عشائر غزة: الصمت الدولي شراكة في جريمة الإبادة الجماعية    الأجهزة الأمنية تكشف حقيقة مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل بكفر الشيخ    «بحوث الصحراء» يقدم الدعم الفني والإرشادي لمزارعي سيناء| صور    محافظ الجيزة يتابع الأعمال الجارية لتوصيل كابلات الجهد العالي لدعم محطة مياه جزيرة الدهب    بعد انخفاضه.. ماذا حدث لسعر الذهب بحلول التعاملات المسائية السبت؟    جامعة حلوان الأهلية تطلق برنامج «هندسة الشبكات والأمن السيبراني»    الشروق ترصد معاناة سائقى شاحنات المساعدات لغزة فى مواجهة إصرار إسرائيل على تجويع الفلسطينيين    قائمة ريال مدريد لمواجهة أوفييدو في الدوري الإسباني    مباشر الدوري الإنجليزي - أرسنال (0) -(0) ليدز.. تصدي خيالي    الزمالك يتلقى خطابا رسميا من الاتحاد المصري من أجل 5 لاعبين    بعد الاستغناء عنه قبل 14 عاما.. إيبيريشي إيزي يعود لأرسنال من الباب الكبير    رئيس حزب حقوق الإنسان والمواطنة: نصف الشعب من الشباب وهو ما يفرض مسؤولية كبيرة على الأحزاب    ضبط لحوم مجهولة المصدر في حملات تموينية مكثفة بكفر الشيخ    وزير العمل يمنح مكافأة مالية لعامل المزلقان" الذي أنقذ شابا ببني سويف    بينها الفائزان بسعفة كان ودب برلين.. 12 فيلما دوليا فى الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائى    "فستان محتشم وغطاء رأس".. أحدث ظهور ل بسمة بوسيل في مصر القديمة    هل يجوز الطلاق على الورق والزواج عرفي للحصول على المعاش؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز قراءة القرآن أثناء النوم على السرير؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف تدرب قلبك على الرضا بما قسمه الله لك؟.. يسري جبر يجيب    أوقاف الدقهلية تبدأ اختبارات أفضل الأصوات في تلاوة القرآن الكريم    أمين عام المصري الديمقراطي يلتقي رئيس الوطنية للإعلام    الجالية المصرية بهولندا: المصريون في الخارج داعمون للقيادة السياسية واستقرار الوطن    أحمد سامي يتظلم على قرار إيقافه وينفي ما جاء بتقرير حكم مباراة الإسماعيلي    فحص 578 مواطنا ضمن قوافل طبية مجانية بالبحيرة    رابطة الأندية تعلن عقوبات الأسبوع الثالث بالدورى.. إيقاف أحمد سامى 3 مباريات    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    اليونيفل: الوضع الأمني لجنوب لبنان هش ونرصد خروقات يومية لاتفاق 1701    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    "عبد الغفار" يتابع استعدادات "المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية -3"    وزارة الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    استشهاد 9 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة من قطاع غزة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    محافظ الجيزة يشدد علي التعامل الفوري مع أي متغيرات مكانية يتم رصدها واتخاذ الإجراءات القانونية    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفوضي والنظام والحرية‏
نشر في أخبار مصر يوم 24 - 03 - 2011

منذ بدء الانتفاضة الشعبية الديمقراطية الثورية في 25‏ يناير‏2011,‏ وثمة ميل عارم لدي بعضهم نحو الخوف علي المستويات شبه الجماعية والفردية والمهنية والسياسية والحزبية والعمالية والدينية‏.‏ خوف يبدو غامضا حينا وملتبسا قي أحيان أخري يشيع ويتمدد بين شرايين وخلايا فئات وشرائح اجتماعية عديدة‏.
الأثرياء ورجال الأعمال عند قمة الهرم الاجتماعي المختل‏.‏ بعضهم يخاف من الشكاوي والدعاوي التي يقدمها خصومهم أو بعض العاملين لديهم إلي النائب العام‏,‏ ومن ثم الخوف من المحاكمات الظنية أو الحقيقية علي ملفات فساد شامل لم يقتصر عليهم‏,‏ بل وامتد إلي قمة النظام ومراكز القوي التي سادت حوله‏.‏ بيئة نفسية وسياسية من عدم اليقين والسيولة والاضطراب وغياب الروئ والأخيلة السياسية الرصينة‏.

بث للخوف والرعب وروح التآمر‏,‏ وكأن الجميع يتأمر علي الجميع هكذا بلا ضبط ولا تمييز‏,‏ ولكنها نزعة سيطرت واستحكمت بهدف سيطرة قلة وفرض وصايتها وهيمنتها علي روح الأمة كلها من خلال تقسيمها إلي جماعات دينية‏,‏ وشظايا لا يربط بينها رابط جامع ولا موحدات ولا مشتركات اجتماعية وثقافية وسياسية‏,‏ وكأننا بلا رأسمال تاريخي‏,‏ ورمزي‏,‏ وخبراتي مشترك‏.‏ سياسة للتذرية وتحويل تاريخنا الحديث والمعاصر كله ولا اقول تاريخنا كله إلي شظايا وتفتت وانقسامات وكأننا ذراري‏..‏ وكأننا نعود إلي الدرجة الصفر عند نشأة المجتمعات البدائية حيث الخوف والذعر وحكم القوة والغلبة والسيطرة والتوحش‏.‏ هذا ما أشاعه ولا يزال بعض الغلاة والمتعصبين والعصاة مستغلين بيئة تحول سريع وتضاغط قوي دولية وإقليمية تريد تحويل الانتفاضة الثورية إلي هبة شعبية‏.‏
روح من فقدان المسئولية الأخلاقية والسياسية الوطنية بل والدينية لأطراف متعصبة لا يهمها سوي ظهورها في الإعلام المرئي والفضائيات وفي وسط الحشود الغفيرة كي تلتقط لها بعض الصور وبهدف إن يكونوا جزءا من مشاهد اللحظة وكأنهم صانعوها‏!‏ الخوف والزعر العمدي الذي يرمي إلي اضطراب الأسواق وإحجام رجال المال والأعمال عن الاستمرار في الاستثمار‏,‏ وإلي تهريب الأموال‏!‏ ولا أحد يطمئن أحدا‏!‏ ولا ضمانات تقال وبوضوح للجميع أن الثورة عندما تستكمل مقوماتها وتتحقق معالمها بنيويا من خلال تغيير النظام السياسي وقوانينه وهياكله والديمقراطية وحقوق الإنسان يشكلان البيئة الأكثر ملاءمة للاستثمار والمشروع الحر ذو الوجه الاجتماعي والإنسانوي‏,‏ وليس الاستبداد وقوانين الفوضي والفساد والأعراف وحكم القوة العارية عن الشرعية هو الذي يؤدي إلي ازدهار الرأسمالية والمشروع الخاص وقوانين السوق ذات الوجوه الاجتماعية العدالية‏.

السلطة الغاشمة المؤسسة علي القوة المادية لا حكم الدستور أو القانون هي التي أدت ولا تزال إلي تحالف الفساد والاستبداد وإلي دمج عصب البلطجية والإجرام في بعض منظومة الأمن‏,‏ وفي اعتماد بعض رجال المال والأعمال وكبار الفنانين وسواهم علي الأمن الخاص‏!‏ علي سواعد وأسلحة ومجموعات البودي جاردز Body Gurdes‏ وإلي اعتماد كثيرين في الحصول علي حقوقهم القانونية من خلال منظومة أمنية موازية تعمل خارج قانون الدولة‏,‏ وقادرة علي فرض قانونها الخاص‏,‏ قانون القوة والجريمة والبلطجة والترويع‏..‏ كل هذا كان جزءا من عمليات هدم الدولة الحديثة ومؤسساتها وعلي رأسها السياسية والأمنية والقانونية‏,‏ لأن الجميع تحولوا للدفاع عن مصالحهم الخاصة‏,‏ ولأن الفساد استشري في غالبية خلايا المجتمع الفئوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والدينية‏..‏ إلخ‏!

خوف شاع وتمدد قبل 25‏ يناير‏2011‏ المجيد‏,‏ وثمة علي ما يبدو سياسة عمدية من بعضهم لإشاعته كي يكون أداة الفوضي والاضطراب والانهيار لعقاب الأمة وغالبية أبنائها من الأجيال الجديدة للطبقة الوسطي المدنية‏,‏ والأغلبية الشعبية المعسورة كنتاج لضعف الوازعات الأخلاقية والوطنية لدي غالبية من يطلق عليهم الصفوة ورجال الدين‏,‏ وقادة الجماعات الدينية السياسية المرامي والمصالح‏,‏ وبعض الطامحين من رجال النظام الاستبدادي الفاسد للوثوب إلي كرسي الرئاسة الأول في البلاد في تواطوءات لا تخطئها سوي العيون الدامسة والقلوب التي يسكنها الغرض والهوي‏.

نزعة تشويه من الجميع إزاء الجميع حيث يتهم بعضهم الجميع بالاتهامات المرسلة والبلاغات التي تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب والادعاءات‏,‏ ولا يكاد غالب الناس يعرف عما إذا كان ما يحدث حقيقا أم أننا إزاء واقع افتراضي وأمام هلوسات أو إحدي روايات الرعب‏,‏ أو الواقعية السحرية الدامية‏!‏ نعم تختلط الأمور علي غالب الناس من حجم الفساد المعمم وتشابكاته ومؤشراته التي فاقت أخيلة الجميع وخاصة القلة القليلة الإصلاحية أو الثائرة ممن رفعوا لواء الخطاب السياسي والاجتماعي النقدي للنظام التسلطي ورموزه وفساداته في ظل هيمنته وسيادته وذلك في موضوعية ورصانة وعمق‏.‏ هل إشاعة بيئة الاتهامات والمحاكمات ترمي إلي إشغال الجمهور والأجيال الثائرة علي الاستبداد والفساد بينما تتم محاولة السطو علي الحدث الثوري‏,‏ وتحويله إلي متهم بإشاعة الفوضي وعدم الاستقرار والخوف؟‏!‏ بعضهم يذهب نحو هذا المنحي من التفكير‏!‏
ثمة حاجة إلي وقفة حاسمة وصارمة وضارية مع دعاة الفوضي وناشري الخوف والجرائم والترويع أيا كانت مكانتهم ونفوذهم‏.‏ إن معدلات ارتكاب الجرائم من الجانحين ومعتادي الإجرام ربما لم تزد كثيرا عما كان يرتكب قبل 25‏ يناير‏,‏ ومن ثم يبدو وبوضوح أن قيمة الدولة المركزية النهرية والحديثة الدولة‏/‏ الأمة ومواريثها وثقافتها سادت أثناء الحدث الثوري وبدا أنها قيمة راسخة في الوعي الجمعي للمصريين‏,‏ حيث سرعان ما نظموا أنفسهم علي نحو طوعي لحماية الممتلكات الخاصة والعامة‏,‏ وهذا الفهم والسلوك شبه الجمعي يعكس نتيجة إيجابية وهامة تقهر الخوف وتنتصر علي الفوضي والاضطراب الذي يحاول بعضهم إشاعته حتي لا يخضع للمساءلة القانونية والمحاكمة‏.

إن جيش مصر هو جيش الأمة المصرية كلها وجزء لا يتجزأ منها ومن حركتها الوطنية ومن عمليات الحداثة والتحديث المؤسسي ومن ثم يمثل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه في هذه اللحظة التاريخية الحرجة في تطور مصر من التسلطية إلي الديمقراطية وحكم القانون‏.‏ ويترتب علي ذلك عدم التشكيك في نزاهة مقصده وهو يحمي عملية التحول الثوري من دعاة الفوضي والإجرام‏,‏ وعدم الاستقرار إلي الدفاع الضاري عن الأمة‏/‏ والدولة المصرية الحديثة ومؤسساتها وقوانينها وحدودها‏,‏ والأهم أنه درع أبناء الأمة الشباب في مواجهة العصاة من دعاة الهدم والفوضي والانقضاض علي الانتفاضة الديمقراطية الثورية‏.‏
من هنا لابد من سرعة إصدار قرار بقانون وليس مرسوم لأنه من مخلفات اللغة القانونية في العصر الملكي من السلطة الفعلية يغلظ العقاب علي نحو رادع لأي تلاعب بالدين في السياسة‏,‏ أو الحض علي كراهية الأديان أو ازدرئها أو الاعتداء علي دور العبادة أيا كانت أو استخدامها في التعبئة السياسية والطائفية‏,‏ أو في محاولة السيطرة علي مساجد الدولة للخطابة فيها بدون ترخيص أو إذن مسبق من وزارة الأوقاف أو الأزهر الشريف‏,‏ أو إثارة الشائعات المغرضة بهدف الفتنة وإشاعة الفوضي‏..‏ إلخ‏,‏ وتقديمهم إلي المحاكمة العاجلة أمام محاكم أمن دولة أو عسكرية تحقيقا للردعيين العام والخاص‏,‏ وتجريم وقتي لمدي زمني وانتقالي محدد وتغليظ للعقاب علي بعض الأشكال المخططة لإشاعة الاضطراب والفوضي في بعض مؤسسات الدولة‏.‏ نحتاج إلي وقفة حازمة مع دعاة الفوضي وصانعي الخوف‏,‏ ولكن في ظل تصور جديد أكثر ديمقراطية وحرية ولخارطة طريق لدستور جديد لنظام نيابي برلماني‏,‏ وبيئة ملائمة لانتخابات ديمقراطية ونزيهة برلمانية‏,‏ ورئاسية في ظل تمديد للفترة الانتقالية كي تتدفق الدماء الجيلية الجديدة الديمقراطية والإنسانوية والعدالية إلي قلب السياسة المصرية‏..‏ من هنا نبدأ الطريق إلي مصر الجديدة‏!‏ وليس العودة المتأمرة لبعض العصاة والغلاة والفاسدين إلي ما قبل 25‏ يناير‏2011‏.
نقلا عن صحيفة "الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.