كتب : اسامة اسماعيل : بعد أن قالت مصر كلمتها عالية مدوية في أرجاء العالم بكل اللهجات واللغات الإفريقية.. وأثبتت بشكل عملي للجميع, وبما لا يدع مجالا لأي شك, بأنها الأحق والأجدر بتمثيل القارة الإفريقية في نهائيات كأس العالم من أي فريق آخر أهلته تلك التصفيات بلوائحها المعدلة.. كما نجحت في مسعاها نفسه في إضافة بطولة كبيرة إلي رصيدها وزينت صدرها بنجمة سابعة لم يبلغها فريق أفريقي آخر, وفي مقدمتها الفرق الخمسة المؤهلة لنهائيات المونديال, وبالكاد تجاوز نصفها فريق واحد من بينها. بعد هذا الرد العملي البعيد والمنزه عن غوغائية الخلاف والصراخ الذي لا طائل منه.. آن الأوان الآن أن تهدأ النفوس الجريحة, وأن تطمئن القلوب التي كاد يصيبها القنوط, وأن تثق العقول في أنها تنتمي إلي بلد لا يدع حقه أبدا يضيع, ورده دائما يأتي بشكل يسجله التاريخ درسا لكل من أراد استيعاب دروس التاريخ. أقول بكل الارتياح والثقة إنه بعد هذا وذاك.. لم يعد من المقبول أن تظل صفحة الخلاف مع الأخوة في الجزائر مفتوحة هكذا إلي أبد الآبدين, مستندا في ذلك الطرح إلي نقاط جوهرية.. فإلي جانب أن المنتخب الوطني أوصل رسالته واضحة وصريحة إلي الجميع من خلال فوزه الساحق علي المنتخب الجزائري4/ صفر, وتتويجه بكأس الأمم الأفريقية وتخطيه بجدارة لأربعة منتخبات متأهلة إلي نهائيات كأس العالم, فإنني في الوقت نفسه أراني راصدا لتجاوب إيجابي من السلطات الجزائرية برغبة أكيدة في تجاوز هذه الخلافات قبل لقاء أنجولا من خلال عدة مواقف مسئولة.. وهي: اعتراف وزير الداخلية الجزائري علنا في مواجهة البرلمان الجزائري بحدوث تجاوزات في تسفير المشجعين إلي السودان, ومن بينها إصدار وثائق سفر لمن لا يستحقون حملها, متعهدا باستعادة هذه الوثائق منهم, وعدم الإقدام علي مثل هذه الخطوة فيما بعد, وهو ما يؤكد من جهة أخري أن الحكومة الجزائرية لم تكن راضية عما حدث. رفض السلطات الجزائرية التجاوب مع بعض الدعوات بجعل لقاء المنتخبين في أنجولا امتدادا لما حدث في الخرطوم, ورفعت يدها تماما عن دعم المسافرين وتجييش المشجعين, فلم يصل إلي أنجولا من المشجعين الجزائريين إلا من يسعد المرء من أي جنسية بالاختلاط بهم, ومن ثم لم تجد السلطات الأنجولية أي صعوبة في الحفاظ علي أمنها وأمن ضيوفها وبطولتها ومبارياتها. أما ما حدث في الملعب من تجاوز للاعبين الجزائريين باستخدام العنف أمام نظرائهم المصريين, فقد تولي حكم المباراة معاقبتهم علي ذلك, وهو أمر وارد بين أي فريقين, وعلي الرغم من إيقاف هذا الحكم, إلا أن الإيقاف كان لتخاذله في الدفاع عن حرمة التحكيم الإفريقي بتغاضيه عن اعتداء الحارس الجزائري عليه, وإذا كان منطق الحكم خوفه من إفساد المباراة, وقد قام لتوه بطرد لاعب جزائري آخر, فإن المسئول الأول عن الاتحاد الإفريقي أكد أن كل الاحتياطات كانت مأخوذة للحفاظ علي أمن البطولة, وما كان يجب علي الحكم أن يتغاضي عن المحافظة علي كرامته, ومن ثم كرامة الحكام الأفارقة. وحري بنا في مثل هذه المواقف أن نفرق بين التصريحات الرسمية التي تصدر عن جانب, ما يقوله بعض اللاعبين أو المدربين الذين يحاولون دوما المداراة علي فشلهم الفني, كما أن ما نسب من تصريحات إلي الأخ محمد راوراوة رئيس الاتحاد الجزائري لم تجاف الحقيقة من أن الحكم لن يدير أي مباراة مهمة بعد ذلك.. وكيف يدير مثل هذه اللقاءات وقد بلغ من العمر44 عاما ولم يشمله الاختيار ضمن قائمة حكام كأس العالم, ولن يبلغ أي بطولة قارية مقبلة.. مما يجعل تصريحات راوراوة إن صحت للاستهلاك المحلي والتسكين الجماهيري. وإذا كنت شاهدا علي بعض أحداث الخرطوم لاسيما خلفياتها وما دار في كواليسها, وأضارني بالطبع ما أضار الجماهير المصرية التي زحفت خلف منتخب بلادها, وجرحني بالقطع ما جرح ملايين الجماهير المصرية من تعديات علي الجالية المصرية في الجزائر.. إلا انني لم أغفل أبدا اعتبارين مهمين: أولهما: أنني لم أنظر يوما لما تناولته الصحف الجزائرية( ولا تزال بكل أسف) من سباب وتأليب علي مصر علي أنه موقف رسمي من دولة الجزائر. ثانيهما: أن قطاعات عريضة من الجماهير الجزائرية قد أحزنها أن يصاب لاعبيها جراء اعتداء قبل المباراة مع التحفظ علي ملابسات الواقعة التي تعرض لها الأتوبيس الجزائري وهو في طريقه من المطار إلي الفندق قبل لقاء القاهرة, كما أن الملايين من الجزائريين كانوا ضحية خداع بعض الموتورين الذين حاولوا إيهامهم بأن هناك قتلي جزائريين في شوارع القاهرة. وإذا كان الأخوة في الجزائر يطالبون باعتذار عما حدث للاعبيهم قبل مباراة القاهرة, فإن من حق المصريين أيضا أن يطالبوا باعتذار عما حدث في الجزائر نفسها, وفي الخرطوم.. مع الوضع في الاعتبار أن الفيفا تنظر إلي كلا الاعتداءين المثبتين بنظرة مختلفة, ذلك أن حادث القاهرة أصاب لاعبين, بينما لم يثبت من اعتداءات الجزائريين علي الجالية المصرية لديهم وعلي الجماهير المصرية بالخرطوم أن كان أحد ضحاياها من اللاعبين, ولأن الفيفا هيئة كروية فإنها لا تتدخل في أية منازعات إلا الكروية منها, ولذلك فإن العقوبات المنتظرة سيكون نصيب الاتحاد المصري منها أكبر مما سيناله الاتحاد الجزائري بينما تستأنف بقية القضايا أمام جهات اقتصادية وأمنية. ومع ذلك.. دعونا نسأل أنفسنا هنا وهناك.. في مصر و في الجزائر.. ماذا سيفيدنا كمصريين لو وقعت عقوبات علي الجزائر ؟.. وبماذا ستستفيد الجزائر من أية عقوبات توقع علينا ؟.. وإلي متي سيظل كل جانب يطالب باعتذار الآخر متناسيا مافعله بحق أخيه ؟. لننظر جميعا إلي أرض الواقع في لحظة صدق مع النفس وبعين عربية نتشدق جميعا بها, بل ويتباهي كل طرف بأنه الأحق بها و الأقرب لها.. سنكتشف أنه في كل الأحوال حقق كلا المنتخبين انجازا ومكسبا للكرة العربية.. المنتخب الجزائري شئنا أم أبينا هو الممثل الوحيد للكرة العربية في كأس العالم, والمنتخب المصري هو المنتخب الوحيد الذي أكد أنه بطل لقاراته عن جدارة, وأمام الجميع سنوات طويلة للاقتراب من إنجازه. لماذا إذن.. لا نطوي هذه الصفحة ويتفرغ كلانا إلي تحقيق مزيد من المكاسب والإنجازات لكلينا وللكرة العربية ؟ لماذا إذن.. لا نضع أيدينا في أيدي بعضي ونقف صفا واحدا أمام بعض العنصريين الأفارقة الذين لا يرجون للشمال' الأبيض' أن يمثل الكرة' السوداء' في المحافل العالمية, فيوقعونه دائما في مواجهات داخلية ظالمة ؟.. لماذا لا نحكم صوت العقل ولو لمرة واحدة ؟