرار.. مع أن العكس هو الصحيح.. فالاستقرار لا يوجد إلا مع اتساع مساحة الديمقراطية وانتعاش لغة الحوار بالدرجة التي تجسد معني التعددية الفكرية والسياسية من ناحية وتحول دون الانزلاق إلي خطيئة تخوين وتجريم أية آراء معارضة من ناحية أخري. والحقيقة أن الديمقراطية بمفهومها الصحيح الذي يوفر ركيزة الاستقرار الحقيقي لم تعرف طريقها بعد إلي العالم العربي, وهذا هو أس الداء ومصدر البلاء.. وأقصي ما تحقق في السنوات الأخيرة كان مجرد محاولات خجولة لتحسين الصورة لم تتوفر لها معايير الجرأة والشجاعة حيث اقتصرت صياغاتها الدستورية والقانونية علي لملمة نصوص من هنا وتقاليد من هناك والعمل علي تصفيفها جنبا إلي جنب لتبدو مبهرة وجذابة في شكلها الخارجي وخاوية فارغة في مضمونها الحقيقي! وعلينا أن ندرك أنه لا استقرار بدون ديمقراطية, ولا ديمقراطية بدون استقرار دون أن نغرق أنفسنا في الجدلية التاريخية... أيهما يسبق الآخر.. الدجاجة أم البيضة؟ خير الكلام: -------- الحرية حق لنا جميعا.. ولكننا نختلف في توظيفها! [email protected]