بكي القلب والثري والحجر أهذه مصر التي يعرفها البشر! أتسيل جهارا دماء القريب بفعل خسيس وكفر أشر! في لحظات نادرة, توحدت, علي غير موعد قلوب المصريين علي امتداد وطن عريض, وتوحد حجر طريق وثراه فيما بين مسجد وكنيسة قديسين لتقول في أنين صامت مكلوم: .. أهكذا تختلط دماء الأبرياء, في مستهل لحظات عام جديد لميلاد رسول عزيز لدي الله وعلي آمته, بعثه بالهدي لناس قبيل آخر المبعوثين وخاتم أنبيائه المرسلين! سالت دماء واختلطت, ليس اختلاط طائفي الأمة, كما يقول أهل الفصل المميزين, بل اختلاط مزيج الأمة, فلم تكن أمة مصر علي امتداد تاريخها, منذ دخول الاسلام سوي أمة واحدة, كان الجمع علي امتداد طول الزمن, في نيف أربعة عشر قرنا, متجاورين متحابين متعاطفين تري منهم من تري, ولا يخطر ببالك إلا إنهم مصريين. وهال الاعداء جبروت مصر, إذا أتحدت وتطورت وتقدمت, فراحوا يكيدون ويدسون كل المكائد والفتن والشرور, من شتي الألوان والأنواع فبالفرقة يضعف الكيان, وبالتمزيق ينحل أي بنيان. هل ستصبح مصر مرتعا لإرهاب من نوع علينا جديد, قديم في بلدنا مزقتها الأعداء بافعتال الخصومة والحروب, ويأبوا أن يتركوها إلا عظاما نخرة جافة يستحيل في تكوينها بداية حياة أو انبعاثه روح, لو يقدر هين يسير. هل أرسل الله الأديان لتتناحر, أم أنها في الاصل دين واحد, فالله الرب الخالق واحد, ولو كان اثنين لذهب كل بما خلق, شتي الأديان في مكنونها وحدة الجوهر, بل أخطأ من يعتقد أن الاتقياء اصحاب العقائد ليس أهل دين, بل هم موحدون عابدون محسنون, تأمل قول الفيلسوف بوذا: فلتضع طعامك علي عتبة بابك ليأكل منه الفقراء والمساكين وعابري السبيل, أي لا تنتظر قدوم سائل ليسألك بل ضع له سؤاله ليأخذ منه ما يشاء, دون حرج أو إراقة ماء وجه, أي رحمة من الإنسان لأخيه الإنسان أكبر من هذا. وكانت الأديان لتكرس ذلك وتعمقه في العطاء في العلن, ليزيد الثواب والأجر عند رب العباد. الآن آمن الجميع, صغيرهم وكبيرهم باستهداف الوطن, ملك الجميع, فقد سالت الدماء واختلطت من يستطيع تمييز دماء صاحب دين أو عقيدة ما بين تلك الدماء؟ لقد اختلطت كلها بلون واحد وقوام واحد وخطوط علي الأرض والجدران واحدة. ما أهلكك أيها الفاعل, إن الدين, أي دين, بل أي عقيدة إنسانية منك براءة عزاءنا الوحيد الذي بالفعل هو بداخل مكنونك, هو أنك مختل العقيدة والعقل والكيان, فلا يعقل ممهما كان, أن تكون سوي العقل والقلب والوجدان, آلا تخيلت أحد أقاربك أو أعزائك بين القتلي أو المصابين, ما شعورك أو إحساسك.. بالقطع أنت فاقد لإحساس والشعور.. لو نطقت مياه العطشي لصرخت إنني محرمة عليك ومن هو مثلك وهم قليلون, فمصر كلها منك براء. والآن يا جموع مصر.. يا أهلها الطيبون الصابرون, يا من رأيتم من تجبر الاعداء عبر الزمان غوائل المكائد وعظائم المحن, وطننا غال لا يهون فلنقطع أمل الأعداء ودابر المتربصين, لنقف جبهة واحدة كما كنا دوما متراصين, ولتشتد متانة نسيجنا السرمدي, حتي لا يفرح من أراد ويرتد القهقري بخيبة الأمل مدحورا أبد الأبدين. يأمن تكابد الآلام بفقد عزيز أو عمق جراح, لك الصبر ولنا ايضا, فالألم فينا واحد, فدماء من أصيب من أهلنا هي دمائنا وروحه جزء لا يتجزأ من روحنا, أطرح آلامك واسمو بإمانك بقدرة عزيز بعبه رحيم, وليضع الجميع في يد وقلب كل مصري علي تراب هذا الوطن, فالتلاحم ورصد الأعداء مسئولية وطن وقوم, كل منا قوامها وأساس بنيانها.