علي مر التاريخ, كان للشعر والأدب دور عظيم في تشكيل وجدان الشعوب, وقيادة الثورات, وإزالة العروش, وتغيير الواقع. لم يكن غريب أبدا علي شعب عمره آلاف السنين أن تراه واقفا في ميدان التحريريلقي قصائد الشعر بمدارسه المختلفة.. خلف كل كلمة يقف هناك ثائر, يعيش ويموت من أجل أن تحيا أوطانه... كان الإبداع هو سلاحه.. ولما لا؟!! فقد عرفت الثورة المصرية من قبل المحللين السياسيين في العالم بأنها ثورة الطبقة الوسطي.. وأحيانا أخري ب ثورة المثقفين طالما أن الشباب كان هو الوقود الدافع لقطارها. وإذا كان الأدب يجسد في الغالب- إنعكاسا لتفاصيل الحياة ونبض المجتمعات.. فقد إنتقت مجلة إكسبريس الفرنسية الشهيرة خمسة أعمال أدبية مصرية إعتبرتها مفتاح اللغز.. تحمل في طياتها شرارة ثورة شباب مصر والأسباب التي دفعت لقيامها. أول هذه الأعمال المحرضه للثورة كانت عمارة يعقوبيان للكاتب علاء الأسواني. ظهرت هذه الرواية للنور في عام2002 وحققت أعلي نسبة مبيعات في الشرق الأوسط, كما تم ترجمتها للفرنسية والإنجليزية والإيطالية والعبرية.. من خلالها يرصد الكاتب التحول الإجتماعي والأخلاقي المتردي الذي شهدته الحياة في مصر منذ ثورة يوليو1952 حتي عام2002 لمجموعة من البشر تقطن عمارة واحدة وهي تنتمي لطبقات مختلفة من طبقات المجتمع المصري.. كسر الأسواني جميع التابوهات وتناول في روايته بحرية كاملة النفاق الإجتماعي, الجنس, الدين, الإرهاب, الفساد السياسي علي مستوي الحكومة. وبسخريته السوداء, تناول الروائي صنع الله إبراهيم في رائعته ذات(2002) مواضع الوجع في بنيان الطبقة الوسطي المصرية, الهاربة من وطأة قلة الحيلة إلي الرثاء الذاتي وبوادر المزاج السلفي.. ذات هي الرمز الذي حاول صنع الله من خلاله أن يصور المجتمع المصري الذي يموج بقيم ومعتقدات تتحكم بفكره وبحياته... مجتمع ينوء مواطنه بأحمال الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القاسية كذلك, كان لرواية الأديب العالمي نجيب محفوظ حضرة المحترم(2006) دور كبير في رصد البيرقراطية ومساوئها في الحياة المصرية.. حضرة المحترم هو العمل الأدبي الوحيد تقريبا في مصر الذي يعبر عن حال الموظف الحكومي من خلال شخصية عثمان بيومي, هذا الموظف الخارج من بيئة متواضعة وظروف طفولة قاسية, تجعله طوال الرواية يحاول الخروج من بيئته ليصل لمستوي أعلي مهما كلفه ذلك من عناء. خصوصية هذه الرواية هي في كونها تعلن التسليم بوجود الله سبحانه وتعالي منذ صفحاتها الأولي, ولكنها تبحث في الطريق المجد المقدس إليه.. إنها تفلسف المشروع الإنساني وتتلمس الهدف الأعلي من الحياة وهو خلافة الله في الأرض- ولكن عثمان بيومي انتهي خاسرا في معركته الشاقة الطويلة, ولم يتمكن من تحقيق الهدف. أما الرواية الرابعة التي تكشف لنا دوافع إنفجار المجتمع المصري وقيامه بثورته, كانت سهرة في القاهرة(2010) للكاتب المصري-الفرنسي روبير سوليه. وهي تحكي عن مصر ما قبل ثورة يوليو1952 وتسرد لنا مظاهر الحياة المتحضرة التي كان المصريون يتباهون بها بين الأمم. القصة تبدأ بعودة شارل حفيد جورج بطركاني مؤسس مصانع الطرابيش, الذي هجر الوطن بعد ثورة يوليو لما لاقاه من سوء معاملة تجاهه من قبل بعض رجال الثورة من الضباط.. عاد البطل إلي وطنه الأم بعد ما يقرب من نصف قرن يغمره الحنين للماضي الجميل وذكريات الطفولة.. باحثا عن ضالته المنشودة.. عن مصر التي تعايش الأجانب وسط أهلها في مجتمع متفتح متحضر للغاية.. عن مصر التي لا تفرق بين أحد علي أساس العرق أو الدين. لكنه يتفاجأ بمجتمع تغلب عليه العنصرية ورفض للآخر ولم تغفل المجلة الفرنسية رواية حكايات المؤسسة(2001) للكاتب جمال الغيطاني وإعتبارها من بين الكتب المفسرة لغليان الشارع المصري بل ودافع لتأجيج ثورته.. وفيها يصور لنا عملية خلق دولة غير شرعية داخل الدولة الأساسية التي تكتسب شرعيتها من الشعب.. دولة لا سند شرعي لها, وإنما تخلق علي هامش القوانين والقواعد الرسمية المتعارف عليها. يرسم لنا الغيطاني في هذه الرواية بورترية صارخا لمجتمع مصري يعاني من إزدواجية المعايير والتناقضات.. ضائع بين العادات الأصيلة ومفاهيم السوق إن جاز التعبير.. هي صورة مجتمع كفر بأخلاقياته الصميمة من خلال هجاء طويل لشخصيات وأحداث وقعت في المؤسسة الصحفية التي يعمل فيها, ينقل لنا الكاتب واقع بلد.. المؤسسة فيه هي تجسيد لأخلاقيات الشخص الذي يديرها. وهو ما يفسر لنا ظاهرة شخصنة المؤسسات في مصر وبعد كل ما رصدنا من مؤلفات أدبية تكشف الفساد الذي يتجرعه وطن بأكمله في كل مناحي الحياة, ليس غريبا إذن أن يصاب الشباب بالإحباط.. وأن يتحول اليأس في داخله إلي ثورة وثأر.. للكرامة والحرية.. هي ثورة25 يناير ثورة الطبقة الوسطي.