بفضل التكنولوجيا المتقدمة ووسائل الإتصال الحديثة ذابت الحدود بين دول العالم. غير أن الحدود بين مصر وسوريا تلاشت وإنصهرت منذ زمن بعيد بفضل التاريخ ووحدة اللغة والدين, حتي صارتا بلدا واحدة في عام1968 تحت إسم الجمهورية العربية المتحدة.. وإرتبط النيل بنهر بردي وتلاحم الشعبين بكل ود. غير أن السياسة دول, وعواصف التاريخ لا تهدأ, فراحت تشهد العلاقة بيننا صعودا وهبوطا حتي تردت تماما في السنوات الأخيرة من عهد مبارك. وفي بلاد كل ما فيها الآن يعيش بفورة الغضب, كان من المهم أن نلتقي بمثقف كبير مثل الدكتور رياض نعسان آغا لينقل لنا نبض الشارع في سوريا, وإحتمالية إنتقال عدوي الثورات العربية لبلاده. كما تطرق الحديث معه عن دور المثقف العربي في تشكيل الوعي ولم الشمل, والبحث عن سبل الحفاظ علي الهوية العربية. لمن لا يعرف: عمل الدكتور رياض آغا وزيرا للثقافة في سوريا من عام2006 إلي عام.2010 كما شغل منصب مديرا لمكتب الشؤون السياسية في رئاسة الجمهورية, ومستشارا سياسيا للرئيس الراحل حافظ الأسد حتي عام.2000 وله العديد من المؤلفات في السياسة والفنون والآداب والفلسفة, من أبرزها: بين السياسة والإعلام, بين السياسة والثقافة, من طيوب الذاكرة, العرب وتحديات القرن العشرين, القمة وقضايا الأمة... في أعقاب زلزال الثورات الذي يضرب بقوة العالم العربي هذه الأيام... كيف تنظر لهذه الظاهرة؟ - أعتقد أن النظام العربي الذي استهان بالشعب طويلا هو الذي أوصل البلاد إلي حالة الثورة, من ذلك, طول مدد الحكم الأبدي, والعناد المرضي الذي جعل الحكام يرفضون سماع مطالب الشعب, وسلسلة الانهيارات التي شهدتها الأمة بقيادتهم, و لم ينجح الحكام في شيء, لقد خسروا معارك الكرامة عبر انهزامهم أمام الغرب وخضوعهم العجيب لأوامر خارجية, وتوسلهم الدعم من الخارج ونسوا أن الدعم الحقيقي يكون من شعبهم, وكان مريعا ما شهده الوطن العربي من فساد وإسفاف, حتي صارت أنظمة الحكم فيه أنظمة عائلية, وكانت شعوب الأمة قد عاشت حالة إذلال منذ مطلع القرن الحادي والعشرين, وجدت نفسها متهمة بعروبتها, متهمة في دينها, وفي ثقافتها, فقد تم تشويه العروبة والإسلام دون أي اعتراض من الحكام العرب الذين أقروا بأن أمتهم مسئولة عن الإرهاب, وعن جريمة11 سبتمبر دون أن يطالبوا بأي تحقيق, وأقر كثير منهم بأن مقاومة الاحتلال في فلسطين وفي العراق إرهاب, وكانت حالة البطالة والفقر والضياع الفكري تحر ض الشباب الذين أوشكوا أن يفقدوا الأمل, لولا أنهم تفجروا في ثورات أعادت إليهم الحياة. هل تتوقع إنتقالها لسوريا خاصة أننا نشهد مظاهرات هناك الآن؟ وكمثقف سوري هل لك أن تعطينا فكرة عن هموم المواطن السوري؟ - سوريا حملت علي مدي العقد الأول من القرن الجديد مسئوليات قومية كبيرة من رفضها للحرب علي العراق إلي تمثيلها جبهة الممانعة والصمود, ودعمها المعلن للمقاومة في لبنان وفلسطين, ولكن هذا لا ينفي وجود مطالب لدي الشعب تتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي, وهو مطروح علي عمل الحكومة, وأنا شخصيا أتمني أن تقوم الحكومة بهذه الإصلاحات سريعا ودون أي ضغط من الشارع. كيف تابع الشارع السوري الثورة المصرية بعيونه؟ وكيف وصفتها وسائل الإعلام لديكم؟ - الشعب السوري عاش ثورة مصر بفرح غامر, لأن مصر هي العمود الفقري للأمة وكنا نشعر في عهد مبارك بأن ظهر الأمة مكسور, لكنه اليوم يستعيد عافيته بحمد الله وتعود مصر إلي دورها الريادي وحين تكون مصر قوية نجد الأمة كلها قوية. سيطر الفتور علي العلاقات المصرية- السورية خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك.. كيف تري مستقبل العلاقات بيننا بعد25 يناير؟ وما هي النقاط المشتركة بيننا التي تنصح بالتركيز عليها وتوطيدها؟ - كان الرئيس مبارك يريد أن يفرض علي سوريا مواقف لصالح إسرائيل, مثلا هو يريد أن يحقق أمام الغرب قدرته علي تحقيق لقاء مجاني بين سوريا وإسرائيل, وأخطأ مؤخرا في حساباته الإقليمية مع تركيا وإيران لإرضاء الغرب ناسيا أن علي الغرب أن يسعي لإرضائه وليس العكس, وكان يزعجه دعم سورية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية, ومع ذلك كنا نحرص علي أن تبقي العلاقات بين سوريا ومصر في منأي عن الخلافات السياسية, وقد استمرت العلاقات ولكن في حدود دنيا, ولاسيما في مجال التبادل التجاري, لكن علي سبيل المثال كان محزنا للسوريين أن يبيع مبارك الغاز للإسرائيليين ويرفض بيعه لسوريا رغم وجود اتفاقية عربية, والمهم الآن أن تعود العلاقات بين بلدينا إلي سابق عهدها من القوة والمتانة والمصالح المشتركة, فالأمة طائر ضخم جناحاه سوريا ومصر, إن ضعف أحد الجناحين أصيبت الأمة بالشلل. تختلف طبيعة الثورة في كل بلد حسب الجغرافيا والتاريخ والظروف السياسية. لكن لا شك أن هناك عوامل متشابهة هي سبب قيام تلك الثورات في بلادنا.. ما هي هذه العوامل المحرضة المشتركة بيننا من وجهة نظركم؟ - اعتقد أن الشعب العربي أوضح التشابه في ثوراته حتي في أسماء أيام غضبه فالجميع لديهم جمعة غضب وجمعة كرامة وجمعة حرية وجمعة حسم, هذه العناوين تدل علي التشابه فالاستبداد متشابه في أخلاقه الفاسدة, وطعم الظلم والفقر واحد. بعد أن كان فولتير ومونتسكيو وروسو هم ملهمون الثورة الفرنسية كمثقفين, كشفت الثورة المصرية ومن قبلها التونسية عن أهمية الشبكة العنكبوتية ومدي تأثيرها الخطير في تحريك الجماهير... هل يعني هذا أن دور المثقف والكتاب تواري؟ وكيف لنا أن نستعيد هذا الدور من الجديد؟ - تأثر الثورات بالتقنية لا يعني أكثر من الاستفادة المثلي من معطيات العصر, وهذه التقنيات سميت ثورات فقد اصطلحنا منذ ظهورها علي تسميتها( ثورة المعلومات, وثورة الاتصالات) بمعني أننا كنا نفهم أنها وسائل ثورة, وأعجب كيف يمكن أن نظن أن الذين استخدموا هذه الثورات التقنية ليسوا مثقفين, وهل قام بالثورة أناس جهلاء؟ إنهم المثقفون غير التقليديين الذين اشتغلوا علي صفحات الفيس بوك, وسواها, والمثقف ليس بالضرورة من يكتب رواية أو قصة قصيرة, أو قصيدة شعرية, المثقف هو رائد قومه, وكل من من شارك في الثورة مثقف, والذين أشعلوا فتيل الثورة جامعيون ومثقفون سياسيا واجتماعيا وفكريا, وأما ما يسمي الوسط الثقافي ففيه من غذي الوجدان العام عبر عقود طويلة بأعمال رسخت الثوابت في الوجدان الشعبي العام. البعض ينادي بإلغاء وزارات الثقافة.. ما هو تعليقكم؟ - لو ألغينا الوزارة فسيكون الإلغاء شكليا, سنجد مجلس أعلي يرأسه من له رتبة أو مهمة وزير, والمهم هو المضمون وليس الشكل, وأنا شخصيا لست مع الإلغاء خشية أن يضعف الدعم الحكومي للثقافة, ولو أن الحالة الاقتصادية لبلادنا قادرة علي دعم الثقافة عبر مؤسسات ضخمة لكان ممكنا الاستغناء عن الدعم الحكومي. في اليابان مثلا( مؤسسة اليابان) تدعم الثقافة والتعليم والتنمية وتكاد تكون حكومة بقدراتها الاقتصادية, وهكذا في الولاياتالمتحدة, ويجب ألا نقلد الغرب حتي تصير لدينا حالة مكافئة في الاقتصاد الوطني. كيف نضمن الحفاظ علي هويتنا العربية في عالم الأنترنت وتكنولوجيا المعلومات التي هي بالأساس صناعة غربية؟ - كونها صناعة غربية لا تعني تهديدا لثقافتنا, فنحن شركاء في اختراعات البشرية عبر التراكم المعرفي, وأهل الصين اخترعوا الورق, وأهل الهند اخترعوا الصفر قديما والإيميل حديثا, وأهل سوريا اخترعوا المتر والكيلوجرام ثم الأبجدية, وأهل مصر قدموا عشرة آلاف عام من الإنجاز الحضاري, وعلماؤنا العرب مؤسسون في الحضارة الإنسانية, وهم موجودون ومشاركون اليوم حتي في وكالة ناسا, والتقدم العلمي اليوم عالمي لا ينسب لشرق أو غرب, المهم أن يبقي فكرنا سليما كي نضيف إلي الحضارة الإنسانية ونستعيد دورنا, وضمانة الشعور بالهوية جسدته الثورات التي كشفت أن كل ما مر علي الأمة من تأثيرات خارجية, لم يبدل في انتمائها الوطني والعربي والإسلامي شيئا, حسبنا دليلا ما كان يحدث في ساحة التحرير من شعور مصري عربي ضخم, ومن ثوابت مسيحية وإسلامية مندمجة في ثقافة واحدة رغم سعة انفتاحها علي العالم. ما هو الدور المنوط للمثقف العربي كي يسهم في وحدة العالم العربي؟ وهل تقترح مشروع مشترك يجمع المثقفين العرب؟ - المشروع واضح, هو التشبث بالعروبة والإسلام, هما مشروعنا القومي المشترك. وبدون العروبة والإسلام نتحول إلي شركة شرق أوسطية وهذا ما كانت تحلم به الصهيونية تحت مسمي الشرق الأوسط الجديد الخالي من العروبة والإسلام. عرفناك كاتبا ووزيرا للثقافة.. فهل قيدت السلطة دورك كمثقف في يوم من الأيام؟ - لقد منحتني الوزارة حضورا ثقافيا كبيرا في الوطن العربي ولم تفتني السلطة رغم بقائي فيها مدة طويلة بين مواقع متعددة, وأحمد الله أنني رأيتها فرصة لخدمة المشروع الثقافي العروبي الإسلامي, وتعاملت مع المنصب علي أنه مهمة وطنية وخدمة عامة في حالة مؤقتة, ولم يقيدني العمل الحكومي في شيء, ولم يغير انتهاؤه بالنسبة لي شيئا في حياتي. كنت وما زلت أعيش حياة الكاتب. وأخيرا.. كيف تري مستقبل العالم العربي وشعوبه في ظل الأوضاع الراهنة؟ - أخطر التحديات الآن هو الحفاظ علي الثورات ومكتسباتها, أخاف أن تسرق بعض أهدافها وأن يسارع الانتهازيون لإفراغها من مضامينها وهم خبراء أكثر من الثوريين في التهام المكاسب, لذلك أرجو أن يبقي عمداء الثورة قابضين علي جمرها.