لا شك ان ما شاهدناه من أداء للفرق الأوروبية الكبرى فى تصفيات كأس العالم فى جنوب أفريقيا حتى الآن كان مستوى مخيب للآمال بكل تأكيد ، وهو ما يدفع بذاكرتنا للترحم على كرة القدم التى تابعناها فى نهائيات كأس العالم خلال حقب الستينات وحتى التسعينات الى بداية الألفية الثالثة !! وبالرغم من تطبيق الاحتراف وانتشار مظاهره فى معظم بلدان العالم وهو ما يضمن ان تتحدث كل عناصر اللعبة لغة واحدة فى كل دول العالم، وتنظم اللعبة ومسابقاتها لوائح وتعليمات ثابتة تشمل كل عناصر اللعبة ، إلا ان الاحتراف لم يساعد على زيادة المهارة او الابداع الجماعى للمنتخبات فى مبارياتها فى نهائيات كأس العالم كما كنا نتابع مباريات التصفيات لنفس المنتخبات !! فالاحتراف هو بيئة تُلزم عناصر اللعبة داخلها بأداء مهامها مراعية "أصول الصنعة" مع توفير كل الظروف لكافة العناصر للقيام بواجباتها كما جاء فى تعليماتها ولوائحها والحصول على الحقوق بنفس الدرجة وطبقا لنفس التعليمات واللوائح. إلا ان الآثار السلبية التى نشأت عن الاحتراف ولم يتوقعها القائمين على اللعبة دوليا ، اصابت اللعبة فى مقتل ، أى أصابت "روح اللعبة" ، وقسمت العالم الى ثلاث فئات : 1- فئة العبيد (أو بتعبير أقل قسوة فئة البروليتاريا). 2- فئة الموظفين (أو فئة البرجوازية). 3- فئة النبلاء (أو فئة الإقطاع) . وتنحصر اغلبية فئة العبيد او فئة العمال او الشغالة فى أفريقيا.. حيث استطاعت القوى الكروية استمرار فرض استعمارها ليشمل ثروات جديدة هى لاعبى كرة القدم فى المستعمرات السابقة او فى غيرها ،، وليس هذا فقط ،، بل الرق الجديد أيضا من خلال خطف أطفال المستعمرات ،، حيث اقاموا المدارس الكروية فى بلدان افريقيا لاكتشاف المواهب ورعايتها وعند اكتشاف الموهبة ،، يتم شحنها الى دولهم حيث العناية الكاملة مقابل عدة دولارات للأهل الذين سيسعدون بالتأكيد لتخلصهم من عبء تربية طفل الى سن الشباب ،، وهكذا يتربى الطفل او اللاعب الافريقى على الولاء والحب لمكان جديد غير وطنه ،،، ولا تتوقف حدود الكارثة عند ذلك فقط ،، بل إن كل جيل هذا الطفل "المحظوظ" وباقى الأجيال الواعية والمدركة لما حدث ويحدث تتمنى ان يكون حظها نفس الحظ فى الحياة والإقامة فى تلك البلاد ،، فيتفتت ولائهم الوطنى برغم استمرارهم على ارض بلادهم !! وهكذا نلاحظ ،، أن لاعبى أفريقيا المحترفين ،، لا يقدمون أقصى ما يملكون من مهارات وجهد فى منافسات نهائيات كأس أفريقيا ،،، لذا لا تجد لاعبينا الناضجين اى جهد فى حصد الكأس تلو الكأس ،، فى حين ان نفس المنتخبات التى تخسر بسهولة أمامنا ،، كانت أسوداً متوحشة فى التصفيات ،، لماذا ؟؟؟ لأن منتخباتهم حينها كانت تتشكل من لاعبيهم المحليين ،، والذين يتم استبدالهم بالمحترفين فى النهائيات !! وضع غريب ،، هو نفس الوضع الذى نفقد معه كل ما كسبناه من وضع كروى رائع وانجازات هائلة حققناها فى النهائيات الافريقية ،، عندما نواجه منتخبات لدول ضعيفة كروياً فى تصفيات كأس العالم والتى يعلو حينها كعبها علينا ويقدمون مباريات تفضح مستوانا بالنسبة لهم وينتهى الأمر دوما بخروجنا من التصفيات وعدم الوصول لنهائيات كأس العالم منذ عام تسعين من القرن الماضى وذلك لنفس السبب ،، أى ان منتخبات تلك الدول – حتى الغير مشهورة كرويا – تلاعبنا باللاعبين المحليين ،، الذين يتصورون انهم فى تحد اثبات انهم أحق بتمثيل بلادهم من المحترفين وبالتقدير والاحترام لعلو احساسهم الوطنى استجابتهم بإخلاص لدعاوى حاجة بلادهم الى جهدهم وانتصاراتهم ،، وعند وصولهم للنهائيات ،، يتم استبدالهم مرة أخرى بالمحترفين الذين يخيبون أمل بلادهم فيهم !! وهكذا ،، اصبح المحترف عبدا لأمرين لا يبذل الجهد إلا من أجلهم : 1- للمال أينما كان . 2- ولمن يدفع المال كشعور بالولاء سواء منذ الصغر او منذ قدومه محترفا ومحروما من الكثير فى بلاده يجده فى وطنه الكروى الجديد . لذا فهاهى نهائيات كأس العالم فى جنوب أفريقيا تثبت خيانة الفرق الأفريقية على الاقل بالقياس لأضعف الفرق اللاتينية برغم الفوارق المهارية والبدينة والخبرات ،،، ولم تظهر الفرق الأفريقية أى حماس فى مبارياتها مع الفرق من قارات أخرى إلا عند تحول الأمر لأمر شخصى مثلما حدث فى مباراة كوت ديفوار والبرازيل وأدى الى استثارة الغضب "الشخصى" للاعبين ضد زملائهم البرازيليين فى الفرق الأوروبية ،، ولم يكن الباعث الوطنى او الحفاظ على هيبة دولهم الكروية هى السبب فى الغضب !! بل إن الحرص على السلامة كان أحد اسباب تخاذل اللاعبين الكبار الأفارقة المحترفين فى الفرق الاوروبية الكبرى ،، سواء فى نهائيات أفريقيا او نهائيات كأس العالم ،، فالتعليمات المشددة بتجنب الاصابة والتهديد بالعقوبات فى حال حدوثها ،، يبنى جدارا قويا من الحرص لدى اللاعبين الافارقة المحترفين يمنعهم من الحماس او اللعب القوى او التعرض للالتحامات أثناء المباراة وهكذا يدفعهم الاحتراف وتوابعه للظهور فى صورة باهته فى المقابلات تجعلنا نتحسر على وصولهم للنهائيات بدلا من دول كانت ستشرف أفريقيا لو حضروا بدلا منهم!! أما الفئة الثانية فهى فئة البورجوازية أو فئة الموظفين ،، وهو وصف ينطبق تماماً على الكثير من لاعبى أوروبا ،، لأنهم فقدوا الرغبة فى التميز والإجادة ،، وتركوا ميدان المهارة والإبداع للاعبى دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية ،، لذا اندثرت الكثير من المهارة الأوروبية فى لاعبيها وأصبح المعيار الأساسى أو الرئيسى فى تحديد مدى القيام بالمهام فى حجم الجهد المبذول او عدد كيلومترات التحرك والجرى ،، ومدى التنفيذ الخططى بغض النظر عن الابداع او الروح العالية والرغبة فى الحفاظ على التفوق والتميز !! أى ان لاعبى أوروبا يؤدون مهامهم بدون روح ،، او حماس ،، أى ما يرونه يناسب المبالغ التى يحصلون عليها مقابل إحترافهم ،، وهذا ما رأيناه واضحا فى لقاءات المنتخبات الأوربية مع منتخبات قارتهم او القارة الأفريقية او الأمريكية ،، على الاقل فى أول مباراتين ،،، حيث اختفت تماما روح الفريق فى أدائهم وعدا الحرص الألمانى وجهد سلوفينيا وصربيا على قدر خبراتهم ،، كانت المنتخبات الأوروبية قد خلفت انطباعاً جماعيا مؤسفا عن مستواهم فى المونديال الحالى !! وبغض النظر عن استفاقة البرتغال او محاولات هولندا وانجلترا ،، فإن لاعبى المنتخب الفرنسى قد عبروا تعبيرا ولا أوضح عما نقول وعن الأداء من خلال المفهوم البرجوازى لكرة القدم ،، حيث أثر اعتمادهم على بذل الجهد والمهارة والإبداع الجماعى فى منافسات أنديتهم المحلية على لاعبى أفريقيا وأمريكا اللاتينية ،، بينما ارتضوا بالقيام بدور البديل او السنيد او حتى سد الفراغ فى بعض المراكز فى خطط مدربيهم فى مسابقات أنديتهم الأوروبية المحلية ،، فاختفى الإبداع والمهارة فى أداء الاوروبيين حتى جمال الأداء الجماعى ،، ولا شك فى وضوح أثر الاحتراف على ذلك !! الفئة الثالثة هى فئة النبلاء ،، أو الاقطاعيين ،، أى الذين يتحكمون فيما يملكون من جهد ومهارة ،، وربما فى انتاج غيرهم ايضا ،، وسبب تسميتهم بالنبل .. اننا لم نسمع انهم شاركوا فى مؤامرة ضد فريق او باعوا مباراة او ضميرهم ،، فهم يلعبون لمتعتهم الى جانب امتاع الآخرين ،، وللحصول على المال اذا كان تقدير ما يملكون يستحق!! وهذه الفئة موجودة بشكل أساسى فى لاعبى أمريكا اللاتينية ،،، حيث لم تصيبها الآثار السلبية للاحتراف ،، فهم يبذلون الجهد ويتمتعون بلعب الكرة فى ذات الوقت وفى ظل ظروف وعهد الاحتراف تماما كما كانوا فى ظل الهواية ،، ولم يزدهم الاحتراف إلا قوة أكثر حيث وفر للاعبين حياة كريمة عن ذى قبل ،، بل ووفر لبلادهم مصدراً جديدا للدخل لم يتوفر فى عهود الهواية ،، وهو عائد بيع انديتهم للاعبين المهرة للأندية الأوروبية مما وفر لخزينة الدولة عملة أجنبية لم تكن موجودة مع مرحلة الهواية ،، أضافت الكثير بلا شك للدخل القومى للكثير من تلك الدول ،، دون ان ينضب معينها من المهارة والإبداع !! وهكذا شاهدنا المنتخبات اللاتينية تؤدى بجدية ثابتة طبقا لحجم خبرتها وإمكانياتها بلا تهاون او هوادة ،، ولا شك أن المباريات التى يكون طرفها فريقا لاتينيا هى المباريات الأكثر أهمية وجذبا للمشاهدة ،، وأثبتت جولات المونديال أيضا ان جمال ومنافسة الفرق الأوروبية التى نتابعها كلها لا تقوم إلا على أكتاف مهارة لاتينية وإبداع إفريقى !! صحيح لم تطبق مصر الاحتراف إلا من وجه واحد هو العلاقة المادية بين اللاعب والنادى ،، إلا اننا أكثر دول العالم حصدا لنتائجه خاصة فى نتائج النهائيات الأفريقية ،، وربما يكون تطبيق الاحتراف المزمع تطبيقه بعد المونديال على مسابقاتنا المصرية ،، هو أكبر خسارة لنا ،، فلم ينجح لنا محترف بالخارج لأكثر من عامين إلا هانى رمزى وأحمد حسن أما الباقين فمؤشرهم سنة طالع وسنة فى النازل ،، وربما اذا انتظم لاعبينا ونجحوا فى الالتزام بقواعد الاحتراف واستمروا بالخارج ،، ان يصبح العمود الفقرى للمنتخب من المحترفين ،، الذين ربما يصابوا حينها بفيروسات السلبية نتيجة الاحتراف الذى جاء اساسا للقضاء عليها !!