كان في العشرين من عمره, عندما عمت ثورة الشباب أوروبا الغربية عام8691, وانخرط يوشكا فيشر في غمارها, فقد كان عضوا فاعلا ومؤثرا في جماعة ألمانية اسمها النضال الثوري. وقد توهج عقله وتألق وجدانه من فرط قراءات عميقة وواعية للفلاسفة الألمان, وفي مقدمتهم هيجل وكارل ماركس, وكان ما يسعي إليه مزيدا من الحرية والعدالة الاجتماعية. ولم تكن حركة النضال الثوري التي ينتمي إليها فيشر تؤمن بالعنف, وإنما كانت تجمح الي الاعتدال والحوار, ولعل هذا ما حدا به للانضمام الي عضوية حزب الخضر عام2891, وتمكن الحزب, في ظل زعامة فيشر, من الفوز في الانتخابات العامة الفاصلة والحاسمة لعام8991, وهي انتخابات أطاح خلالها جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية بالمستشار هيلموت كول وحزبه المسيحي الديمقراطي, الذي استمر في الحكم نحو ستة عشر عاما. وشكل فيشر وحزبه مع المستشار جيرهارد شرودر وحزبه الاشتراكي الديمقراطي تحالف الحمر والخضر, وصار وزيرا للخارجية الألمانية, غير أن تحالف الخضر والاشتراكيين تصدعت أركانه بعد ثماني سنوات في السلطة, ولذلك فاز الحزب المسيحي الديمقراطي في سياق التداول الخلاق للسلطة, عبر صناديق الاقتراع. غير أن يوشكا فيشر لم يبرح المشهد السياسي, فهو يرقب عبر نافذة الحرية ما يحدث في الدنيا, وقد احتفي احتفاء عظيما بثورة52 يناير المصرية, ويقول عندما أطاحت ثورة تونس بالنظام القديم أصيب العالم بالدهشة, وأضحت الدهشة يقينا عندما أسقطت الثورة المصرية نظام مبارك, وكان معني هذا ولايزال, أن يقظة العرب بدأت, وصار انخراطهم في عالم القرن الحادي والعشرين وشيكا. ويتذكر يوشكا فيشر, وهو يرقب ثورة ميدان التحرير بقلب القاهرة, ثورات الديمقراطية في أوروبا الشرقية عام9891, ويشير الي أن هذه الثورات التي أطاحت بالنظم الشمولية, كانت فترات انتقالها نحو الديمقراطية أطول مما كان متصورا, وأصعب مما كان متوقعا. وهذا صحيح, غير أن هذه البلاد, برغم النظم الكابوسية الاستبدادية التي كانت تكابد الشعوب من آثامها, إلا أن عقدها انفرط تماما, ولم تحاول فلولها التسلل للسلطة عبر أقنعة الثورة المضادة. وهنا قد يمكن القول, دون مبالغة أو غلو, إن نظام مبارك كان أكثر تسلطا وفسادا من نظم أوروبا الشرقية الشمولية, باستثناء نظام شاوشيسكو في رومانيا, ويمكن أن نطلق عليه مثلث الشر شاوشيسكو وقرينته إلينا, وابنهما نيقو.. الذي كان الديكتاتور يؤهله لاعتلاء العرش. ويقول الراوي.. منذ تولي الديكتاتور السلطة عام5691 سام شعبه الذل والهوان, فبينما كان الشعب يتضور جوعا, كان شاوشيسكو يبني له ولزوجته وولي عهده قصرا جديدا من الرخام علي أنقاض مركز تاريخي, وقد سمح لزوجته بأن تعيث في البلاد فسادا, وانتهي أمرهما بإعدامهما رميا بالرصاص, وكانت رومانيا بهذا المشهد الدموي الاستثناء الوحيد في ثورات أوروبا الشرقية. }}} هذا المثلث الشرير للأسرة الحاكمة الطاغية.. الأب والزوجة والابن, عندما تتقوض أضلاعه, وتنكشف أسراره تضطرب الثورة المضادة وتتعثر فلولها وخلاياها المتربصة لإعادة إنتاج نظام الاستبداد والفساد. ولكن تحركات فلول النظام السابق, لن تكون سوي الزفرة الأخيرة لزمن بائس أطاحت به ثورة يناير. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي