تعد البورصة وسيلة فعالة لتوفير التمويل متوسط وطويل الأجل للمشروعات. وهو الأمر الذي ستزداد الحاجة إليه خلال المرحلة الحالية والمقبلة فيما بعد52 يناير. في ظل توقع تردد البنوك التجارية في تمويل المشروعات. بسبب حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الاقتصاد. والصعوبات التي تواجه حصولها علي مستحقاتها لدي المقترضين. إلا أنه من المهم أيضا التذكير بأن البورصة التي توفر التمويل للمشروعات هي سوق الإصدار وليست سوق التداول. حيث لا يعرف الكثيرون أن البورصة تنقسم إلي سوقين, هما سوق الإصدار وسوق التداول. أو السوق الأولي والسوق الثانوي فسوق الإصدار هي السوق التي يتم من خلالها إنشاء المشروعات بواسطة آلية إصدار الأسهم. وأنه لأغراض طمأنة أصحاب الأسهم داخل سوق الإصدار. علي إمكانية تخلصهم من تلك الأسهم في الوقت الذي يرغبون فيه. تم إنشاء سوق التداول وهي التي نسميها البورصة بمقرها الكائن بشارع الشريفين. بحيث يتجه إليها الراغبون في بيع ما لديهم من أسهم. كي يشتريها منهم مستثمرون آخرون. وبحيث تتم عمليات البيع والشراء بعيدا عن أسوار الشركات. التي حصلت علي رأسمالها من خلال الأسهم كي تتفرغ للإنتاج والتحسين والتطوير. وللتدليل علي ذلك نشير إلي أنه خلال العام الماضي بلغ حجم تعاملات سوق الإصدار المصري461 مليار جنيه ونصف المليار. توزعت ما بين21 مليار جنيه تم بموجبها تأسس0222 شركة جديدة وتوجيه731 مليار ونصف لزيادة رءوس أموال9121 شركة. و51 مليار جنيه عبارة عن تسع إصدارات للسندات من قبل شركات ومؤسسات لتمويل أنشطتها. وهكذا يصب سوق الإصدار في نشأة شركات جديدة أو التوسع بالشركات القائمة. بما يزيد من المعروض من السلع والخدمات بالأسواق. والتي تسهم في تقليل حدة التضخم وتقليل العجز المزمن بالميزان التجاري نتيجة نقص الصادرات عن الواردات. وبما يوفر فرص عمل جديدة. تقلل من معدلات البطالة المرتفعة. أما تعاملات سوق التداول بالعام الماضي فبلغت123 مليار جنيه. بتداول33 مليار ورقة مالية خلال عشرة ملايين صفقة بين البائعين والمشترين لتلك الأسهم والسندات. أي أن تلك المبالغ كانت عبارة عن عمليات إنتقال لقيمة الأوراق المالية ما بين البائعين إلي المشترين. دون أن تنعكس علي الناتج المحلي الإجمالي بشيء ملموس. أي أنها لم تسهم في إضافة آلة واحدة أو فرصة عمل في مصنع أو مزرعة. وهكذا يتضح أن السوق الأهم للاقتصاد هي سوق الإصدار. مع الأخذ في الاعتبار ضرورة وجود سوق تداول نشيط. حيث أن ذلك من شأنه تعزيز الإقبال علي التعامل مع أنشطة سوق الإصدار. فإذا شبهنا سوق الإصدار بمبني فإن سوق التداول تمثل البوابة لذلك المبني. ومن غير المعقول أن يكون حجم البوابة أكبر من حجم المبني. وهو ما يحدث منذ سنوات حين طغي الاهتمام لسوق التداول علي سوق الإصدار. وزيادة حجم تعاملاته عن سوق الإصدار. ففي العام الأسبق بلغت قيمة تعاملات سوق التداول844 مليار جنيه مقابل37 مليارا لسوق الإصدار. وفي عام8002 كانت تعاملات سوق التداول035 مليارا مقابل38 مليارا لسوق الإصدار. ليصل اجمالي تعاملات سوق التداول خلال السنوات الخمس الماضية1 تريليون و949 مليار جنيه مقابل315 مليارا لسوق الاصدار. أي أن قيمة تعاملات سوق التداول بلغت أربعة أضعاف سوق الإصدار. وفي المرحلة الجديدة التي نأمل فيها الخروج من حالة العجز المزمن بالميزان التجاري. وارتفاع حجم الواردات في ظل نسب الإكتفاء الضعيفة من غالبية أنواع الغذاء. مما ينقل إلينا الأسعار الخارجية المرتفعة. كما هو الحال حاليا في أسعار الحبوب والمشقات البترولية. خاصة أن مصر مستورد صاف للبترول منذ عام7002 وحتي الآن. فإن سوق الإصدار يمثل بالنسبة لنا فرصة ذهبية. ومن هنا فإن توجيه البنوك العامة بما لديها من فوائض لمساندة سوق التداول. أولي بها مساندة سوق الإصدار من خلال المشاركة في تأسيس الشركات الجديدة وفي زيادة رءوس أموال المشروعات القائمة. ونفس الأمر بالنسبة للدعوة النبيلة التي سرت بين الشباب بشراء أسهم في حدود مائة جنيه. فإنه من الأفضل توجيه تلك الأموال إلي سوق الإصدار من خلال انشاء شركات جديدة بالأقاليم بما يساهم في التنمية المحلية. بعكس توجيهها لسوق التداول. لتكون مجرد وجبة سريعة يلتهمها حيتان السوق في وجبة واحدة أو جلسة تعامل واحدة. ونفس التحذير من توجيه أموال الشباب الراغبين في عمل شيء من أجل مصر, بشراء وثائق صناديق الاستثمار. حيث أن غالبية الصناديق تستثمر أموالها في سوق التداول. حيث لا يوجد سوي صندوقين فقط مباشرين أي يستثمران في الأصول من بين37 صندوق استثمار تعمل بالسوق. أي أن غالبية صناديق الاستثمار تتجه باستثماراتها لسوق التداول التي شبهها الدكتور الجنزوري أخيرا بأنها أشبه بصالة قمار لمصلحة الحيتان. ويتحمس البعض للشراء بمبرر رخص أسعار الأسهم حاليا. وينسي هؤلاء أن تلك الأسعار متضمنة ما يسمي المخاطر السياسية. مما قد يجعل تلك الأسعار غالية وليست رخيصة. ويجب الأخذ في الاعتبار أن سوق التداول خلال السنوات الأخيرة كانت بمثابة وسيلة لتسرب أموال المصريين للخارج. من خلال المكاسب التي حققها المستثمرون الأجانب بالبورصة المصرية علي حساب المستثمرين المصريين الأقل خبرة. خلال السنوات المالية الممتدة بين7002/6002 وحتي8002/.9002 بل أن صافي تعاملات الأجانب بالبورصة المصرية خلال العام المالي8002/.9002 أسفر عن صافي تدفق للخارج بلغ9 مليارات و112 مليون دولار. أي نحو ضعف ايرادات قناة السويس التي بلغت بنفس العام المالي أقل من خمس مليارات من الدولارات. كما أن سيادة عوامل المضاربة والربح السريع الطاغية علي تعاملات سوق التداول. والتي يمكن من خلالها تحقيق ربح يومي يمكن أن يصل إلي02% معفاة تماما من الضرائب. قد أثر سلبيا علي تفضيل الكثيرين لهذا النمط الاستثماري علي حساب الإيداع المصرفي الذي يعطي عائدا سنويا يبلغ متوسطة6%. علي حساب الاستثمار الزراعي الذي يتطلب الانتظار عدة أشهر حتي يتم الحصاد. أو إلي النشاط التجاري الذي يتطلب الإنتظار فترة أطول أو إلي النشاط الصناعي الذي يحتاج إلي ثلاث سنوات علي الأقل حتي يبدأ الإنتاج وتكون هناك أرباح. وفي ظل معطيات مرحلة الخامس والعشرين من يناير علينا توجيه حوافز الاستثمار إلي المشروعات الإنتاجية. لتكون أكثر جاذبية من سوق التداول الذي كون طبقة من المضاربين الذين يكررون أساليبهم وتلاعبهم في أسواق أخري مثل سوق الأراضي العقارات وسوق الصرف. بنفخ الأسعار علي غير حقيقتها لتحقيق المكاسب العالية السريعة. لقد حققت سوق التداول التي هيمن عليها أصحاب النفوذ وكبار رجال الأعمال مكاسب هائلة لهم. علي حساب شح ضخ الأموال إلي قطاعات الاقتصاد الحقيقي من زراعة وصناعة. ليدفع المجتمع الثمن من استقراره وتراجع مكانته. وزيادة ديونه الداخلية والخارجية وتزايد معدلات البطالة وتدني مستوي المعيشة. لذا يصبح من المفيد أن ندير بوصلة البورصة لتكون إلي مصلحة الاقتصاد كوسيلة للتمويل متوسط وطويل الأجل. لا أن يصبح الاقتصاد في خدمة سوق التداول كما كان الحال خلال السنوات الماضية.