تحمل ثورة25 يناير عدة سمات تجعلنا نراهن علي انها تشكل مرحلة جديدة بالنسبة للقضايا السياسية والفكرية التي تشغل العقل المصري والعربي علي السواء, قبل25 يناير لم يكن الشعب طرفا أساسيا في اللعبة السياسية, كان الشعب غائبا أو مغيبا تحت مسمي الأغلبية الصامتة, ويئس بعضنا من إمكان حضور تلك الاغلبية وان تصبح فاعلة. وقبل25 يناير ايضا كان الجدل حول الدولة الدينية أو المدنية؟ وكانت خياراتنا محصورة بين ثنائيات بائسة مثل الحزب الوطني أو جماعة الإخوان, وقد سقطت هذه الثنائيات واتضح الواقع والأفق السياسي علي أطراف عديدة أكثر قوة وفاعلية. وتحدد طبيعة أو سمات ثورة52 يناير معالم الأفق والفضاء السياسي والفكري الجديد علي النحو التالي: نحن إزاء ثورة بلا خميني وبلا خمينية ويمكن القول ان ثورة الشباب المصري اسقطت فكرة الخمينية, في الفكر السياسي, وهي الفكرة التي استحوذت علي فريق منا منذ سنة9791, وصحيح ان هناك فارقا بين الفكر الخميني والفكر الشيعي, لكن الخمينية استقطبت واستحوذت علي أفكار كثيرين ربما بفعل الإعجاب أو الرغبة في الخلاص من المستبدين في السلطة والحكم. نحن الآن بإزاء ثورة ليست محكومة بأفكار الإسلام السياسي ولا بدعاة الدولة الدينية, ويرتبط بهذا ان ثورة52 يناير هي ثورة وطنية خالصة بمعني انها تؤكد منذ اللحظة الأولي الطابع لمصري, وتطلعاتها المصرية في المقام الأول وتنحاز إلي العمومية المصرية, وفي أفراح الانتصار ارتفعت في ميدان التحرير وشوارع القاهرة أمزوجة جميلة ومؤثرة تؤكد هذا المعني حيث راح الجميع يرددون ارفع رأسك فوق..انت مصري في الجيل السابق مباشرة لم تكن الهوية المصرية واضحة ولا مؤكدة لدي طليعة الشباب, سواء عند الجماعة الإسلامية أو الجهاد كان انحيازهم أكثر لمفهوم الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية التي تحكم العالم من الباكستان شرقا وحتي المحيط الأطلنطي غربا وربما تمتد لتغزو أوروبا وأمريكا. ومنذ دخول القوات الأمريكية العراق في شتاء سنة3002 وما حدث بعدها كان هناك تصور أو حلم لدي البعض وتخوف في الوقت نفسه عند البعض الآخر, من ان الديمقراطية في بلادنا لن تتحقق إلا علي الدبابة والطائرة الأمريكية, لكن الثورة المصرية أثبتت ان مقاومة الاستبداد والثورة علي المستبد وإسقاطه عملية محلية وأهلية في المقام الأول, وان الطائرة المقاتلة الأمريكية لا تعني سوي الاحتلال حتي وإن اقتضي ذلك الاحتلال إزاحة طاغية مستبد, ومن ثم سقطت الزعامات التي من عينة الجلبي الذي لم يمانع البعض هنا من محاولة السير علي نهجه. وأظن ان ثورتنا المصرية تفتح بقوة ملف العلاقات العربية الأمريكية وربما علاقات أمريكا بدول العالم الثالث كله, فقد قامت هذه العلاقات علي ان تدعم الولاياتالمتحدة الطاغية والمستبد المحلي الذي يضمن مصالحها في المنطقة, تلك كانت القاعدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, لكن الثورات المحلية خاصة منذ ثورة إيران سنة9791 اثبتت فشل تلك القاعدة, ويبدو ان الولاياتالمتحدة بدأت تستوعب ذلك ففي إبان الثورة المصرية أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون انهم يريدون الشراكة مع الشعب المصري وليس الحكومة المصرية فقط, وراح الرئيس أوباما يؤكد ان أحدا لن يفرض علي الشعب المصري شيئا لايريده وحكما لايقبله. ثورة52 يناير مدنية خالصة لم تقم بها جماعة دينية ولا تنظيم عسكري مسلح كما حدث في2591 ولم يقف خلفها أيديولوجية حزبية مغلقة بل ثورة شباب تمرد علي الاستبداد والتسلط السياسي والفساد المالي والبيروقراطي, ومن قاموا بها مجموعة من الشباب لا تراودهم أحلام الصعود إلي السلطة وتولي الحكم لكن لديهم الرغبة في المشاركة السياسية وفق قواعد الدولة المدنية التي تقوم ابتداء علي تداول السلطة. والواضح أمامنا ان الثورة أعادت الجاذبية إلي الدور المصري وريادته في المنطقة, لقد عاشت مصر في العقدين الأخيرين منكفئة علي نفسها ومذعورة أحيانا من ان يمتد تصدير الثورة إليها من خارجها, لكنها اليوم تثبت ان لديها ما تقدمه وسبق لي الإلحاح علي ان مصر مطالبة بأن تقدم للمنطقة الآن نموذجا للدولة المدنية الوطنية الحديثة, ففي عصر محمد علي بدأت بتقديم نموذج الثورة الوطنية المستقلة نسبيا عن دولة الخلافة, وبعد ثورة9191 قدمت مصر نموذج الثورة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي وفي الخمسينيات كان نموذج الدولة القومية وها نحن نقدم اليوم نموذج الثورة المدنية الوطنية الذي أخذ يزحف نحو بلدان أخري في المنطقة, وأتصور ان ذلك يمثل رد اعتبار لمصر وللمصريين في المنطقة بعد الاستخفاف الصامت بهم حينا والمعلن حينا آخر من كثيرين في المنطقة. وأخيرا فإن ما جري يوم52 يناير وحتي11 فبراير يرد الاعتبار في لغتنا وتفكيرنا إلي مفهوم الثورة الذي عمل فريق كبير منا علي تسفيهه والنيل منه في مواقف كثيرة وبدعاوي متباينة.