تغيرت شخصية طفلي بعد ثورة شباب25 يناير, وانتابته حالة من الثقة الشديدة بالنفس والتمرد الشديد علي ما يقوله الكبار. فكلما وجهت له أمرا علي غير إرادته رفضه حتي ان كان في مصلحته, وبعد أن كان ينفذه من قبل علي مضض أصبح يعلن رفضه بلا خوف أو تردد بصرف النظر عن رد فعلي تجاه هذا الرفض وأصبح أبسط رد فعل منه الآن هو قول هانزل الشارع وأعمل مظاهرة ضدك إحنا في عصر الحرية .. ولكن الحق يقال انه برغم عدم طاعته الكاملة لأوامري إلا أنني لاحظت اعتزازه الكبير بنفسه وشعوره بالمسئوليه, فقد أصبح أشد إقبالا علي إنجاز فروضه المدرسية بمفرده وأكثر رغبة في المذاكرة وتحصيل أكبر قدر من المعلومات الحياتية والتاريخية والسياسية والأهم من كل ذلك هو التفكير في المستقبل وتحديد هو عايز يطلع إيه بعد أن كان يرفض الإجابة عن هذا السؤال.. هذه الملاحظات جعلتني اتساءل؟ هل ثورة الشباب أثرت علي الأطفال كما أثرت علي الكبار؟؟ وهل الثورة عند الأطفال تعني الرفض والتمرد علي كل ما يقوله الكبار أم أن لها وجها إيجابيا في التربية حيث نعود النشء علي الديمقراطية. الدكتور محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي جامعة الأزهر يقول: ان النمو النفسي للطفل يمربمراحل متعددة, ففي البداية يكون ملتصقا بأمه ثم يبدأ تدريجيا في الاستقلال عنها, ليدخل بعد ذلك في مرحلة يكون فيها فردا من أفراد الأسرة, وبالتالي يكون خاضعا وتابعا لها, فالأسرة هي التي تختار لعبه, وأصدقاءه, ملابسه وألوانها..ولكن لكي يكبر الطفل ويستقل لابد وأن ينفصل عن اسرته نفسيا, وهو ما يسمي في الطب النفسي بتمرد الأبناء فتجد الأطفال يبدأون في مخالفة تعليمات الكبار والتمرد عليهم.. ويعتبر هذا التمرد مؤشرا إيجابيا لصحة الأطفال النفسية, وهو يعني للطفل أنا موجود وأنا شخصية مستقلة.. ولدي رأي مستقل ولكن للاسف الشديد كنا نري اسر مصرية كثيرة تكبت صوت التمرد الطبيعي هذا باستخدام ما يسمي بالعنف المباشر تجاه أطفالهم إما بالضرب أو باستخدام الصوت المرتفع أوالتجريح والغضب والنرفزة والعصبية من قبل بعض الأمهات, وكان الأطفال ينصاعون لهذا العنف المباشر ويستجيبون له بكبت المشاعر وتنفيذ الأوامر دون رفض أوتمرد مباشر, ولكنهم كانوا في المقابل يستخدمون ما يسمي بالتمرد غير المباشر وأهم مظاهره الإهمال في المذاكرة وعدم الاهتمام بالمظهر والنظافة الشخصية والمشاغبة في المدرسة والإصرار علي عدم تناول الطعام الصحي وإستبداله بالحلوي بل والإصرار علي تناول الأغذية المضرة بالصحة, كنوع من الرفض والتنفيس عن الكبت. الوجه المضئ للتمرد ولكن بعد252 يناير توحد الأطفال مع روح الثورة, حيث أصبحوا أكثر قدرة علي التعبير عن أنفسهم ورفض ما لا يريدونه ولا يرغبونه و أقل رغبة في الإستسلام للعنف المباشر أو غير المباشر من قبل الأسرة, فلم نعد نسمع كلمات نعم, وحاضر وماشي واستبدلوها بأقوال مثل: لأ مش دلوقتي.. ماليش مزاج.. أو أن هذا لايناسبني.. أو إني أكره هذا.. ولن تجبرني علي القيام بهذا الأمر أي أنهم قد أصبحوا يعبرون عن رأيهم بصراحة وتخلوا عن ما يسمي بالتمرد غير المباشر المتمثل في إهمالهم لدروسهم وغيرها من التصرفات السلبية بعد أن وجدوا أنه ليس هناك مبرر لها في عصر الحريات ماداموا يعبرون عن رأيهم بحرية وقد أصبح شباب الثورة مثلا أعلي لهم في ذلك وفي مقابل ذلك ظهر جليا قدرتهم علي تحمل المسئولية وزاد تفاخرهم بأنهم اقتربوا من مرحلة الشباب, فأصبحوا أكثر إقبالا علي مذاكرتهم وتحصيل دروسهم, وأكثر وعيا وفهما للحياة من حولهم واصبحوا اكثر اهتماما بالسياسة والتاريخ ومستقبل الحريات, كما أصبحوا يهتمون بما يفيدهم, حتي إنهم أصبحوا يصرون علي تناول الطعام الصحي, وهذا هو جانب كبير من الوجه المضئ للثورة, فإذا كان الشباب قد غيروا وجه الحياة بخلع قائد الدولة فلم يعد هناك سبب ولا مجال للخوف من السلطة الأبوية التي ينبغي أن تسودها الديمقراطية في الرأي والحوار... ويؤكد الدكتور محمد عويضة أنه قد حدث بالفعل تغيير في البيوت المصرية, فإذا كان الشباب هم الذين قادوا الثورة في الشارع, فالذي يقود التغيير الآن في البيوت المصرية هم الأطفال, وهما معا ضمانة لوجود ديمقراطية حقيقية داخل البيوت المصرية وليس في الشارع المصري فقط.. ولكن من واجب الأسر المصرية ويمثلها الأب والأم كنظام اجتماعي لابد لها من التغيير والتشرب بروح ثورة25 يناير وعدم مواجهة تمرد أطفالنا بالعنف, لانه لن يجدي بل سيولد عنفا مضادا سيؤدي إلي كسرهم إذا ما خرجوا عن طوعنا تماما, أو يصبحون شخصيات مشوهة عند الكبر إذا ما انصاعوا للأوامر تماما وهم لها كارهون, وهما أمران مرفوضان في كل الأحوال, لذا فعلي الأسر أن تحتوي تمرد أطفالها ومراهقيها, علي اقتناع منها أن هذا التمرد مكون أساسي لشخصياتهم, وأن الوالدين إذا ما تقبلوا هذا التمرد وتعاملوا معه بإيجابية وباحترام إرادة ورغبات الأبناء فإن مرحلة التمرد سرعان ما تزول وتحل محلها شخصيات واثقة قادرة علي قيادة المستقبل, لأن الحياة النفسية للطفل لا يمكن أن تظل في حالة تمرد مستمرة, وإذا كان الابناء قد تعلموا من آبائهم قيم الطاعة لعقود وسنوات طويلة, فلا حرج في أن يتعلم الآباء من الأبناء قيم الديمقراطية والحرية في إبداء الرأي مادمنا لا نخرج عن الإطار العام الأخلاقي واحترام وإجلال الصغير للكبير والتعلم من خبراته.