أعترف بأنني لم أكن قط من مشجعي الساحرة المستديرة وأن معلوماتي عن قواعدها, هي أو غيرها من الألعاب الرياضية لا تزيد علي معرفتي باللغة الصينية أو اليابانية. ولعل معظم الدرجات التي فقدتها في اختبار القبول بكلية الإعلام, يوم كان أساتذتنا العظام يصرون علي أن يكون القبول للعمل الصحفي والاعلامي مشروطا باجتياز اختبار تحريري وآخر شفهي, كانت تخص الأسئلة المتعلقة بالرياضة. بل انني لن أنسي ما حييت نظرة الذهول التي ارتسمت علي وجه الزميلة والصديقة العزيزة مرفت حسنين, ونحن في بداية مشوارنا الصحفي, يوم جاءت متهللة وهي تقول برج في القاهرة( وأظن أنها تكتب بورج). لحظتها قلت لها بثقة من يقرر الأمر الواقع, بالطبع يوجد برج في القاهرة!! وأكملت العبارة متسائلة بعد أن تحركت قرون استشعار فرضتها المهنة ومحاولة إثبات الذات في أول الطريق هل وقعت حادثة في البرج؟ وما إن استوعبت العزيزة مرفت الموقف وتذكرت جهلي بالرياضة الذي لم تفلح رفقتنا ولا حكاياتها عن مصادرها من الرياضيين في التخفيف منه, حتي استغرقت في نوبة ضحك تخللتهاعبارة توضح أنها تقصد لاعب التنس العالمي آنذاك!! والحقيقة أنه بالرغم من أن هذه المساحة ليست مخصصة لسرد ذكرياتي أو المواقف والنوادر التي عاشها أبناء جيلي في رحاب أهرامنا العزيزة, فإنني لم أجد, عزيزي القاريء, تمهيدا لما سأطرحه في السطور التالية خيرا منها. فالمؤكد أن حالي لا يختلف عن حال عدد لا بأس به من المصريين, ومع ذلك فإن الحالة التي بتنا جميعا نستشعرها مع كل مباراة للمنتخب المصري وتلك الفرحة العارمة التي تستبد بالجميع وإن اختلفت طرق التعبير عنها, والتي أزعم أنها لا علاقة لها بالجهل الكروي أو بمجرد التعصب للعبة, لاحظها كثيرون وحاولوا تفسيرها والبحث فيما وراءها. فبينما اعتبرها البعض حالة جوع للفرحة, زعم آخرون أنها سياسة موجهة, وأعتبرتها جماعة أخري تجسيدا لعودة الوعي واستعادة الاحساس بالانتماء للوطن والأرض, ومرة أخري أعترف أنني أتفق مع رأي الجماعة الأخيرة. وفي ذات السياق الذي تناول ظاهرة الاحتشاد الجماهيري وراء منتخب مصر من منظور أوسع وأعمق, تستوقفنا القراءة التي قدمها الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المنعم سعيد في الأسبوع الماضي علي صفحات الأهرام تحت عنوان ليست مباريات في كرة القدم والتي رصد فيها من منظور التحليل الاجتماعي الشرائح العمرية والطبقية والوظيفية والجعرافية للاعبي المنتخب الوطني والجمهور الذي خرج للاحتفال بالفوز علي منتخب الجزائر مشيرا الي ضرورة بحث حالتها وأغوارها النفسية والفكرية, وموضحا أن سلوكياتها تشي بأنها جماعة إيجابية قررت الخروج والتعبير عن نفسها بأشكال مختلفة, وأنها في حالة شبق هائل للفوز والانتصار, ولعل هذه القراءة وغيرها كانت السبب في محاولتي لقراءة الحدث من منظور ثقافي واستيعاب المفارقة التي يمثلها في مقابل الظواهر التي يشهدها معرض كتاب هذا العام ونرصدها اليوم علي هذه الصفحة الأمر الذي أدي بدوره لمجموعة من التداعيات التي توالت في ذهني أثناء تجوالي في معرض الكتاب الذي بدا شبه خاو في النصف الأول لنهار, لم يشهد النصف الثاني منه تلك الحشود التي اعتدناها في سنوات سابقة(!!). ورغم المبررات التي ساقها بعض العاملين في الهيئة المصرية العامة للكتاب لضعف الإقبال في الأسبوع الأول للمعرض حيث أرجعوه لافتتاح المعرض أثناء الدراسة واستمرار أعمال الحفر أمام معظم بوابات الدخول( التي أزعم أنها تجعل وصول الجمهور لداخل أرض المعارض, بل حتي التعرف علي باب الدخول لجناح ضيف الشرف مغامرة حافلة بالمصاعب), إلا أنني أثناء بحثي عن الجناح رقم15 حيث تقام فاعليات الاحتفال بضيف الشرف لهذا العام خايلتني صور افتراضية ولاحقتني علامات استفهام محيرة لم أتمكن حتي اللحظة من الأفلات من أسرها... تري كيف كانت ستبدو الصورة أمام بوابات المعرض وداخل ممراته وحدائقه لو أن واحدا فقط من فريق المنتخب شارك في ندوة أو حتي أعلن عن نيته أن يزور المعرض؟! لماذا لا يزال العمل الثقافي عاجزا عن استقطاب المواطن العادي الذي احتفي بالفوز الكروي؟! هل يأتي يوم نشهد فيه خروج الجماهير تلقائيا إحتفالا بإنجاز ثقافي أو كشف أثري مثلما حدث أثناء رحلة تمثال رمسيس أو مثلما يحدث كرويا؟! ما الذي يجمع المصريين حول كرة القدم تحديدا دون غيرها من الرياضات الأخري... هل يكمن السر في كونها لا طبقية ومتاحة للجميع سواء كانوا أعضاء في النوادي الراقية أو مجموعة صبية في الأزقة؟! وهل تطبيق منظومة اللا طبقية الثقافية علي المنتج الثقافي كفيل بأن يخرج به من شرنقته للأفق الرحب ولكل الناس؟! وأخيرا ما هي الخلطة السحرية التي حولت مجموعة شباب المنتخب لقوة فاعلة منجزة؟! هل يكمن السر في خليط الإلتزام والحزم والانضباط والقيادة والمكافأة؟! وهل يمكننا اقتباس ذلك المزيج المدهش وتطبيقه في منظومة العمل الثقافي لتفعيلها لتصبح جزءا من حياتنا اليومية؟! علامات استفهام لا تزال تبحث عن إجابة... فهل أجدها عندك عزيزي القاريء؟!! [email protected]