الثورة المضادة هي مصطلح ارتبط بغالبية الثورات التي شهدتها دول العالم, ومنها الثورة الفرنسية في إحدي مراحلها, والثورة علي ثورة مصدق في إيران عام1951, والتي نجحت إلي حد إعادة شاه إيران مرة أخري, كما عرفتها مصر في أثناء العدوان الثلاثي علي مصر1956. عندما حاول باشوات النظام الملكي الاتصال بالسفارة البريطانية, وتقديم أنفسهم كبديل عن الضباط الأحرار في حكم البلاد, فضلا عما حدث في تونس عقب هروب بن علي. وتقوم الثورة المضادة علي الاستفادة من خلط الأوراق في حالة السيولة التي تتعرض لها البلاد فور التخلص من نظم حاكمة مكممة للأفواه, وفيها تخرج جماعات مدفوعة بولائها للنظام السابق لركوب موجات التطهير والتخلص من رءوس الفساد للدفع برموز أخري بدعوي أنهم رجال المرحلة النظيفة, في الوقت الذي يكررون فيه النموذج السابق بأوجه مختلفة, مع تخفيف حدة الهجوم عليه بدعاوي أخلاقية من بينها الوفاء ورد الجميل أو الحفاظ علي استقرار البلاد, وإعلان حملات التسامح بدلا من المطالبة بمحاكمات عادلة ليأخذ كل ذي حق حقه. ويمكن تلخيص محاور الثورة المضادة التي تشهدها البلاد في الفترة الحالية, وكما يتم تداولها: الأول: إسقاط الحساب بدعوي عفا الله عما سلف وغض الطرف عن محاسبة الفاسدين. الثاني: زيادة عدد الاعتصامات الفئوية مع شئ من الفوضي, وتعطيل المصالح بصورة متعمدة. الثالث: إثارة التعاطف حول مبارك وصحته ورغبته في البقاء في مصر. الرابع: تشويه صورة شباب الثورة ومن الأهم, كما حدث مع البرادعي, ووائل غنيم. الخامس: استخدام الإعلام الداخلي أو الخارجي, لإزالة الاتهامات الموجهة للنظام السابق كالتشكيك في تقرير الجارديان حول ثروة مبارك, أو إتاحة الفرصة لرموز الفساد, كما حدث لأحمد عز عبر قناة العربية لتجميل صورته. السادس: إفساد العلاقة أو الإيقاع بين القوات المسلحة وبين شباب الثورة لإفساد الروح الإيجابية. السابع: عودة النظام القديم عبر عباءة جديدة, مثل أخبار حزب25 يناير بدعم حسام بدراوي. الثامن: إثارة الفتنة فيما يتعلق بالمادة الثانية من الدستور بعد أن فشلت مخططات الفتنة الطائفية. وماذا بعد؟ هو تساؤل يظل مشروعا, يرفعه شباب25 يناير وغيرهم ممن ابتهجوا لقرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة بحل مجلسي الشعب والشوري, وإنشاء لجنة تعديل الدستور, مما يجعلهم مصرين علي مجموعة من القرارات التي تشمل: إسقاط حكومة أحمد شفيق وتشكيل حكومة فنية انتقالية. إقصاء جميع المحافظين وانتخاب محافظين جدد يتزامن مع الإعلان عن انتخابات مجلسي الشعب والشوري. المطالبة بإعلان تفاصيل التحقيقات مع الفاسدين. سرعة اتخاذ التدابير ضد أكبر رءوس الفساد المقدم ضدهم بلاغات أمام النائب العام, ومن لم يتم ذكرهم. تجميد أموال عائلة مبارك داخل مصر وفي كل الدول التي طالبت القوات المسلحة بتقديم هذه المطالبات, وكذلك كل من حامت حولهم الشبهات, علي أن يتم إعادة إطلاق سراحهم في حال ثبوت براءتهم. وهكذا يبدو أن الشارع المصري بكل طوائفه, وربما البيت المصري الواحد, سيظل مرتبكا لبعض القوات بعد استقرار رئاسي دام ثلاثين عاما, وهو ما تعكسه المشاعر المختلطة لمصريين شرفاء شاركوا في الثورة, أو مخبرين موالين للفساد, مواطنين من الأغلبية الصامتة تتباين مستوياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية ولا يهمهم سوي استقرار هادئ قد يكون ثمنه غض النظر عن رموز فساد لم تضع بعد للتحقيق, وترك الباب مفتوحا علي مصراعيه لخلط الأوراق وإثارة الفوضي.. التي ستكون مناخا مواتيا لتقزيم مكتسبات الثورة, وإتاحة الفرصة أمام الفاسدين والمجرمين للالتفاف علي الثورة وإجهاضها.