جذور النيل الإفريقية تبدأ في دول صنف أغلبها دوليا ضمن البلدان الأكثر احتياجا للمساعدات المادية والفنية وأقلها دخلا بالنسبة للفرد لما عانوه من مجازر بشرية مروعة واستغلال من استعمار إيطالي انجليزي فرنسي بلجيكي الماني. وجميع دول المنبع تتمتع بتربة خصبة صالحة للزراعة وبكميات من مياه الأمطار والأنهار لا تنضب, ورغم ذلك فقد عانت مجاعات وحروبا وشردت وقتلت الملايين. ومع ذلك فإن لديها كما في حالة الكونغو علي سبيل المثال مخزونا من المواد الخام كالنحاس والكوبلت يقدر قيمته بأربعة وعشرين تريليون دولار أي ما يعادل مجموع الانتاج القوميG.D.P لأمريكا وأوروبا مجتمعتين: ودول المنبع لا تعطي لأهلها الاهتمام بالاحتياجات الأساسية ذات العائد في التعليم أو التنمية أو الراحة أو الأمن. وهي لم تقدم ما يكفي لتوفير التخصصات في التنمية الشاملة والخبرات المهنية الطبية والتعليمية والهندسية والبنكية والحرفية في البناء والمقاولات والتجارة والنقل والصناعة والصيانة وغيرها. ويكاد يكون الاعتماد في اغلب هذه المهن والحرف علي الخبرات الأجنبية. دول المصب والمنبع شركاء في مياه النيل وهو الأطول في العالم(6650 كم) وله رافدان الأزق وهو الأهم بالنسبة لمصر ويكون80 90% من مياه النيل في مصبه وهو ينبع من بحيرة تانا مخترقا إثيوبيا والسودان الي مصر. أما الابيض وهو الاطول فينبع من نهر ليوفرنزا في بروندي في منطقة البحيرات الكبري في إفريقيا الوسطي الي رواندا ليصب في بحيرة فيكتوريا في تنزانيا وكينيا وتتركها في أوغندا وكونجو كينشاسا الي جنوب السودان. جميع هذه الدول تقع فيما عدا مصر في حزام المطر الغزير وهذا يمثل لها مصدرا كافيا للري الزراعي. وقد كانت مصر داخل حزام المطر منذ العصر الجليدي الأخير3400 ق. م حيث كانت مخزنا للحبوب لأوروبا والممون الرئيسي لماء النيل, وقد انتقل هذا الحزام جنوبا الي السودان وإثيوبيا وباقي دول المنبع وتحولت مصر الي منطقة صحراوية: لقد اصبح التدخل في كمية مياه النيل مشكلة حياة أو موت لأنها تروي6% فقط من صحراء مصر ونتطلع الي زيادتها. ويتسرب جزء من مياه النيل الي باطن الأرض, وما يتبقي لا يكاد يفي باحتياجات عشرين مليونا في منتصف القرن الماضي. وحدث ولا حرج عن احتياجات الشعب المصري وهو يقترب من المائة مليون. وقد اضطرته حاجته المائية الي أن يكون من أوائل الشعوب حرصا في استخدامه لكمية المياه المتاحة له. وقد عظم من فوائد استهلاك المياه للزراعة, وهي تقدر ب80% من استهلاكه حرصا منه علي عدم ضياعها في البحر المتوسط وذلك بحفر الترع وانشاء القناطر والسدود العالية منذ ما يزيد علي المائتي عام وهو في طريقه لأن يحل الري بالرش محل الغمر, كما يكرر مياه المجاري لإعادة استخدامها في ري الزراعات الخشبية, وهذا وهو يستخرج المياه الجوفية بوعي وحرص لزراعة الصحراء, كما يسعي للاقتصاد في استهلاك ما تبقي من المياه بعد الزراعة بحملات دعائية منظمة لاقت صدي في الإقلال من تسريب المياه في مواسير مصانة وصنابير ليزر ومازال الأمن الغذائي المائي خطرا بزيادة الاستهلاك الطبيعي الناتج عن زيادة السكان والرقعة الزراعية. ولكن ما أزعج مصر أخيرا هو أن بروندي وهي الدولة السادسة بعد إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا, وقعت علي الاتفاقية الإطارية لمياه النيل. وهي بعد اعتماد البرلمانات لها تنشأ مفوضية حول نهر النيل بغض النظر عن مشاركة دول المصب في التوقيع عليها. وهي تفرض علي دول المنبع بإخطار دول المصب بمشروعاتها علي النيل. وقد تأجل الارتباط بالاجراءات التنفيذية وهي ضرورة موافقة دول المصب المرتبطة بالعديد من الاتفاقيات ومن أهمها الموقعة بين مصر وبريطانيا سنة.1929 وعديد من الاتفاقيات الفردية والبرامج الموقعة بين مصر ودول المنبع حتي عام2008, جميعها معترف بها دوليا ومبنية علي مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات والحقوق التاريخية المكتسبة لتوزيع مياه النيل وعدم جواز المساس بها وكذلك حرصا علي النظام الدولي, وقد اصرت دول المنبع علي التفرقة بين الحقوق والاستخدامات وقد كان الخلاف في شرم الشيخ علي كلمة واحدة في الاتفاقية تنص علي تعهد دول المنبع بعدم القيام بمشروعات ذات تأثير مرموق, في حين أصرت مصر علي تفاديهم للمشروعات المعاكسة للأمن المائي في دول المصب, وقد اتفق علي تأجيل الاتفاق علي الاجراءات التنفيذية الي ما بعد انشاء المفوضية, علما بأن كمية المياه إذا ما أحسن توزيعها وتم تلافي الفاقد منها كافية لاحترام حقوق واستخدامات مصر ومن المرجح ان الضغط من الدخلاء علي مصر سيكون لتمرير مياه النيل الي إسرائيل شرطا لعدم المساس ب84 مليار متر مكعب من المياه وهي الحصة السنوية لدولتي المصب مصر والسودان. وقد ظهر ذلك بعد إعلان رئيس وزراء إثيوبيا التنفيذ المنفرد لمشروع سد الحدود وهو أحد أربعة سدود علي نهر النيل سبق عرضها علي مبادرة حوض النيل وهي ضمن33 مشروعا لسدود علي النيل. هذا الإعلان كان المفروض أن تصاحبه الدراسات الفنية للسد لتعرض علي دولتي المصب لتحديد مدي تأثر الأمن المائي لمصر بهذه المشروعات. وقد قيل إن السد هدفه الأساسي توليد الكهرباء ولكن لدي السد مع غيره من السدود إمكانية حجز مياه تؤثر في مخزون مصر منها. ومع احتفاظ مصر بحقوقها القانونية ومنها حق الالتجاء الي التحكيم الدولي إلا أن التفاهم مع دول المنبع والمبني علي وحدة المصير قد اصبح من الأمور الحساسة لاستقرار حصة مصر من مياه النيل. هذه العلاقات بالدول الإفريقية والتي كان لها الاولوية في السياسة المصرية في ثورة1952 قد اصابها الوهن والإهمال لقد ساعدت مصر بفاعلية في استقلال عديد من الدول الإفريقية وفي قبولها في الأممالمتحدة كما شاركت كقائدة في انشاء والاشتراك في مؤتمرات القمة للدول الإفريقية. كما كانت مصالح الدول الإفريقية وعلاقتها بعضها البعض وبالدول الأوروبية في قمة اهتمامات السياسة المصرية, كما انشأت مصر شركات متخصصة في الاستثمار والتعمير في الدول الافريقية ومنها شركة النصر للاستيراد والتصدير وهذه وغيرها قامت بعدة مشاريع في عديد من البلاد الافريقية. لقد اهملت مصر إفريقيا دبلوماسيا وشعبيا في السنين الأخيرة مركزة اهتماماتها علي الشرق والغرب العربي والشمال الأوروبي, حتي ان الخاصة لا يعرفون عدد وأسماء شركائنا في مياه النيل وعدد سكانها واحتياجاتها وميزانياتها وأحوال سكانها. لقد وثقت مصر واطمأنت للعديد من الاتفاقيات السابقة كضمان لحقوقها القانونية. وقد عبر احد مسئوليها بزلة لسان باحتفاظ مصر بحقها في اتخاذ أي طريق تراه مناسبا للحفاظ علي نصيبها. وقد استبعدت مصر وبواقعية في عهدها الجديد أي تفكير في أي رد فعل خارج نطاق التعاون المشترك. حيث إنه ليس في مصلحتنا التصعيد مع دول منابع النيل. المزيد من مقالات د. على رأفت