منذ بدء الانتفاضة الشعبية الديمقراطية الثورية في25 يناير2011, وثمة ميل عارم لدي بعضهم نحو الخوف علي المستويات شبه الجماعية والفردية والمهنية والسياسية والحزبية والعمالية والدينية. خوف يبدو غامضا حينا وملتبسا قي أحيان أخري يشيع ويتمدد بين شرايين وخلايا فئات وشرائح اجتماعية عديدة. , الأثرياء ورجال الأعمال عند قمة الهرم الاجتماعي المختل. بعضهم يخاف من الشكاوي والدعاوي التي يقدمها خصومهم أو بعض العاملين لديهم إلي النائب العام, ومن ثم الخوف من المحاكمات الظنية أو الحقيقية علي ملفات فساد شامل لم يقتصر عليهم, بل وامتد إلي قمة النظام ومراكز القوي التي سادت حوله. بيئة نفسية وسياسية من عدم اليقين والسيولة والاضطراب وغياب الروئ والأخيلة السياسية الرصينة. بث للخوف والرعب وروح التآمر, وكأن الجميع يتأمر علي الجميع هكذا بلا ضبط ولا تمييز, ولكنها نزعة سيطرت واستحكمت بهدف سيطرة قلة وفرض وصايتها وهيمنتها علي روح الأمة كلها من خلال تقسيمها إلي جماعات دينية, وشظايا لا يربط بينها رابط جامع ولا موحدات ولا مشتركات اجتماعية وثقافية وسياسية, وكأننا بلا رأسمال تاريخي, ورمزي, وخبراتي مشترك. سياسة للتذرية وتحويل تاريخنا الحديث والمعاصر كله ولا اقول تاريخنا كله إلي شظايا وتفتت وانقسامات وكأننا ذراري.. وكأننا نعود إلي الدرجة الصفر عند نشأة المجتمعات البدائية حيث الخوف والذعر وحكم القوة والغلبة والسيطرة والتوحش. هذا ما أشاعه ولا يزال بعض الغلاة والمتعصبين والعصاة مستغلين بيئة تحول سريع وتضاغط قوي دولية وإقليمية تريد تحويل الانتفاضة الثورية إلي هبة شعبية. روح من فقدان المسئولية الأخلاقية والسياسية الوطنية بل والدينية لأطراف متعصبة لا يهمها سوي ظهورها في الإعلام المرئي والفضائيات وفي وسط الحشود الغفيرة كي تلتقط لها بعض الصور وبهدف إن يكونوا جزءا من مشاهد اللحظة وكأنهم صانعوها! الخوف والزعر العمدي الذي يرمي إلي اضطراب الأسواق وإحجام رجال المال والأعمال عن الاستمرار في الاستثمار, وإلي تهريب الأموال! ولا أحد يطمئن أحدا! ولا ضمانات تقال وبوضوح للجميع أن الثورة عندما تستكمل مقوماتها وتتحقق معالمها بنيويا من خلال تغيير النظام السياسي وقوانينه وهياكله والديمقراطية وحقوق الإنسان يشكلان البيئة الأكثر ملاءمة للاستثمار والمشروع الحر ذو الوجه الاجتماعي والإنسانوي, وليس الاستبداد وقوانين الفوضي والفساد والأعراف وحكم القوة العارية عن الشرعية هو الذي يؤدي إلي ازدهار الرأسمالية والمشروع الخاص وقوانين السوق ذات الوجوه الاجتماعية العدالية. السلطة الغاشمة المؤسسة علي القوة المادية لا حكم الدستور أو القانون هي التي أدت ولا تزال إلي تحالف الفساد والاستبداد وإلي دمج عصب البلطجية والإجرام في بعض منظومة الأمن, وفي اعتماد بعض رجال المال والأعمال وكبار الفنانين وسواهم علي الأمن الخاص! علي سواعد وأسلحة ومجموعات البودي جاردزBodyGurdes وإلي اعتماد كثيرين في الحصول علي حقوقهم القانونية من خلال منظومة أمنية موازية تعمل خارج قانون الدولة, وقادرة علي فرض قانونها الخاص, قانون القوة والجريمة والبلطجة والترويع.. كل هذا كان جزءا من عمليات هدم الدولة الحديثة ومؤسساتها وعلي رأسها السياسية والأمنية والقانونية, لأن الجميع تحولوا للدفاع عن مصالحهم الخاصة, ولأن الفساد استشري في غالبية خلايا المجتمع الفئوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والدينية.. إلخ! خوف شاع وتمدد قبل25 يناير2011 المجيد, وثمة علي ما يبدو سياسة عمدية من بعضهم لإشاعته كي يكون أداة الفوضي والاضطراب والانهيار لعقاب الأمة وغالبية أبنائها من الأجيال الجديدة للطبقة الوسطي المدنية, والأغلبية الشعبية المعسورة كنتاج لضعف الوازعات الأخلاقية والوطنية لدي غالبية من يطلق عليهم الصفوة ورجال الدين, وقادة الجماعات الدينية السياسية المرامي والمصالح, وبعض الطامحين من رجال النظام الاستبدادي الفاسد للوثوب إلي كرسي الرئاسة الأول في البلاد في تواطوءات لا تخطئها سوي العيون الدامسة والقلوب التي يسكنها الغرض والهوي. نزعة تشويه من الجميع إزاء الجميع حيث يتهم بعضهم الجميع بالاتهامات المرسلة والبلاغات التي تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب والادعاءات, ولا يكاد غالب الناس يعرف عما إذا كان ما يحدث حقيقا أم أننا إزاء واقع افتراضي وأمام هلوسات أو إحدي روايات الرعب, أو الواقعية السحرية الدامية! نعم تختلط الأمور علي غالب الناس من حجم الفساد المعمم وتشابكاته ومؤشراته التي فاقت أخيلة الجميع وخاصة القلة القليلة الإصلاحية أو الثائرة ممن رفعوا لواء الخطاب السياسي والاجتماعي النقدي للنظام التسلطي ورموزه وفساداته في ظل هيمنته وسيادته وذلك في موضوعية ورصانة وعمق. هل إشاعة بيئة الاتهامات والمحاكمات ترمي إلي إشغال الجمهور والأجيال الثائرة علي الاستبداد والفساد بينما تتم محاولة السطو علي الحدث الثوري, وتحويله إلي متهم بإشاعة الفوضي وعدم الاستقرار والخوف؟! بعضهم يذهب نحو هذا المنحي من التفكير! ثمة حاجة إلي وقفة حاسمة وصارمة وضارية مع دعاة الفوضي وناشري الخوف والجرائم والترويع أيا كانت مكانتهم ونفوذهم. إن معدلات ارتكاب الجرائم من الجانحين ومعتادي الإجرام ربما لم تزد كثيرا عما كان يرتكب قبل25 يناير, ومن ثم يبدو وبوضوح أن قيمة الدولة المركزية النهرية والحديثة الدولة/ الأمة ومواريثها وثقافتها سادت أثناء الحدث الثوري وبدا أنها قيمة راسخة في الوعي الجمعي للمصريين, حيث سرعان ما نظموا أنفسهم علي نحو طوعي لحماية الممتلكات الخاصة والعامة, وهذا الفهم والسلوك شبه الجمعي يعكس نتيجة إيجابية وهامة تقهر الخوف وتنتصر علي الفوضي والاضطراب الذي يحاول بعضهم إشاعته حتي لا يخضع للمساءلة القانونية والمحاكمة. إن جيش مصر هو جيش الأمة المصرية كلها وجزء لا يتجزأ منها ومن حركتها الوطنية ومن عمليات الحداثة والتحديث المؤسسي ومن ثم يمثل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه في هذه اللحظة التاريخية الحرجة في تطور مصر من التسلطية إلي الديمقراطية وحكم القانون. ويترتب علي ذلك عدم التشكيك في نزاهة مقصده وهو يحمي عملية التحول الثوري من دعاة الفوضي والإجرام, وعدم الاستقرار إلي الدفاع الضاري عن الأمة/ والدولة المصرية الحديثة ومؤسساتها وقوانينها وحدودها, والأهم أنه درع أبناء الأمة الشباب في مواجهة العصاة من دعاة الهدم والفوضي والانقضاض علي الانتفاضة الديمقراطية الثورية. من هنا لابد من سرعة إصدار قرار بقانون وليس مرسوم لأنه من مخلفات اللغة القانونية في العصر الملكي من السلطة الفعلية يغلظ العقاب علي نحو رادع لأي تلاعب بالدين في السياسة, أو الحض علي كراهية الأديان أو ازدرئها أو الاعتداء علي دور العبادة أيا كانت أو استخدامها في التعبئة السياسية والطائفية, أو في محاولة السيطرة علي مساجد الدولة للخطابة فيها بدون ترخيص أو إذن مسبق من وزارة الأوقاف أو الأزهر الشريف, أو إثارة الشائعات المغرضة بهدف الفتنة وإشاعة الفوضي.. إلخ, وتقديمهم إلي المحاكمة العاجلة أمام محاكم أمن دولة أو عسكرية تحقيقا للردعيين العام والخاص, وتجريم وقتي لمدي زمني وانتقالي محدد وتغليظ للعقاب علي بعض الأشكال المخططة لإشاعة الاضطراب والفوضي في بعض مؤسسات الدولة. نحتاج إلي وقفة حازمة مع دعاة الفوضي وصانعي الخوف, ولكن في ظل تصور جديد أكثر ديمقراطية وحرية ولخارطة طريق لدستور جديد لنظام نيابي برلماني, وبيئة ملائمة لانتخابات ديمقراطية ونزيهة برلمانية, ورئاسية في ظل تمديد للفترة الانتقالية كي تتدفق الدماء الجيلية الجديدة الديمقراطية والإنسانوية والعدالية إلي قلب السياسة المصرية.. من هنا نبدأ الطريق إلي مصر الجديدة! وليس العودة المتأمرة لبعض العصاة والغلاة والفاسدين إلي ما قبل25 يناير.2011 المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح