شوق بنت مصرية وحيدة أبويها, جاءت الي الوجود بعد شوق جارف للخلفة, شوق مولودة تحت جذع نخلة من نخيل الصعيد في سوهاج, وتربت علي القلق في مراعي الحذر, وعلي الخوف في ملاعب الطفولة, ربما تكونين مثلها وربما كانت ابنتك تشبهها, ودفتر أحوال شوق يشير الي نوعية التربية في المشتل أي الصبا المبكر, حيث الجمود الذهني وفهم الحياة بشكل خاطيء واحتقار الجنس واعتبار الرجل شيطانا والذكور طغاة, عاشت شوق في خيمة اكسجين لا قطرة تلوث فيها ويبدو أن بعض التلوث من المجتمع يعطي مناعة, شوق هي محصلة مثاليات لا تنتمي لعالمنا, واخلاقيات لا تقف علي أرض الواقع, عانقت الخيال وصادقت القمر وتناجت مع الزهور, صحيح لقد درست الفلسفة في آداب جنوبالوادي, وحصلت علي الليسانس بدرجة امتياز ولكنها رسبت في الشهادة الإعدادية في علم الحياة! حين سافر والدها الي بلد خليجي ابتغاء الرزق, أقامت هناك سنوات خمس تأثرت وتشبعت بالمناخ وسافرت بخيالها الي محطات مجهولة وانكمشت أكثر. لم يكن هناك حوار بينها وبين أمها السيدة التربوية(!) ولكن هناك دائما حوارا أخرس في البيوت المحافظة, لم تعرف الصبية شوق تراب الواقع ولم تسمع أصوات الناس, وتربت عندها عقدة الخوف من الآخر, كان الحوار بينها وبين والدها كلمات معدودة وكانت الأم تمتدحها لبعض مواقفها حين تساعدها في أمور منزلية وتسميها( شوقي) ومع ذلك كانت تصدر لها الخوف عليها, حتي أنها حين عادت لمصر أدخلتها مدرسة الراهبات لتتعلم الالتزام قبل العلم, ذات مرة وقف أمامها شاب مبهورا بملامحها الجميلة التي تشي بسحر خاص أقرب الي الفاكهة التي طابت فوق الشجر, فهربت من ذلك البريق المخيف في عينيه, قالت لها مدرستها إن الرجال شياطين! رشقت الكلمة في وجدانها وباتت خائفة من الشيطان الرجل, لم يكن لشوق صديقة تشاركها أسرارها الصغيرة لأن الوالدة التربوية تعتقد أن( صداقات البنات مفسدة للبنات), حين ذهبت فيما بعد لجامعة جنوبالوادي في احدي مدن الصعيد, كانت اذا خاطبها أحد بكلمة ياحبيبتي الدارجة, قالت له: في الواقع أنا مش حبيبتك, ويصمت السامع فتكمل شوق قائلة: الكلمة دي رخصت! فقال الشخص الآخر وكان مدرسا بالكلية: أنا معتز بك: فردت: مشاعرك لا تليق بك, وهرب من وجهها المدرس. كانت شوق منضبطة ولا تسمح بالمجاملات, ذات مرة قالت زميلة لها.. لمعيد في القسم: أنت رجل محترم وتستحق الاحترام, وبعد أن اختفي المعيد, قالت ضاحكة: ده رجل جلياط وغلس ومش محترم, صرخت شوق محتجة: لماذا تكذبين عليه؟ ردت الطالبة أصلي باستقطعه, قالت شوق: يعني إيه؟ ردت الطالبة: حد يفهم الأخت معني الكلام, ولما فهمت قالت شوق: أسلوب لا يليق يا آنسة, فقالت الفتاة قولوا ياجماعة للآنسة شوق لا يليق ده يليق ونص! المثاليات كانت تجري في دورتها الدموية ولذلك كانت صدمتها أكبر حين اشتغلت في بنك تستقبل العملاء وطلب منها الليونة والمرونة في التعامل مع عملاء البنك فردت قائلة: في حدود عملي نعم, وغير ذلك لا يليق, وعاد اللقب يطاردها في البنك من فرط ما تردده متمسكة بفضيلة الصدق شوق لا يليق! وقد كانت صدمات شوق عديدة, منها أنها ألقت هدية أحد عملاء البنك الكبار علي الأرض وصرخت بأعلي صوت: بمناسبة إيه الهدية, لا يليق! ومن صدماتها أنها مزقت كارت عميل كتب بيده أمامها رقم الموبايل وقالت له: ده تصرف لا يليق! وقد لملم العميل بقايا الكارت وانصرف وسحب رصيده من البنك, واستدعي المدير العام الموظفة شوق وأبلغها أنها مفصولة وأضاف: في الواقع يا آنسة شوق ما فعلته لا يليق ومكانك البيت! كانت شوق قد كتمت دموعها وانصرفت من البنك وهي تخاطب الساعي الذي تطلب منه فنجان الشاي كل صباح: انت الوحيد اللي تمن فنجانك لا بيعلي ولا بيوطي, ورد الساعي ابن البلد ملكيش مكان في دنيتنا يا آنسة. ذات يوم وكانت شوق قد استقرت في البيت جاءت أمها وقالت لها: عريسك جاي النهاردة, قالت شوق: حاشوفه؟ ردت الأم: احنا حنشوفه ونقرر! ولأن شوق تربت هكذا قالت لوالدتها: بالقطع اختياركم صح! وليلة الزفاف كانت شوق تجهل ماذا تفعل, ولم تجرؤ أن تسأل الوالدة التربوية, كانت قد تحولت داخل غرفتها الي ثمرة شوك وكلما حاول زوجها الاقتراب أبعدته قائلة: انت شيطان زي كل الرجالة, وحين جاء يمسك بيدها ليقبلها سحبت ذراعها, فقال لها: أنت زوجتي.. قالت شوق: في الواقع نحن نتزوج لننجب أطفالا, وفي الواقع لم أمتلئ بحبك بعد! جن جنونه وسألها: إيه حكاية في الواقع, في الواقع, انت عليك عفريك سيبويه؟! وتأجلت اللحظة الحميمة3 سنوات وكلاهما يتكتم الموقف وكل ليلة تفكر في العودة الي سريرها في بيت والدها لكنها تخشي زمجرة الأب وهذا يعني طلاق أمها لفشلها الذريع في تربية البنت! والكتمان كان الحل! ذات مرة قال لها غاضبا( يعني أخونك ياشوق؟) قالت العروسة التي مازالت عذراء: هذا تهديد لا يليق, فقال زوجها: لماذا زوجك أهلك؟ ثم صمت واستدار بوجهه نحوها وهي متكومة فوق فوتيل مرتدية أكثر من شيء لتتسلح في مواجهته: أنا طهقت! وردت شوق: لا يليق أن تصرح لي بأنك طهقت مبكرا! وغمغمت: هذا في الواقع لا يليق. وقد ذهب العريس الي بيت والدة شوق وشرح لها الحقيقة بالتفصيل وقد جلست الأم بعد انصراف زوج ابنتها تبكي بتشنج بدموع الندم وتصرخ في استجداء: في استحياء: سامحيني ياشوق, لخبطت حياتك ياحبيبتي, صورت لك الدنيا كقصيدة حب, تعاملت معاك كولد وأنت ست البنات, علمتك في الجامعة وماعرفتش ادخلك جامعة الحياة.. ومازال نهر الدموع يحفر مجراه في قلب الأم. المزيد من مقالات مفيد فوزى