لم أجد أفضل من كلمة الانصهار الوطني بدلا من العبارة الشائعة الوحدة الوطنية. ذلك لأن وحدتنا الوطنية مسلمين ومسيحيين, لم تتحقق إلا من خلال نار الآلام التي صهرتنا بها معا عبر التاريخ. وأذكر هنا بعض المحطات التي رسخت انصهارنا الوطني. 1- عمرو بن العاص والبابا بنيامين83: لقد حفظت الكنيسة القبطية الروح الوطنية للمصريين, حرة ووثابة, علي مدي الاستعمارين اليوناني والروماني, واحتملت في سبيل ذلك اضطهاد البيزنطيين, حينما أرسلوا بطريركا دخيلا بدلا من البابا بنيامين83 البطريرك الشرعي المصري, مما أضطر البابا إلي الاختفاء من الغزاة اليونان, الذين اضطهدوا الكنيسة القبطية وعينوا لها بطريركا غريبا. فلما دخل الإسلام مصر, أعطي عمرو بن العاص الأمان للبابا بنيامين, فعاد إلي كرسيه وأعاد إليه كل الكنائس القبطية. ومن هنا كانت هذه اول لحظة انصهار بين المسلمين والمسيحيين في مصر. 2- معا ضد المستعمر الغربي: وذلك في الحروب المدعوة خطأ بالصليبية, ونسميها حروب الفرنجة لأن الصليب الذي تستر وراءه الغزاة الغربيون, بريء من حروبهم وأطماعهم والدماء التي سفكوها. لقد حاربنا معا المستعمر الغربي إلي أن انتصر صلاح الدين الأيوبي وحرر المنطقة من المستعمر الغربي, فأهدي الأقباط ديرا بالقدس اسمه حتي الآن دير السلطان نسبة إلي السلطان صلاح الدين. وهذا الدير مغتصب الآن, ورغم حصول الكنيسة القبطية علي أحكام من المحكمة الإسرائيلية العليا بعودة الدير إلينا, إلا أن إسرائيل اعتبرت الأمر قرارا سياديا لا يخضع للأحكام القضائية. 3- ضد الغزاة الفرنسيين والإنجليز: صارع المصريون كلهم الغزو الفرنسي, ثم الغزو البريطاني, الذي طال بقاؤه علي الأرض المصرية, حتي قامت ثورة9191, التي انصهر فيها المسلمون مع المسيحيين, في رفض للمستعمر الانجليزي. كما أصر الأقباط علي التواجد مع إخوتهم المسلمين في الوفد الذي رأسه الزعيم المصري سعد زغلول, واستمر الكفاح ضد المستعمر البريطاني إلي أن انسحب علي يد الرئيس جمال عبدالناصر. 4- ضد الاحتلال الإسرائيلي: تكرر نفس الجهاد مع المحتل الإسرائيلي لسيناء, وجاهد ضباطنا وجنودنا البواسل في طرد المحتل الغاضب في حرب أكتوبر المجيدة, وضمن أبطال من القيادات الإسلامية الكثيرة, كانت هناك قيادات قبطية ساهمت في هذا التحرير, نذكر منهم علي سبيل المثال: 1- الفريق فؤاد عزيز غالي: كان قائدا للفرقة81 مشاة التي كلفت باقتحام قناة السويس, وحرر الجزء الشمالي من سيناء. 2- اللواء أركان حرب شفيق متري سدراك: أول الضباط الذين حصلوا علي وسام نجمة سيناء لأنه أول الضباط المصريين الشهداء. 3- اللواء ثابت إقلاديوس: رئيس عمليات مدفعية الفرقة الثانية بالجيش الثاني الميداني. 4- اللواء صليب منير بشارة: أحد المخططين لحرب أكتوبر 5- اللواء أركان حرب مهندس باقي زكي يوسف: صاحب فكرة فتح الثغرات في الساتر الترابي. 5- في ثورة52 يناير كان مما أثلج صدورنا مشاركة مئات الشباب المسيحي مع إخوانهم المسلمين, في ثورة يناير المباركة, التي اكتسحت عروش الفساد والاستبداد, فولدت مصر من جديد. وأعرف شخصيا شبابا من الأقباط لم يبرحوا ميدان التحرير منذ52 يناير وحتي فرحة النصر, إلا قليلا. كما أسعدنا منظر شبابنا إذ يصلي المسلمون, وإخوانهم المسيحيون يقفون بجوارهم, ويصلي الأقباط وإخوانهم المسلمون يتابعونهم. انصهر الجميع في حب عجيب, ارتفع فوق كل الفروق الدينية والاجتماعية والمادية والحزبية والفئوية, ولم يكن في ذهن شبابنا سوي: مصر والمستقبل!! وقد بذلت دماء ثمينة في هذه الثورة, حيث اختلطت فيها دماء المحبة للوطن, ونحن نحصي الآن من ضمن حوالي563 من شهداء الوطن,21 من الأقباط و53 مصابا.. ويجري حصر الباقين. هنيئا لمصر بهذه المحبة التي شاهدناها في عيون الجميع, وهذا الانتصار الذي شارك فيه الجميع. ولتحيا مصر, التي وعدها الرب قائلا في سفر إشعياء(008 ق.م): مبارك شبعي مصر( إش91:53).