كتب : علي السيد ربما كان فيلم'678' حديث الناس في البيوت ودور العرض والشوارع, خلال الأيام القليلة الماضية, لكن صناع الفيلم لم يدر بخلدهم أنهم سيكونون طرفا في ساحات المحاكم. وبتهمة معلبة تستخدم في وقت الفراغ أو للتسلية ولفت الانتباه. تهمة لا محل لها في السينما أو الإبداع..تهمة تستخدم عند الإفلاس.. تهمة لا يصح أن تطلق علي بلد بسبب عمل فني, ولا تليق بالإبداع, فالعمل السينمائي يقيمه الجمهور, ويرصد أبعاده النقاد, ولا شأن للمحاكم بما تجود به قريحة المبدعين. الأهم أن الفيلم الذي يرصد قضية اجتماعية مفزعة وظاهرة مخجلة للرجال أولا ومهينة للنساء ثانيا يستحق الإشادة لأنه يمسك بالجرح وليس الجرجرة في المحاكم. ولست أدري علي أي أساس رفعت هذه القضية, وهل ما يراه الأجانب من تحرش مخجل ومفزع ليس مسيئا لسمعة مصر, هل الاهانة التي تتعرض لها المرأة المصرية يوميا في الشارع ووسائل المواصلات ومقار العمل عن طريق التحرش باللفظ واللمس وحتي النظرات ليس مسيئا لسمعة مصر؟ وكأن علي السينما أن تصور في الشواطئ والفيلات وتقدم القصص المضحكة والمسلية والتافهة فقط وليست أحد أهم أدوات التغيير في المجتمع. وللجهلاء الذين لا يعرفون فإن سمعة البلاد لا تتأثر بفيلم أو كتاب, أو أغنية, وإلا لكانت أمريكا هي أسوأ بلدان العالم لأن هوليود قدمت مئات الأفلام التي ترصد أبشع جرائم المجتمع الأمريكي, إنما تتأثر البلاد وتهتز من حادث إرهابي كالذي وقع في الإسكندرية أخيرا, وتصاب في الصميم حين ترصد مراكز البحوث أرقاما مفزعة عن التحرش بالنساء في شوارع مصر, بعد أن غاب عنها القانون والحياء. كاميرا المخرج والمؤلف محمد دياب رصدت بعين ناقدة واحدة من أعقد وأسوأ قضايانا الاجتماعية, ولم يكن الأمر مجرد نزهة سينمائية, أو تسلية عابرة لمشاهد جاء ليضحك وينسي,إنما كان الفيلم عبارة عن محاولة لإيقاظ الحياء الذي مات في وجوه الناس,وإحياء الاحترام للمرأة قبل أن يتعامل معنا العالم علي أننا بلد'خطر' علي النساء. وحسنا فعل مجلس الوزراء, منذ أيام بإعداده لمشروع قرار بتعديل بعض أحكام العقوبات, لمواجهة جرائم الاعتداء الجنسي التي وصلت إلي جريمة كل نصف ساعة حسب إحصاءات رسمية, وكذلك جرائم هتك العرض, واستشراء حالات التعرض للإناث علي وجه يخدش حياءهن. وربما يكن هذا المشروع أحد أهم ردود الفعل لفيلم'678', وأبلغ رد علي الذين يتشدقون بسمعة مصر وينسون أفعالهم, أو يتجاهلون واقعا أشد قسوة مما جاء في هذا الفيلم المهم الذي لم يجدوا فيه عيبا فقالوا:'إنه يسيء لسمعة مصر' ونسوا أن منع عرض فيلم سينمائي' محترم' هو الإساءة بعينها.