استوقفني ما نشرته جريدة الأهرام أخيرا عن وجود جريمة مكتملة الأركان تتعلق بنفوق مئات الأطنان من الأسماك ببحيرة مريوط والتلوث الخطير الناجم عن المخلفات الصناعية لشركات البترول وتدمير حوض ال3 آلاف فدان. مما ينذر بخطر محدق علي صحة الإنسان والأسماك, فإن الأمر جد خطير. جدير بالذكر أنه باستقراء أحكام التشريعات المتصلة بشئون البيئة والمياه والبحيرات تضافرت جميعها علي حظر صرف أو إلقاء المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية التي تصدر من المنشآت جميعها, وعمليات الصرف الصحي في مجاري المياه, ومنها البحيرات, وأنه في حالة الترخيص بصرف هذه المخلفات, فإن علي الجهة المرخصة بذلك, أن تراعي المعايير والمواصفات المقررة قانونا, بحيث يتعين فيما يرخص بصرفه علي المجاري المائية والبحيرات أن يكون الصرف معالجا, وفق المعايير التي حددها القانون تحديدا. وقد ألزم القانون الجهة الإدارية أن تجري تحليلات متعاقبة دورية وغير دورية ومفاجئة للوقوف علي أن صرف هذه المخلفات لا يتجاوز الحدود القصوي للمعايير والمواصفات لكل من مياه الصرف الصحي, والمخلفات الصناعية السائلة التي يرخص بصرفها إلي مسطحات المياه غير العذبة ومن بينها البحيرات. ولا مرية في أن المشرع لم يجعل من إجراء التحليلات علي عينات مما يصب في البحيرات غاية في ذاته, وإنما رتب حكما بمقتضاه أنه إذا ثبت أن صرف تلك المخلفات يخالف المواصفات والمعايير المحددة قانونا, بحيث يترتب علي هذا الصرف ثمة خطورة تكشف عن تلوث مجاري المياه أو البحيرات فيتعين إزالة مسببات الضرر فورا, أي أنه يتعين صراحة وقف الصرف فورا, وسحب الترخيص به دون توان. وينبغي أن نشير إلي أن المشرع ألزم الجهة الإدارية المختصة بأن تراقب معالجة المخلفات, التي تلتزم بها الجهات التي يصرح لها بإلقاء مخلفاتها علي المسطحات المائية, أن تتحقق من مطابقة هذه المخلفات للمواصفات والمعايير المحددة قانونا, ولخطورة الصرف علي المسطحات المائية, ومنها البحيرات, حرص المشرع بصدد المواد الكيماوية اللازمة للمعالجة,علي ألا يكون من شأن استعمالها تلوث مجاري المياه, مما يكشف عن تشدد المشرع وغاية حرصه علي نقاء المسطحات المائية والبحيرات, للحيلولة دون تلوثها, لما تشكله من ثروة قومية, وما ينتج عن التلوث من أضرار بالبيئة والانسان والكائنات. وترتيبا علي ما تقدم فإن المشرع قد وضع حكما خاصا في حالة مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية السائلة المختلطة بمياه الصرف الصحي إلي المسطحات المائية غير العذبة ومنها البحيرات, بأن أوجب ضرورة معالجة المياه المصروفة وتطهيرها بالكلور قبل صرفها, بحيث لا يقل الكلور المتبقي بها بعد عشرين دقيقة من اضافته عن0.50 ملليجرام, وأوجب أن تكون أجهزة ومواد التطهير متوافرة وجاهزة للعمل بصفة مستمرة لإنجاز المعالجة حتي لا يفلت شيء منها يصرف إلي المسطحات المائية دون إجراء المعالجة الكافية, التزاما بالمعايير والمواصفات التي استوجبها المشرع, كما أنه خص البحيرات بحكم خاص, بألا يزيد عدد البكتيريا في مصايد الأسماك علي حد معين, وذلك حفاظا علي الثروة السمكية, وعدم تأثير صرف المخلفات علي مصايد الأسماك, بل إن المشرع رصد عقوبات جنائية علي مخالفة أحكامه سالفة البيان, محافظة علي نقاء البيئة بما يكفل عدم تعرض الانسان أو الحيوان أو النبات أو البحيرات وسائر مكونات البيئة, من أية أضرار تؤثر علي البيئة علي نحو يقلل من قيمتها أو يشوه من طبيعتها البيئية أو يستنزف مواردها أو يضر بالكائنات الحية, مستهدفا بذلك إضفاء الحماية والمحافظة علي مكونات البيئة, والارتقاء بها, ومنع تدهورها, أو تلوثها, للحيلولة دون حدوث ما يهدد صحة الإنسان أو يعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك, والأنشطة السياحية والمحافظة علي صلاحية مياه البحيرات دون تغيير خواصها أو ينتقص من التمتع بها علي أي نحو كان. ونظرا لقناعة مشرعنا المصري بقيمة أبحاث العلماء في مجال الحفاظ علي البيئة من التلوث أفرد في القانون رقم124 لسنة1983 بإصدار قانون صيد الأسماك والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية فصلا مستقلا, هو الفصل الثالث منه, عنونه في البحوث العلمية والإحصاء وجعل من خلال أحكامه, لجهود العلماء الباحثين والجهات العلمية والفنية المتخصصة والجهات المعنية بالبحوث المائية, دورا مهما وقيمة فاعلة, قاصدا من ذلك خدمة البحيرات والمحافظة عليها, وزيادة الثروة السمكية وتعمير مناطق أخري من مناطق الصيد, مما يتعين معه أن تكون جهود العلماء في بحوثهم العلمية محل اعتبار لدي السلطات التنفيذية, للحفاظ علي ثروات الوطن, وإلا أضحي النص عليها, بنصوص آمرة لإجراء تجاربهم وأبحاثهم ووجوب تقديم جميع البيانات الإحصائية إليهم المتعلقة بالصيد والإنتاج السمكي والتسويق بالتنسيق مع الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية يفرغ تلك النصوص من مضمونها, بل ويجعل النص عليها من قبيل العبث وهو أمر يتنزه عنه المشرع المصري. وعلي هدي ما تقدم وما قرره العلماء والباحثون والجهات المعنية بالبحوث المائية والبيئية وهو ما عبرت عنه جريدة الأهرام عبر عدة تحقيقات علي مدي سنوات عدة أن الجهة الإدارية لا تلتزم بالحفاظ علي المواصفات والمعايير التي أوجبتها التشريعات المتنوعة في مخلفات الصرف الصناعي والزراعي والصحي التي تجد طريقا سهلا للتخلص منها في مياه بحيرة مريوط, دون الوقوف علي مقدار المعالجة التي استوجبتها تلك التشريعات, بل إن هؤلاء العلماء دونوا في أبحاثهم أن التحليلات والتجارب التي أجروها علي مياه بحيرة مريوط قد كشفت عن تشبعها بالملوثات والسموم, التي أثرت فعلا علي خواصها, وأفسدت وأضرت الكائنات الحية فيها, وأدت إلي نفوق أعداد تفوق الحصر من الأسماك بل إن الأسماك التي تجوب هذه البحيرات قد غدت ملوثة بحيث تؤثر علي صحة المواطنين تأثيرا مؤكدا, كما أن حصيلة الصيد أضمحلت إلي حد لم يجد الصيادون فيه دورا لهم للاستمرار في مهنتهم, فالصيد قليل, ومشوب بالمرض والسوء, مما ينعكس علي حالتهم الاجتماعية والاقتصادية, وباتت مشكلة الصيادين قد لاكتها أجهزة الإعلام دون أن تجد حلا, فضلا عن أن البحيرة قد أضحت مكانا غير مستحب, بعد أن كانت مكانا ترويحيا لكثير من المواطنين والسائحين. ومما لا ريب فيه, أن البحث العلمي إن لم يجد سبيلا للاحتفاء به, والعمل علي هديه, يجعل العلم مضيعة, والمال هباء منثورا, وقد أجمعت الدراسات العلمية علي أن الصرف الصناعي والزراعي بمختلف أصنافه الذي يصب في بحيرة مريوط دون إجراء المعالجة الكاملة الكافية لمنع التلوث, إذ أن ما تلجأ إليه الجهة الإدارية في بعض أنواع الصرف يعد أوليا ابتدائيا فقط ولا يرقي إلي المعالجة المتكاملة, والبعض الآخر دون إجراء ثمة معالجة علي الإطلاق بالمخالفة لأحكام التشريعات المتنوعة سالفة البيان, وهي معالجة باتت ضرورية وجوهرية متعارفا عليها علميا, وزخرت بها كتب العلماء وأبحاثهم, وهو ما رددته وسائل الإعلام المختلفة, لكن مازال الوضع ثابتا لا يتغير, وتزداد البحيرة سموما يوما بعد يوم.