ربما كانت ولازالت رواية الكاتب الكبير بهاء طاهر خالتي صفية والدير من أهم وأشهر ما كتب, وقد زادت من شهرتها أننا في البداية قرأناها روايه ثم شاهدناها مسلسلا في التليفزيون واليوم نشاهدها مسرحا لتقدم للجمهور عبر ثلاث وسائل, النشر ثم شاشة التليفزيون ثم خشبة المسرح. هذه هي الرواية التي شاهدتها لك هذا الاسبوع كمسرحية يقدمها أعرق مسارحنا المسرح القومي علي خشبة مسرح ميامي. والمعروف ان المسرح القومي حاليا تحت التجديد بعد الحريق الذي تعرض له منذ أكثر من عام ونصف العام لتتحول المسرحيات التي تقدمها فرقته فرقة المسرح القومي الي مسرح ميامي. فماذا عن هذا العرض الذي يحمل اسمه شهرة كبيرة لواحد من كبار كتابنا وهو عرض خالتي صفية والدير. النص قد اذكرك به فهو وإن كتب منذ اكثر من20 عاما إلا أنه ربما يكون اكثر معاصرة لنا الآن حيث يتناول العلاقة بين مسلمي واقباط مصر من خلال واحدة من موروثات الصعيد القاتلة وهي عادة الأخذ بالثأر. إذن لدينا الخط الاساسي هو الأخذ بالثأر والخط الموازي هو علاقة المسلم بالقبطي خاصة في صعيد مصر. فلدينا صفية التي تحاول الأخذ بثأر زوجها كبير البلد كما يقال في الصعيد والذي يلقب بالقنصل.. هو من الأثرياء يتزوج اخيرا ليجد ضالته في الفتاة الجميلة صفية لينجب الولد الذي انتظره منذ سنوات, فالولد هناك مازال له أهمية عن الفتاة.. هذه هي تقاليد الصعيد وربما ايضا ليس الصعيد وحده ولكن في بعض دول العالم الغربي الذي نصفه باستمرار العالم المتمدين.. نجد فيه الإرث كله يذهب الي الولد الأكبر حتي لا تتفتت الثروة بين الأخوة ومنهم بالطبع البنات.. المهم وشاية ضد شاب مسالم ومسلم بأنه سيقتل الكبير فما كان من هذا الثري إلا أن يعذبه بشكل يهدر فيه كرامته أمام القرية لتنطلق من هذا البائس رصاصة تقتل الكبير. لدينا الآن قضية ثأر فمن الذي يقوم بهذه المهمة والابن.. ابن صفية مازال طفلا صغيرا فكان ان تتصدي هي لهذ ه العملية حتي تطمئن روح زوجها في قبره كما تقول. هنا ننتقل الي الجزء الثاني والمهم في النص عندما يخرج قاتل زوجها من السجن لينصحه اقاربه بأن يعيش باقي عمره في الدير حتي يطمئن تماما عن عدم الوصول اليه, لأخذ الثأر بقتله. الدير كما هي عادته يستحيل ان يسلم من جاء يحتمي به وايضا يستحيل أن يسمح لأي شخص ان يدخل الدير ليأخذ الثأر فعقيدته التسامح خاصة والمجرم قد قضي عقوبة السجن. تحاول صفية شراء البعض بالأموال للقيام بهذه المهمة ولكنه يقتل قبل تنفيذها حتي يموت الشاب ميتة طبيعية داخل الدير. فماذا عن الإخراج؟. قام به شاب هو محمد مرسي وإن اجتهد بصفة عامة في تحويل النص إلي عمل مسرحي من خلال كتابة واشعار حمدي زيدان. كتابة حمدي زيدان التي اعتمد عليها المخرج بالغ فيها بآيات من القرآن الكريم وهذه كانت تحمل المباشرة التي لو وضعها الاخراج أساسا ستكون بالتأكيد ذات تأثير بالغ. دور الراوي كان له ما يبرره حيث الاحداث كثيرة وايضا طويلة فكان لابد ممن يقوم بدور الراوي في بعض المقاطع خاصة والعرض لا تزيد مدته عن الساعة والنصف وهذا يحسب للعمل لأنه كثف المطلوب في هذه الفترة الزمنية القصيرة. تحريك الممثلين والممثلات أجاد المخرج استخدام نقلات المشاهد المختلفة من خلال استغلال الإضاءة لتنير هنا وتظلم هناك بديلا عن ديكورات مختلفة للمشاهد, ولو ان هذا العمل كان في حاجة الي اكثر من ديكور لأكثر من مشهد بديلا عن ديكور واحد برغم تميزه. ما تميز بالفعل هنا كانت الملابس لهدي السجيني فقد كانت مطابقة تماما لمعظم الشخصات وبالذات للبطلة صفية من خلال اكثر من ثوب فيه الروح الصعيدية مع اللمحات الجمالية البديعة. موسيقي العمل والألحان كانت لواحد من الذين يستشعرون بالنص وروحه وهو الفنان أحمد الحجار. فماذا عن الابطال.؟ تصدرت مجموعة الممثلين والممثلات الفنانة صابرين التي تألقت ليس في معظمه ولكن في كل مشاهدها ووصلت الي الذروة في المشهد الذي تتضرع فيه للعدرا كما يطلق عليها في الصعيد تتضرع لها معبرة عن حزنها العميق المشوب بالغيظ أملا في ان تملأ هذا القلب بالسماحة والنسيان. مشهد بالغ التأثير وصلت فيه صابرين الي قمة الإحساس باللحظة وقمة الأداء المطلوب. امامها صلاح رشوان في دور الزوج ثري القرية أو ثري المنطقة ليؤديه بالصورة المطلوبة خاصة مع ازياء الفترة الماضية التي كان يرتديها أثرياء مصر. لدينا ايضا هشام عبد الله.. ذلك الشاب القاتل والمفتري عليه والسجين ثم اللاجئ للدير من بطش المتربصين به. بعد ذلك نرمين كمال بطلة القومي في الشخصية الصعيدية الواعية لدو ر المرأة في جنوب مصر ثم لدينا علي عبد الرحيم واحمد طارق وإيهاب مبروك الذين اجادوا الي حد كبير ادوارهم. اراد المخرج ان يخرج بالمتلقي من جرعة ما يمكن ان نسميه سواد جو الثأر والقتل, فكان ان عمد الي بعض الاستعراضات وهي خارج العمل ولكنها كانت مطلوبة وكانت علي رأسها نوال سمير الراقصة التي اعتزلت بعد ذلك الرقص لتعلن التوبة. عرض يقدم لنا من خلال إبداع كاتب هو بهاء طاهر بالضبط ما نعانيه اليوم بعد20 عاما من كتابة سطور هذه الرواية.