الديمقراطية لا تضمن تلقائيا الوصول إلي أفضل الخيارات المرجوة, لكنها بممارساتها وملحقاتها تفسح الطريق أمام تصحيح المسارات وتصويب الأخطاء وتهذيب التطرف, وتضييق المسافات بين الرؤي لتحقيق التوافق المجتمعي. لهذا فقد كان من المهم أن يقبل الجميع بنتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية دون الاستخفاف بدواعي الرغبة في الاستقرار وإعادة الجيش إلي الثكنات التي دفعت الكثيرين إلي قول نعم, لكن من الضروري أيضا أن يتقبل المؤيدون تحفظات الرافضين ويحرصوا علي تضمينها في البرامج السياسية المستقبلية. أهم هذه التحفظات هو أن صيغة الدولة المدنية التي تم التوافق عليها لم تحترم, فوجه التسامح الديني في الفضائيات والمؤتمرات الصحفية تحول إلي خطاب تحريضي مشحون بالشعارات الدينية في المساجد والكنائس في المحافظات والقري والنجوع, الأمر إذن يتطلب تدخلا حاسما من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لإعادة الأمور إلي نصابها, فالمساجد والكنائس يرتادها الناس لتلقي الوعظ الديني, وعبادة الله, وليس لتلقينهم مواقف مطلقة لا يملكون إزاءها الرفض أو القبول, وإذا كانت لرجال الدين مواقف سياسية فعليهم أن ينخرطوا في أحزاب سياسية يمكن فيها طرح قناعاتهم للحوار الديمقراطي الحر, ولابد من التشدد في التعامل مع أي خروقات, بحيث يمنع أي مرشح يرفع شعارات دينية, أو يسمح لمؤيديه باستخدامها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. الأمر المهم الثاني هو أن شباب الفيس بوك عليهم أن يتعلموا سريعا قواعد اللعبة الديمقراطية, فإذا أرادوا تغيير نتيجة الصندوق فعليهم بذل جهد جاد وخارق لتغيير الصندوق المبرمج داخل العقل المصري علي مدي30 عاما, عليهم أن يقرأوا نتائج الاستفتاء جيدا جغرافيا وموضوعيا ويعرفوا نقاط الضعف والقوة, وليس عيبا الاستعانة بمراكز الرصد لتصحيح لغة الخطاب, والاعتراف بأنهم لم يبذلوا جهدا كافيا لتعريف البسطاء بمواقفهم وأهدافهم وتحفظاتهم. فالكادحون في العشوائيات والقري والنجوع ليس لديهم ترف متابعة المناظرات التليفزيونية, ويحتاجون من يبصرهم ويجلس معهم علي قعدة شاي ليفسر لهم طلاسم الدستور الجديد. والمسألة المهمة الثالثة هي أن الإصلاح السياسي والديمقراطي لن يذهب بعيدا في تحقيق الأهداف إن لم يقترن بإصلاح ديني يشمل الأفكار والمؤسسات والممارسات, وياحبذا لو انشغل رجال الدين بهذه القضية ويتصدوا لفوضي تطبيق الحدود والتطرف, فبذلك يمكنهم أن يختصروا لنا الطريق للوصول إلي دولة مدنية ديمقراطية تستحق ما بذل من دماء لتحقيقها. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني