كان عقل( مريم العذراء) مثل طائر لايكف عن الطيران السريع والهبوط المفاجئ. ان تفكيرها لايكاد يستقر علي غصن من أغصان السلام والراحة حتي يهتز ذهنها بشئ فيطير الهدوء ويعاودها القلق. إن تفكيرها كله يدور حول مركز واحد: هو عيسي, وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود؟ ماذا يقولون عنه؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود وهو بعيد عن السماء ان السماء هي التي رزقتها بطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي ولابد ان تعود إلي قومها..فماذا يقول الناس؟ كان الوقت عصرا حين عادت مريم, وكان السوق الكبيرة التي تقع في طريقها إلي المحراب تمتلئ بالناس الذين فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون, لم تكد مريم تتوسط السوق حتي لاحظ الناس انها تحمل طفلا وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطء. تساءل أحدهم..أليست هذه مريم العذراء؟ طفل من هذا الذي تحمله علي صدرها؟ وقال آخر: هو طفلها..تري أي قصة ستخرج بها علينا؟ وسقطت الكلمة من فم الرجل علي الأرض وكانت الأرض موحلة بسبب المطر العظيم الذي سقط ليلة الأمس, وكانت هناك عقول أشد اتساخا من وحل الأرض..في البداية حاصرتها الأسئلة: ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لاتردين؟ هل هو ابنك قطعا..كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟! يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا.( سورة مريم الآية82) راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس تومض عيناها بالكبرياء والأمومة ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة فلما زادت الأسئلة وضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال اشتد توكلها علي ذي الجلال وأشارت إليه..أشارت بيدها لعيسي.