ليلي حافظ كشف مجموعة من خبراء الاثار وعلوم المصريات في مصر وفي الخارج عن حقيقة ما حدث فيما يخص آثار مصر خلال ثورة 25 يناير, وكيف قام الشعب بحماية آثاره في مختلف أنحاء البلاد.. ونشرت تلك الشهادة في مجلة نيوستيتسمان البريطانية بتاريخ7 مارس الحالي بتوقيع ثمانية من خبراء الآثار المصريين وغير المصريين وتم إهدائها إلي أرواح شهداء الثورة. ونحن ننشر تلك المقالة بعد ترجمتها, لتكون شهادة علي موقف المواطنين العاديين من آثارهم.. وقد حملت المقالة توقيع كل من فايزة هيكل, ستيفن كويرك, عكاشة الدالي, ويليام كاروثروس, مروة حلمي, نيكولاوس لازاريدس, كارين إكسل, وتاليا نص المقالة: تدعو الثورات إلي التغيير الجذري, فهل المتاحف وعلماء الاثار في الغرب مستعدون لهذا؟ أم أنهم يفضلون كالعادة وكما هو الحال بالنسبة لحكومة بلادهم استمرار الوضع القائم لتحقيق مصالحهم؟ إن العنصرية والتعصب في ردود الأفعال الخارجية تجاه حماية الآثار المصرية إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير تمثل استفزازا وإهانة. ففي أحداث النضال في سبيل الحرية, ومن أجل الحصول علي الحقوق التي تعتبرها بعض الدول من المسلمات, فقد, علي أقل تقدير,350 شابا مصريا حياته, كما أصيب عدد أكثر من ذلك بالمئات بإصابات سوف تخلف آثارا عليهم إلي الأبد. وفي خضم هذا النضال, خاطر العديدون من مختلف شرائح المجتمع بأرواحهم من أجل حماية المتاحف والمواقع الأثرية. وبالرعم من ذلك, وبعد التقارير التي بثت الذعر تجاه أحداث النهب التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربي والمدونات المختصة بعلم الآثار, سادت حالة من الدهشة المصحوبة بالصمت بعد أن تبين المبالغة في تلك التقارير وموقف الأهالي من الأحداث. إن تصدي الناس في مصر لمحاولات النهب هو موضوع لم يحظ بالقدر الكافي من اهتمام الصحافة, ففي القاهرة دافع الناس عن المتاحف, وفي الاسكندرية, أحاط الطلاب بمكتبة الاسكندرية من أجل حمايتها. ولقد سمعنا من خلال بعض أصدقائنا وزملائنا قصصا استثنائية تعكس شجاعة المواطنين, فقص البعض عن محاولات مفتشي الآثار درء الهجمات المسلحة عن مخازن الآثار, وقص البعض الآخر عن أمناء المتاحف الذين ساروا أميالا في شوارع المدن وسط دوي إطلاق النار من أجل الانضمام إلي حرس المتاحف. وعندما اختفت الشرطة من الشوارع, عكف المواطنون المصريون العاديون علي الدفاع عن أنفسهم, وقد شملت كلمة أنفسهم كل ما هو متعلق بالآثار أيضا. وعلي ما يبدو فإن هذا التصدي قد فاجأ الخارج, ويبدو أنه قد تسبب في خيبة أمل لهؤلاء الذين يشترون الآثار ويشمل هؤلاء المتاحف, كبيرة كانت أم صغيرة, وكذلك أصحاب المجموعات الخاصة بدون معرفة أو الاهتمام بالطريقة التي وصلت بها تلك الآثار للسوق الفنية الأوروبية أو الأمريكية أو الآسيوية, إن هذا الشعور بالمفاجأة, والذي يشعر به أيضا الأجانب المتعاطفون مع الموقف, هوفي ذاته الإهانة الكبري, والرد المصري عليه هو كالتالي: هذه هي مصر التي لاتعرفونها, والتي لاترونها, والتي لا تريدون أن تروها, وسوف تستمرون في تكرار خطأكم هذا. عادة ما يقال أن التراث المصري هو تراث عالمي. قد يكون ذلك صحيحا, ولكنه أيضا تراث مصري بشكل خاص: فنحن لم نر العالم, ممثلا في علماء آثار غير مصريين أو مجموعات من السائحين, ضمن تلك الكردونات البشرية التي دافع عن المتاحف, والتي برهنت عن قيمة تلك الأماكن في نفوس المصريين, وهو الأمر الذي جاء علي عكس توقعات الأجانب. وعلي خلاف أشهر المتاحف في الغرب, تضم المتاحف المصرية التراث القومي للبلد ذاته, والذي يعد فخرا قوميا لأمة تري في نفسها, بل ويراها الآخرون من خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير, معلمة للعالم. وفيما يلي بعض التغييرات الجذرية التي ينبغي أن نضع في اعتبارنا تحقيقها في الفترة القادمة: أولا: إلي جانب إعادة أرصدة النظام السابق إلي مصر, يجب علي العالم الخارجي أن يضع نهاية لأي مشاركة له في نشاط تهريب الآثار غير المشروع, والذي يعد من أضخم فئات الاتجار الممنوع, إلي جانب تجارة المخدرات والأسلحة. إن مصر قادرة علي تأمين تراثها داخل حدودها وبطريقتها الخاصة, كما أن لديها ما يلزمها من خبرات سواء كان ذلك في مجال الحفاظ علي التراث أوالمتخصصين في التاريخ, ولكن لابد أن تتوقف الضغوط الخارجية, فالحكومات الغربية يمكنها أن تضع نهاية للممارسات التي من شأنها دعم عمليات النهب, إذ إن تلك الحكومات يمكنها أن تقوم بإغلاق مخازن المناطق الحرة بالمطارات والتي تمتلئ بالآثار المسروقة, كما أنها تستطيع أن تلغي تصاريح بيع أو شراء الآثار غير المسجلة. وجدير بالذكر أن تجارة الآثار سمة عالمية, ولكنها تظهر فقط في حالة وجود سوق يمكن من خلالها تهريب تلك الآثار وبيعها. ومن ثم يجب علي المجتمع الدولي أن يمارس دورا فعالا من أجل القضاء علي هذا الضغط الشديد الذي يمارسه الخارج ضد التراث في داخل مصر أو غيرها من البلاد. ثانيا: ينبغي أن يتم تقدير أو علي الأقل احترام الطلبات التي تقدمت بها مصر لاسترداد آثارها. فقبل ثورة الخامس والعشرين من يناير قامت العديد من المتاحف برد قطع أثرية, كمادارت بعض المناقشات حول إعارة هذه المتاحف قطعا متميزة من مجموعاتها لمصر بغرض أقامة معارض, وهذه أمور لم نكن نسمع بها في العقود الماضية. وتتيح الثورة المصرية الفرصة لهيكلة العلاقة مع البلدان الأخري حول تلك المسألة, فمن خلال مشاركة شعب بأكمله في تخطيط مستقبله وهو وضع جديد عن ذي قبل قد تطرأ مطالب مختلفة وخلاقة من أجل سد الفجوات الموجودة في التاريخ( بدءا من العصر الحديث ونزولا إلي العصور الوسطي, فالعصر الفرعوني, ووصولا إلي فترة ما قبل التاريخ) والمتمثلة في غياب بعض القطع المهمة عن المتاحف المصرية. ويجب أن تكون هذه الطلبات موضع ترحيب, إذ إنها صدرت من بلد خاطر بالكثير من أجل إنقاذ متاحفه. ويمكن أيضا للمنظمات الغربية أن تقوم بدعوة مصر للمشاركة في المناقشات التي تدور حول التنقلات المستمرة للآثار المصرية, وذلك علي غرار بعض المبادرات مثل برنامج بريطانيا المعروف باسم المجموعات الفعالة. ويمكن تطبيق سياسة التواصل هذه مع أي بلد آخر, وهذا هو تأثير آخر من تأثيرات ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أظهر الشعب من خلالها المكانة التي يشغلها التراث في حياته. ثالثا: قد يتمثل التغيير الجذري الثالث في التحول نحو علم آثار مصري, حيث تعني كلمة مصري هنا أنه من المصريين وفي داخل مصر, إن المبادرة الأساسية في هذه النقطة يجب أن تأتي من داخل مصر, بدءا بمطالبة غير مسبوقة لدعم العملية التعليمية إلي تنشيط للجامعات والبحث العلمي. وهناك بالفعل بعثات دولية في مجال العمل الأثري تساهم في توفير تدريب للمصريين في مجال المسح الأثري والتنقيب, وبالرغم من ذلك فإن الوضع في مصر أبعد ما يكون عن التوازن الموجود في بلدان مثل اليونان والصين, ففي الوقت الحالي تستضيف مصر العشرات من البعثات الأثرية الأجنبية من بلدان لا تستضيف ولن تفكر بأي حال من الأحوال في استضافة بعثة مصرية من أي نوع, فيبدو أن مصطلح الامتياز الذي يعود إلي العصر العثماني مازال هو المصطلح التقني لتوصيف العمل الأجنبي في المواقع المصرية. وقد تكون ثورة التكنولوجيا في تطبيقات علم الأثار بالغرب, والتي تقتضي مواكبة أكثر التقنيات تطورا, سببا جزئيا لهذا النوع من انعدام التوازن. ويصاحب هذه الثورة التكنولوجية بصمة كربونية ضارة( تتمثل في تفضيل الطلاب الأجانب غير المدربين إلي جانب المتخصصين), كما أن تلك الثورة تتخذ ذريعة( بشكل يشابه استعمارا حديثا) من أجل استبعاد العناصر المصرية. ومن ثم فقد أدت القلة العددية للباحثين المصريين في البعثات غير المصرية إلي توسيع الفجوة بين المصري والأجنبي. ويمكن لمصر ما بعد الثورة أن تتيح المزيد من العمل المشترك إذا تم البناء علي أفضل المبادرات الموجودة حاليا, حيث لا مجال لكلمة موقعنا التي كانت تتردد علي لسان البعثات الأجنبية( إشارة إلي مكان عمل البعثة), فبدلا من ذلك سوف يكون عمل الأثريين الأجانب في مصر ما هو إلا إدارة مشتركة وفرق عمل مصرية وأجنبية متساوية. وفي المستقبل سوف يكون العمل الأثري المصري مصريا, مثلما هو الحال بالنسبة للعمل الأثري الإنجليزي أو الهولندي, والذي سوف تمثل فيه المشاركة استجابة لدعوة مصرية: دعوة لهؤلاء الذين يجدون الإلهام علي أرض هذا البلد الملهم.