علي العكس من ثورة23 يولية التي عبرت في البداية عن إرادة الجيش ثم اكتسبت شعبيتها بالمباديء الستة التي أعلنتها, فإن ثورة25 يناير قامت منذ بدايتها علي إرادة شبابية شعبية تطالب بالتغيير. ولم يدر في ذهن مفجرها ذلك الشاب النحيل وائل غنيم حين أطلق دعوته علي الفيس بوك لتنظيم مظاهرة سلمية مليونية تطالب بحق الشعب في الحياة الكريمة, أن دعوته سوف تتحول إلي أكبر ثورة سلمية شعبية عرفها العالم, ثورة سوف يؤرق صداها علماء الاجتماع في بحثهم لظواهرها ونتائجها. أول ما يلفت النظر إلي هذه الثورة أن المحللين الكبار الذين تناولوها في بدايتها سخروا منها. وتوقعوا أن لا يشارك فيها أكثر من خمسة آلاف علي أقصي تقدير. وأن تنفض خلال ساعة من الزمن, لكن الثوار الشباب خالفوا التوقعات إذ تضخم حشدهم لينضم إليهم ملايين من كل الطبقات والأعمار والأطياف الايدلوجية, ولا هدف لهم سوي إحداث تغيير جذري في واقع سياسي واجتماعي واقتصادي اصابه الجمود والترهل ولم يعد يحس بشعبه. ثار الشباب وأخرسوا كل الأقلام التي ادعت علي امتداد ستة عقود أنها تتحدث باسمهم. ونصبت نفسها معبرا عن طموحاتهم, وعزلته عن معترك السياسة. بحجة صغر سنهم, متناسية أن مصطفي كامل قاد ثورة مصر ضد الاحتلال الإنجليزي وهو بعد في العشرين من عمره. أسباب كثيرة أدت إلي كسر صمت الشباب, وإنطاق أبي الهول بعد صمت دام قرونا, يأتي في مقدمتها اصرار السادة الذين نصبوا أنفسهم أوصياء علي الشباب علي ابعادهم كليا عن المشاركة الفاعلة في قضايا وطنهم, وحتي مجالس اتحادات الطلاب تدخلوا في تشكيلها مما أولد جيلا من الشباب المكبوت ينتظر لحظة الانفجار. وكان لتآكل دور الطبقة الوسطي التي كانت دوما الوقود المحرك للوعي الوطني, وتراجع دورها علي امتداد العقود الستة الماضية نتيجة الخلل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي حل بشرائح المجتمع, وانتشار الفساد والرشوة والواسطة, وتجاهل الدولة لهذه المشكلات واتباعها في معالجتها لها سياسة التمويت بالنفس الطويل, مما أزكي لهيب ثورة الشباب, بانضمام فئات أخري من مختلف الأعمار إلي شباب الثورة, بخاصة حين تم الكشف عن مليارات الدولارات اقتطعت من قوت الشعب لصالح أشخاص بعينهم استغلوا وجودهم في السلطة ليحققوا ثروات ضخمة بطرق غير مشروعة. وزاد الثورة اشتعالا ما فعله وزير الداخلية المشلوح من إلقاء الزيت علي النار, حين أمر قواته بضرب المتظاهرين, وانسحب مخلفا وراءه مئات من القتلي وآلافا من المصابين. إن معالجة الوضع الحالي للبلاد تستلزم أولا قبل كل شيء اثبات جدية الدولة في ملاحقة المفسدين, عبر استرداد ثرواتهم المنهوبة, والاستفادة منها في تحسين الأحوال المعيشية وتوفير فرص العمل, وسداد ديون مصر. ثم هناك قضية الاشتغال بالسياسة, فقد عشنا زمنا نلصق التهم بكل من يحاول العمل السياسي, فهذا رجعي, وذاك تقدمي اشتراكي, وهذا أخواني, وذاك ليبرالي,. وقسمنا الشعب ما بين يمين ويسار, وقد حان الوقت لمحو هذه التقسيمات, والنظر إلي المصريين علي اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم وعقائدهم علي أنهم جميعا مواطنون لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات. وتبقي الحرية.. القضية الأكبر التي بدونها لن تتحقق آمال الشعب وأمانيه, وأذكر أنني قبل سنوات قرأت في بريد الأهرام عن دراسة أكاديمية نمساوية أثبتت أن الدجاج الذي يعيش في بيئة حرة في المزارع والبيوت, ينتج بيضا أغني بالفيتامينات من الذي يعيش في أقفاص.. فإذا كان الحال هكذا بالنسبة للدجاج فكيف هو بالنسبة للإنسان الذي كرمه الخالق بجعله خليفته في الأرض. إن الدولة مطالبة ليس فقط بفتح حوارات مع الشباب عبر ممثلين لهم وانما أيضا ايجاد قنوات وآليات دائمة تسمح لهم بالتعبير عن رؤيتهم لواقع وطنهم, بالشكل الذي يمكنهم من خلاله الاسهام في احداث تغيير, وتحقيق تفاعل ايجابي بينهم وبين السلطة. لقد آن الأوان للنظر إلي الشباب علي أنهم شركاء في هذا الوطن, وليس مجرد شباب غر يحتاج لمن يتحدث باسمه.. لقد سطر وائل غنيم البداية, فهلا نتشارك جميعا معا لتكتب النهاية السعيدة.