قبل عدة أيام, وجه تقرير صادر عن خدمة خاصة بوكالة رويترز للأنباء رسالة إلي العالم الغربي أو بالأحري القوي الإقتصادية العالمية الكبري من اجل دعم مصر إقتصاديا, وقال أن الحماسة التي تحركت بها عواصم كبري لضرب النظام الليبي كانت مصر أولي بها علي المستوي الإقتصادي من خلال خطة دعم حقيقية تربط مصر بالعالم الصناعي عن طريق التجارة الحرة. وقال التقرير إن مصر قد تعرضت لتسونامي سياسي لا يقل بحال من الأحوال عن تسونامي الطبيعة في اليابان الذي اطلقت علي أثره طوكيو برنامجا للإعمار يتكلف مليارات الدولارات. وبالتالي تحتاج مصر إلي صندوق إعادة إعمار, يركز علي احياء الصناعة, في نمط مشابه للحالة اليابانية, من أجل ربط البلد الأهم في الشرق الأوسط بالإقتصاد العالمي وحتي لا تصل الأوضاع في البلاد إلي حالة الركود الإقتصادي. كما ربط التقرير بين مساعدة الإقتصاد المصري في تحقيق نهضة فعلية وبين تخفيف عبء الديون الخارجية علي مصر البالغ حجمها34 مليار دولارا, وقال إن الدول الغربية يمكنها أن تطرح شطب الديون أو تحويلها إلي أسهم عادية في مشاريع البنية التحتية من بينها 31% للإتحاد الأوروبي و 12% لليابان و 10% لأمريكا. وقد رصدت الأهرام عن قرب المشاورات الدائرة حول كيفية الغاء أو تخفيف أعباء الدين الخارجي المستحق للولايات المتحدة في المرحلة المقبلة, وقالت مصادر مقربة من الحوارات الأخيرة أن مصر تطرح رؤية واضحة تقول إن مصر تمثل أولوية لمصالح الأمن القومي الإقليمي وأن الأثر السلبي لأوضاع ما بعد الثورة يجب أن يؤخد في الإعتبار عند تحديد القيمة السوقية العادلة للديون المصرية. وتشير المصادر إلي أن أطرافا أمريكية في الكونجرس والإدارة تدرك أن خدمة الدين الأمريكي المستحق علي مصر تقف عائقا امام توفير إمكانية توفير وظائف كافية للإعداد المتزايدة من الشباب في مصر خاصة في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير فقد تبخرت عائدات السياحة لفترة من الوقت طالت إلي أسابيع, وجزء كبير من الاقتصاد تعطل ومن المنطقي أن تسهم العلاقة الإستراتيجية طويلة المدي مع الولاياتالمتحدة في تحقيق قفزة اقتصادية ومالية وليس العكس. وعلاوة علي ذلك, فقد أوقفت الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة تدفق التحويلات المالية من العمال المصريين في بلدان عديدة, ويكفي أنه قبل الأزمة الحالية في ليبيا, كان يوجد أكثر من500 ألف مصري يعملون هناك. من ناحية أخري, يثير الجانب المصري أن الحكومة الحالية لا تريد فقط مجرد اعادة الاقتصاد إلي أوضاع ما قبل25 يناير وإنما تحتاج إلي تحسين مستويات معيشة الملايين من المصريين وعدم القيام بذلك يؤدي إلي مزيد من الاضطرابات التي قد تكون أكثر عنفا وأقل ديمقراطية مما حدث في الثورة ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وتوصي جهات عديدة في واشنطن- علي الأخص في الكونجرس- بضرورة التحرك لدعم مصر ماليا وإقتصاديا وتشير الي أن الفشل في إعفاء الديون من المرجح أن يجعل جهود ضمان استفادة المصريين من الأحداث الأخيرة أكثر صعوبة وتحذر من أن عدم القيام بذلك من المرجح أن يؤدي إلي مزيد من الاستياء الشعبي. ويمكن في حال إتساع مساحة السخط ان تتضرر المصالح الإقليمية الأمريكية. وقال مصدر مطلع في الكونجرس من مؤيدي تخفيف عبء الديون إن قرار اعفاء مصر من الديون هو بالضرورة يحمل أثارا اقتصادية ومعنوية وتبرره ضرورة سياسية. وقال التقرير السابق الإشارة إليه إلي إنه علي مدي شهرين بعد الثورة التي أذهلت العالم لم يظهر تصور واضح لكيفية مساعدة الوضع الجديد في مصر. ومن الأفكار المطروحة اليوم إنشاء صندوق إعمار يقوم علي شراكة من نوع مختلف بين القطاعين العام والخاص غير أن السيطرة أو الدور الأساسي يكون للحكومة طالما أن مشروعات البنية التحتية هي صاحبة اليد الطولي في خطط الإستثمار القادمة, وبالتالي فالصندوق المقترح يمكن أن يعتمد علي الإقراض بالأساس. ولا يمثل مقترح صندوق الإعمار أو صندوق إعادة بناء قدرات الدولة تقليلا من مكانة مصر أو تصدير الإحساس انه بناء يبدأ من الصفر ولكنه يرمي إلي شحذ الطاقات من خلال تكليف مؤسسة محترفة يمكنها أن تدخر الجهد والوقت. ويقول تقرير رويترز إن الأموال القادمة من المنح ومبادلات الدين بحصص في المشروعات العامة يمكن أن يصل بالرقم المقترح إستثماره إلي قرابة20 مليار دولار أمريكي في صندوق اعمار مصر, وهو ما يقل عن10% من الناتج المحلي الإجمالي. في تلك الحالة, سوف يلعب الصندوق دورا تحفيزيا للصناعة الوطنية علي المدي الطويل من حيث تشجيعها علي المخاطرة في المستقبل بينما ستركز الحكومة في الإستفادة من مواردها المحدودة في دعم الغذاء والإحتياجات الأساسية للطبقات الأقل دخلا. علي المستوي العالمي, شراكة القطاعين الحكومي والخاص تشهد عملية مراجعة تصب في طريق التعاون الثنائي لتحقيق المصلحة العامة. فمن جانبه, يوضح العالم الإقتصادي الشهير روبرت ريش من جامعة كاليفورنيا أن الشراكة في شكلها المعدل ستقوم علي قيام القطاع الحكومي أو العام بمهمات علي المستوي العام من خلال دعوة القطاع الخاص للمشاركة في مشروعات, تراعي شرطين رئيسيين هما الشفافية والمحاسبة. في المقابل, يتحفظ مسئول بارز في أحدي المؤسسات المالية الدولية-رفض الكشف عن هويته- علي فكرة مبادلة الدين العام الخارجي بحصص في المشروعات العامة وقال ان الإقتراح يمكن أن يشكل عقبة أمام المضي في خروج تلك الأفكار للنور حيث تتحفظ حكومات عديدة علي دخول أطراف خارجية بحصص في المشروعات العامة أو الخدمية الكبري في دولها. جميع المؤشرات الدولية تنظر بعين متفائلة إلي الحلول الإقتصادية في الشرق الأوسط بعد الثورات الشعبية في أكثر من بلد, وحسب مسعود أحمد مسئول الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي فإن هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية سوف تحكم معدلات النمو في المرحلة القادمة وهي احتمالات نمو أكبر علي المدي الطويل, والشفافية وزيادة المنافسة, وزيادة الإنفاق الحكومي استجابة للمطالب الشعبية. ويبقي العامل المساعد الأهم وهو مساندة الإقتصاديات الكبري والمنظمات الدولية للخطط الطموحة في مراحل ما بعد الثورات-خاصة في مصر- بكل وضوح وعلي نحو لا يحتمل التأخير.